الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا وثمن سياسة المجازفة

23 ديسمبر 2014 00:09
في الأيام الخوالي اعتاد الاقتصاد الروسي على الانهيار كلما تهاوت أسعار النفط، حيث تنزل العملة إلى الحضيض، فيما الناس العاديون يعانون من انخفاض مستوى معيشتهم، ولكن إذا كان هذا السيناريو القديم يعيد نفسه اليوم مجدداً ويبدو مألوفاً للمراقب فما ذلك إلا لأن الأيام الخوالي تلك لم تنتهِ أبداً، وإن ساهم الحظ في إخفائها، ولذا نجد الروس على غرار أجيالهم السابقة مجبرين على دفع ثمن مجازفة حكومتهم في الاقتصاد، وهو ثمن فادح بالنسبة لشعب يبلغ تعداده 140 مليون نسمة. والحقيقة أنه ليس صعباً تعقب تاريخ الأثمان الفادحة التي دفعها الروس خلال فترة الاتحاد السوفييتي السابق، فقد كان لصدمة النفط العالمية في السبعينيات وما نتج عنها من ارتفاع كبير في أسعار النفط دور في ملء خزائن الكتلة الشرقية والتغطية على الاختلالات العميقة لاقتصاد موجّه مركزياً. فكل ما تطلب لدفع موسكو للانهيار وتفكك المعسكر الشرقي تخفيض بعض الدول المنتجة للنفط لإنتاجها والسماح لأسعاره بالنزول إلى القاع، حينها اختفت السلع من رفوف المحال التجارية وجاع الشعب، فيما امتنع الجميع عن إقراض الإمبراطورية المترنحة، ليكون الغرب هو الوحيد الذي وافق على إقراضها 100 مليار دولار مقابل تخلي الاتحاد السوفييتي عن الدول الدائرة في فلكه والاعتراف بحريتها. وبعد انتهاء الشيوعية وأفول نجمها لم تتوقف المعاناة، بل بالعكس تفاقمت في السنوات التي تلت الانهيار، فروسيا لم تكن تتوافر على اقتصاد بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل محطة كبرى لضخ البترول كانت تدعم كل شيء، وفيما كانت الأسعار تتهاوى لتصل إلى 17 دولاراً للبرميل خلال التسعينيات كانت محطة البترول تلك على وشك الإفلاس، حيث كان على الشركات الروسية التي تعودت على تلقي الدعم السخي من الحكومة الغنية بأموال النفط، الاقتراض من البنك المركزي، وهذا الأمر تسبب في خلق سيولة كبيرة للغاية إلى درجة ارتفع التضخم معها إلى مستويات غير مسبوقة، ولاسيما بعد وقف العمل بمراقبة الأسعار لتصل نسبتها إلى 800 في المئة، وحتى عندما استطاعت الحكومة خفض تلك النسبة الكبيرة إلى 10، أو 20 في المئة تسبب ذلك أيضاً في الركود. والنتيجة أن روسيا حتى بعد خروجها من عباءة الاتحاد السوفييتي ظلت تعاني الإفلاس، ولكن دون الحماية التي يوفرها قانون إعلانه، فقد كانت في فترة التسعينيات مدينة للغرب بأكثر مما يمكنها سداده، ويرجع ذلك في جزء منه إلى رفض الولايات المتحدة التعامل مع روسيا بنفس منطق دول أوروبا الشرقية الأخرى مثل بولندا التي استفادت من دعم أميركي قوي لبناء اقتصادها ما بعد الاتحاد السوفييتي. لكن حدث أن عاودت أسعار النفط صعودها فيما يشبه المعجزة لتنامي الطلب الصيني بعد أكثر من عقدين من الانخفاض، وحتى بعد فترة الرخاء تلك التي كانت وراءها الصين لم يتغير الاقتصاد الروسي ولم تتعلم موسكو من الدرس بعد أن عجزت عن تنويع اقتصادها بما يضمن لها تقليل الاعتماد على النفط والتركيز على مصادر دخل أخرى عدا ما تستخرجه من باطن الأرض. ومع أن الحكومة هذه المرة جمعت ما يكفي من المال لمنع الإفلاس، إلا أن المشكلة تكمن في شركاتها المثقلة بالقروض، حيث لجأت تلك الشركات قبل سنوات عندما ارتفعت قيمة الروبل إلى الاقتراض من الأسواق العالمية، ولكن مع انخفاض العملة الروسية تجد تلك الشركات صعوبة في سداد مستحقات الدَّين المرتفعة، وسواء كانت الشركات هي المتضررة، أو الحكومة نفسها، يبقى الأكيد أن من يتحمل العبء الأكبر هو الشعب الروسي الذي يتجرع مرارة البطالة المرتفعة والتضخم الخارج عن السيطرة. ومن المتوقع بسبب شح السيولة الحالي وصعوبة الاقتراض أن يتحول الركود إلى كساد مع تراجع مرتقب للناتج المحلي الإجمالي بواقع 4,7 في المئة إذا ما استقرت أسعار النفط على 60 دولاراً للبرميل. مات أوبراين * * كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©