الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

معارك داخل البنتاجون

24 مايو 2007 01:48
غادة سليم: استطاعت اعترافات الدائرة المقربة من صناعة القرار في الإدارة الأميركية كشف أسرار كثيرة وخبايا مثيرة لكواليس الحرب على الإرهاب· فسلسلة الكتب التي صدرت تباعاً على مدى العامين الماضيين تحوي سيراً ذاتية بأقلام أبرز القيادات السياسية والعسكرية والاستخباراتية في الولايات المتحدة الأميركية نجحت في تقديم بانوراما جلية ومشاهد حية من الصراعات الخفية التي دارت بين الأجهزة المعنية بإدارة الحربين على أفغانستان والعراق· وبتوالي الاعترافات بدأت تنجلي الأسباب غير المعلنة وراء سيل الاستقالات غير المسببة لقيادات المخابرات وجنرالات الجيش ومهندسي الحرب والتي شهدتها إدارة الرئيس الأميركي بوش على مدى السنوات الماضية· وتبين أن العامل المشترك بين هذه المذكرات هو حديث عن تناقض في وجهات نظر القيادات، وتضارب في مصالح الإدارات وتداخل في الأوامر والصلاحيات وتسريب في الخطط السرية والاستراتيجيات· عض الأصابع لا شك أن الحلقة الأحدث في سلسلة هذه الاعترافات هو كتاب ''الجنرال يتحدث'' للجنرال مايكل ديلونج نائب القائد الأعلى للقيادة المركزية الأميركية المستقيل، والذي صدر منتصف شهر مايو الجاري· فلقد كشف فيه الجنرال حجم التحسس البالغ في العلاقة بين وكالة الاستخبارات المركزية ''سي أي إيه'' ووزارة الدفاع ''البنتاجون'' والمتجسد في شخص مديريهما· إذ لم يشأ رئيس الاستخبارات السابق جورج تينيت أن يعمل تحت إمرة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في الوقت الذي تقوم فيه وكالة الاستخبارات بتزويد وزارة الدفاع بالخطط والمعلومات· وقال الجنرال ديلونج منوهاً بحساسية الموقف: ''لم يعمل جورج تينيت ودونالد رامسفيلد معا بشكل مباشر، لقد كان تينيت قيادياً بطبعه ولا يحتمل طبيعة رامسفيلد المتسلطة·· كان تينيت رجلاً واضحاً يسهل العمل معه في مجموعة على العكس من رامسفيلد الذي كان ينفرد بقراره، ويقسو على جنرالاته، وعلى الصحافة وربما على نفسه أيضاً''· وألقى الجنرال ديلونج مزيداً من الضوء على توتر العلاقة بين جهازي الاستخبارات المركزية والمؤسسة العسكرية الأميركية واستخدامهما سياسة عض الأصابع، قائلاً: ''إن تلك العلاقة الودودة التي امتدت عبر تاريخ الولايات المتحدة الأميركية تحطمت على صخرة الحرب على الإرهاب''، وقال: ''لقد كان مدير وكالة الاستخبارات يجد صعوبةً في التعامل مع وزير الدفاع مما أشاع القلق في أوساط الجهازين الاستخباراتي والعسكري خشية أن ينقلب التوتر بينهما إلى أزمة حقيقية تشل التعاون بين الجهازين''، وقال الجنرال ديلونج: ''إن الرئيس بوش لم يكن تعجبه شخصية تينيت·· ففي أحد الاجتماعات عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصر تينيت على أن المسؤولية تقع منفردة على تنظيم القاعدة في أفغانستان، وأن الأمر لا علاقة له بإيران أو سوريا أو العراق كما يدعي رامسفيلد·· وهذا ما لم يعجب بوش على الإطلاق''· وحتى داخل المؤسسة العسكرية ذاتها كانت الخلافات تطفو على السطح بين الحين والآخر بين تومي فرانكس رئيس القيادة المركزية الأميركية السابق ورامسفيلد· أبرزها تضارب الآراء حول سير المعارك في حرب أفغانستان، إذ كان رامسفيلد يريد حرباً استعراضية على نمط أفلام هوليوود بجنود على الأرض وطائرات في السماء، وبوارج في البحر، ونيران تشتعل من كل اتجاه، بينما فرانكس القائد العسكري الموجود في أرض المعركة كان يريدها حرباً خاطفة بخطى خفيفة وضربات موجعة· ونتج عن ذلك تخبط في الأوامر وضبابية في الرؤى· وقال الجنرال ديلونج: ''ذات يوم، قال تومي فرانكس غاضباً لجنرالات الجيش الذين كانوا يتلقون أوامر متناقضة من وزير الدفاع: (أنا من يدير هذه المعركة، وما دمت أنا أديرها فيجب أن تنصاعوا إلى أوامري فقط، ما لم يقرر وزير الدفاع غير ذلك)، ثم رفع سماعة الهاتف وخاطب وزير الدفاع رامسفيلد قائلاً: إما أن تدعني أدير المعركة على طريقتي ··أو أن تعزلني ·· فإن اخترت الأولى فعليك من الآن أن تتوقف عن التدخل في شؤوني''· وأضاف الجنرال ديلونج: ''كان رامسفيلد يتفنن في الضغط على فرانكس ويستمتع بإثارة أعصابه من خلال استجوابه كل يوم والتحقيق معه عن كل خطوة، وكان التوتر بينهما في ذروته، حتى أن الجنرال تومي فرانكس لم يكن يغمض له جفن، إلى أن قرر تغيير أسلوب التعامل مع رامسفيلد، وعدم إطلاعه على مجريات الأمور أولاً بأول''· خلافات ومشاحنات كان كتاب ''في قلب العاصفة··· سنواتي في الـ سي آي إيه''·· والذي صدر أواخر أبريل الماضي عن رئيس المخابرات الأميركية السابق جورج تينيت قد حمل صوراً أكثر دقة عن حجم المشاحنات الدائرة بين صناع القرار في إدارة بوش· إذ كشف تينيت في 594 صفحة تفاصيل وخفايا خلافه مع مستشار الرئيس الأميركي ريتشارد بيرل ونائب وزير الدفاع بول وولفويتز ونائب الرئيس ديك تشيني حول تبريرات الحرب على العراق وربطها بتنظيم القاعدة· وكشف تينيت في كتابه التوتر بين وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع ''البنتاجون'' بسبب قيام الأخيرة بدفع مبلغ 350 ألف دولار شهريًا لأحمد الجلبي لقاء معلومات استخباراتية بالرغم من تأكد المخابرات الأميركية من أنه يسرب معلومات حساسة إلى إيران· وقال تينيت: ''لم نثق يوماً بأحمد الجلبي، وكنا نضغط على الرئيس الأميركي ليوقف تمويل مؤسسته إلى أن اقتنع أخيراً''· وفي اعترافات مايكل شويار الذي استقال من منصبه كرئيس وحدة بن لادن في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قبل عامين جاء في كتابه ''الإسلام الراديكالي ومستقبل أميركا'' ما يوضح لنا حجم الانقسامات وتبادل الاتهامات داخل وكالة الاستخبارات المركزية نفسها· إذ هاجم شويار رئيسه تينيت وحمله مسؤولية عدم العثور على بن لادن· وقال: ''في كل مرة كنا نحصل فيها على معلومات عن مكان بن لادن كنت أدعو إلى تنفيذ ضربة استباقية ضد (القاعدة) بغض النظر عن الخسائر في الأرواح بعكس تينيت الذي لم يقدم شيئاً لحماية الولايات المتحدة وكان يردد دائماً: (لا يمكننا أن نقتل الجميع) كان رجلاً ضعيفاً تحكمه مشاعره''· أما الجنرال أنطوني زيني القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية فكان كتابه ''جاهز للمعركة'' أكثر إثارة إذ اتهم وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد صراحة بالتقصير في أداء الواجب، والفشل في التحضير للحرب على العراق· وتناول بالتفصيل الخطة التي وضعها لغزو العراق ولم تنفذ· إذ كانت خطته تقوم على الموازنة بين العمل العسكري وعملية إعادة الإعمار، فلما رفضها رامسفيلد قرر الجنرال تغيير خطط ''البنتاجون'' والتصرف بنفسه وقال: ''كنت مقتنعاً بأنه لن يقوم أحد في واشنطن برسم خطط لإعادة الإعمار، ونحن العسكريون من سيقع في المأزق''· وكان زيني قد اقترح تشكيل قوة قوامها 400 ألف رجل لغزو العراق فرفض رامسفيلد وأصر على إرسال 240 ألف جندي فقط فقدم زيني استقالته وتقاعد من الجيش ليخلفه الجنرال تومي فرانكس والذي استقال هو الآخر فيما بعد· بين التشكيك والإنكار وفي كتاب الجنرال تومي فرانكس الذي صدر بعنوان ''جندي أميركي''، وردت فقرة عن خلافات حادة وغضب عارم اجتاح المؤسسة العسكرية الأميركية أثناء الإعداد لغزو العراق بسبب تسريبات صحفية خرجت من البيت الأبيض· وقال فرانكس: ''أتاني مدير مكتبي للشؤون العامة بمقال في صحيفة لوس أنجلوس تايمز يفيض بمعلومات غاية في السرية حول خططنا لغزو العراق تضمن خيارات الهجوم المتزامن براً وجواً''، وأشار الكاتب إلى مصدر معلوماته بأنها من مسؤولين كبار بوزارة الدفاع، وفي ظهيرة اليوم التالي اتصل فرانكس بوزير الدفاع محملاً إياه والمقربين منه في ''البنتاجون'' مسؤولية تسريب الخطة قائلاً: ''سيدي الوزير إن واشنطن هي الإناء الوحيد في هذا الكوكب الذي يسرب من قمته''، وطالبه بإجراء كشف الكذب على كل شخص في مكتبه وأعضاء هيئة الأركان المشتركة· وفي مذكرات الجنرال المتقاعد مايكل ديلونج نائب قائد القوات انتقد فيها موقف الجنرال تومي فرانكس قائلاً: ''في جلسات الاستماع التي كان يعقدها الجنرال فرانكس لقادة الجيش في القيادة الوسطى في ديسمبر 2002 فوجئنا به يقول: ''إن الوصول إلى بغداد عملية مضمونة وسهلة في ظل التفوق التقني الكاسح لقواتنا على القدرات العراقية''· كنا نعلم أن ما يقوله ليس نابعاً من قناعاته كعسكري بل نابع مما يمليه عليه رامسفيلد، لكن في النهاية كان علينا أن نستمع إلى نداء العقل· فرجالنا هم الذين سيخوضون المعركة وليس رامسفيلد· وكان يجب علينا أن ننفصل عن السياسة ونتعامل مع الواقع من منظوره العسكري، وأعاد الجنرال ديلونج إلى الأذهان أن رئيس أركان سلاح البر السابق الجنرال إريك شينسكي أبعد عن منصبه لأنه صرح عام 2003 بأن الجيش الأميركي بحاجة إلى 300 ألف جندي لكي يكسب المعركة في العراق· وأن مساعد وزير الدفاع بول ولفوفيتز سفه كلامه أمام الكونغرس وأكد أن المائة وخمسة وثلاثين ألف رجل الموجودين حالياً في العراق يكفون لإنجاز المهمة· ومن بين سيل اعترافات القادة والجنرالات المستقيلين والمتقاعدين والذين أعفوا من الخدمة أصدر الحاكم المدني الأميركي للعراق سابقاً بول بريمر كتاباً هو الآخر شرح فيه تجربته في العراق بعنوان ''عام لي في العراق ·· تحدي بناء مستقبل مليء بالأمل''، استعرض فيه تفاصيل ما يجري خلف الأبواب المغلقة فيما يتعلق بإدارة الاحتلال، ونقل لنا تفاصيل عملية انتقاء المتعاونين مع الإدارة الأميركية وما تخللها من فوضى· وأقر في كتابه بأنه لم يكن هناك أي توقعات من الخبراء الأميركيين بإمكانية حدوث تمرد أو مقاومة عراقية· وقال: ''إنه كان يرسل خطابات إلى وزير الدفاع رامسفيلد ينقل خلالها انطباعاته الشخصية عما يجري إلا أنه لم يتلق منه أي رد''· وبينما يتوقع المراقبون مزيداً من الاستقالات القادمة في الإدارة الأميركية فإن المطابع الأميركية تبدي جاهزيتها للنشر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©