السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكونفوشيوسية تعود مجدداً في الصين

27 فبراير 2010 20:35
قبل أربعة عقود لم يكن أحد يستطيع الحديث بإيجابية عن كونفوشيوس في الصين، والسبب أن هذا الأخير كان رمزاً للرجعية التي يجب على الصينيين جميعاً محاربتها والوقف ضدها. ولا أدل على ذلك من الصورة التي أخذت للزعيم ماوتسي تونج وهو يدنس قبر كونفوشيوس على غلاف إحدى المجلات الثورية، لكن يبدو أن الزمن قد تغير إلى درجة أن الحزب الشيوعي وافق على عرض فيلم عن كونفوشيوس يظهره في صورة القائد العسكري الفذ والمعلم الإنساني المحتضن لقيم تقدمية، ومع أن الفيلم لم يستطع الصمود أمام الأفلام الأميركية المعروضة في الصين، فإنه وعلى المدى البعيد قد يثبت المستقبل أن أنصار كونفوشيوس كانوا على الجانب الصحيح من التاريخ. ففيما كان كونفوشيوس خلال الثورة الثقافية عنواناً يستخدم لانتقاد الخصوم والأعداء السياسيين، بات يوظف اليوم لأغراض سياسية من نوع آخر بتوفيره لأساس أخلاقي جديد للحكم السياسي في الصين، لاسيما بعدما فقدت الشيوعية بريقها وقدرتها على استقطاب الرأي العام والاستئثار باهتمامه وأيضاً في ظل الإدراك المتزايد بأن استبدال الشيوعية بنظام جديد لابد أن يُستمد في جزء منه على الأقل من التقاليد الصينية، وبما أن الكونفوشيوسية في صلب التقاليد الصينية، فهي تعتبر البديل الأكثر ترجيحاً ليحل مكان الشيوعية. ومع أن الحزب لم يغير اسمه تماماً إلى الحزب الكونفوشيوسي، فإنه ما فتئ يقترب أكثر من العقيدة القديمة وأسسها الأخلاقية. وقد لجأت السلطات الصينية خلال الألعاب الأولمبية عام 2008 إلى توظيف شعارات ذات حمولة كونفوشيوسية واضحة في الاحتفالات الافتتاحية والتقليل من الطابع الشيوعي للنظام السياسي. بيد أن إحياء التقاليد الصينية القديمة تواجهه مقاومة الحرس القديم في الحزب الشيوعي الذي مازال متأثراً بالأيديولوجية الماركسية وبالقواعد التي أرساها ماوتسي تونج. ويبقى التأييد واضحاً لكونفوشيوس بين الأطر الأصغر سناً في الحزب الذين يشجعون جهود إحياء التراث الكونفوشيوسي وإعادة تفعيل جزء منه على الأقل. ولا ننسى أن الحزب الشيوعي نفسه الذي يضم ما يقارب 76 مليون منخرط، أصبحت تتوزعه العديد من الأطياف ومن الصعب الحديث عنه ككتلة واحدة، هذا بالإضافة إلى التركيز الحالي في الحزب على الكفاءة والاستحقاق، بحيث يشجع الحزب الطلبة المتفوقين على الانضمام إليه والترحيب بالأعضاء الأكثر ثقافة والذين غالبا ما يكونون أكثر ميلا للقيم الكونوفوشوسية وأقل ارتباطاً بالدوغمائية الحزبية المتمسكة بالأفكار الشيوعية المتجمدة. لكن هذا الانبعاث الجديد للكونفوشيوسية ليس فقط مطلباً حكومياً، بل يستجيب لمطالب موضوعية بدأت تفرض نفسها مثل، الاهتمام المتزايد للنخب الأكاديمية وما يشبه المجتمع المدني في الغرب بالموروث الصيني القديم، هذا الاهتمام الذي يحركه البحث لدى المربين عن قواعد أخلاقية ومعايير سلوكية عدا الشيوعية، بحيث يتم التركيز في المدارس حالياً على تدريس المبادئ الكونفوشوسية للنشء للاعتقاد السائد بأن الدراسات الإنسانية تعزز القيم لدى المتعلم، هذا بالإضافة إلى الإصلاحات الدستورية التي يطالب بها أنصار كونفوشيوس في الصين والتي مايزال الحديث عنها حساساً للغاية في بلد واقع تحت حكم شمولي. والأمر لا يقتصر على الحكومة الصينية وتفاعلها مع التوجهات الإحيائية للتراث الكونفوشيوسي، بل يتعلق أيضا بالغرب وصعوبة إقناعه بأن الكونفوشوسية قادرة على طرح بديل تقدمي وإنساني للإصلاح السياسي في الصين. لكن لماذا هذا التخوف الغربي من الكونفوشوسية؟ أحد الأسباب يرجع إلى الاعتزاز بالنفس الذي يشعر به الغربيون عندما يرون الصين تسعى، سواء من خلال الماركسية أو الليبيرالية، للتشبه بالقيم الغربية. لذا قد لا تحظى الدعوات بالرجوع إلى التقاليد الصينية القديمة والاستناد إليها في رسم طريق جديد، ليس بالضرورة مماثلا للقيم الغربية، بتعاطف بعض الأوساط في الدول الغربية. أما مصدر الخوف الآخر فهو تنامي الأصوليات المنغلقة على الصعيد العالمي، سواء الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة، أو نظيرتها الإسلامية. غير أن الكونفوشوسية لا تلغي الليبرالية الاجتماعية، كل ما هنالك أنها تطرح بدائل للنظام السياسي المعتمد في الغرب. ومع ذلك لابد من الإشارة إلى أن دعاة الإصلاح الكونفوشيوسي يقفون إلى جانب الحريات في الصين، بل يطالبون بالمزيد منها، وهم يتحفظون فقط على التنافس الانتخابي الذي يجري على الطريقة الغربية باعتباره الأسلوب الأوحد لاختيار النخب الحاكمة، ذلك أن إحدى المشاكل التي يفرزها النظام الانتخابي الغربي حسب الكونفوشيوسيين هو قصر التمثيل الديمقراطي على المجتمع المسيس، أو على جماعة الناخبين فيما يتم تهميش الباقي. ففي الوقت الذي يعكف فيه المنتخبون في الدول الغربية على خدمة مصالح الناخبين، تظل المجموعات الأخرى مثل المهاجرين خارج السياق، كما أن الدول الكبرى مثل الصين التي تؤثر قراراتها بشأن البيئة والاقتصاد على العالم تحتاج إلى رعاية المصالح العالمية وليس فقط الناخبين على المستوى المحلي، وهو ما يعلي في نظر دعاة الكونفوشيوسية من شأن القيم الأخلاقية ومبدأ الاستحقاق، ولا يعني ذلك أن النظرة الصينية تدافع عن مساواة بين الجميع على الصعيد العالمي، بل تسعى فقط إلى ضمان حقوق باقي الجماعات التي لا تشارك في التصويت والاهتمام بمصالحها من خلال آليات تضمن وصول الأكثر استحقاقاً وقدرة على حل المشاكل إلى مراكز السلطة. دانيال بيل أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة "تاسينجوا" في الصين ينشر بترتيب خاص مع خدم «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©