الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حُوريَّاتُ النصّ تخرجُ إلى النّزْهةِ

حُوريَّاتُ النصّ تخرجُ إلى النّزْهةِ
23 ديسمبر 2015 20:08
(1) في أصيلة عَرَفَتُ يُونَس منذ عقدين من الزمن وفيها أيضاً التقيت المهدي بعد ذلك بسنوات قليلة. في أصيلة المدينة الصغيرة الساحرة، مدينة البحْر وهدير الأزمنة، مدينة الصيادين التي تحوَّلت إلى مكانِ باذخ لتلاقي حضاراتٍ وتفاعل ثقافات العَالَم المتنوّعة. (2) في هذه المدينة السعيدة خَطا يُونُس خطواته الأولى في عَالَم الفن التشكيلي. وإذا تصفَّحنا أعماله منذ الطفولة إلى اليوم، أعني منذ رسومه التخطيطية العجيبة بقلم الرصاص لمراكب المون القديم وما أَعْقَبها مِن مَراحِل تَجريب وبَحث في الأشكال والصباغة والوجوه، نُدْرَك بل نَلْمُس الأبعادَ الإستيتيقية والصوفية للمسار الفني الذي اختاره يونس للتعرُّف على نُظرائه وأنداده ولسَبْر أغوار المحيط الإبداعي الذي يعيش فيه. (3) كلما زرتُ الصديق يونس في محترفه. أدهشتني هذه العلاقة الوظيفية المتميزة بين الإنسان وفضائه الخاص. (4) وَعنْدي أنَّ كتابة يونس التشكيلية لا تفتأُ تُحاورنا وتسائلنا عَبْر نظراتٍ وعيون. مَلامِحَ وَوُجوهٍ. تعابير مَرْئيّةٍ وأخرى لُغزية. مشحونة بتلاوين نجميةٍ صباغية. كلُّها شِعْرٌ. تسحرنا وتَدْعُونا إلى أَنْ نسائل أَنْفُسنا ودواخلنا. (5) وَلا شَكَّ عندي في أن الصديق المهدي بمعرفته الوثيقة بالفنّان وأعماله هو المؤهل لترجمة هذه الصداقة، وهذه المعرفة إلى عملْ شِعري فَريد. شكراً يونس.. شكراً مهدي لنُنصت الآن. للشّعر الكلمة * مهندس معماري «أهكذا أَحْرَقْتِ المسافاتِ بِنَظْرتِك التي لَنْ تَعُودَ أبَداً إلى عينيك» إليعازر بن جنّون (1130 – 1183) (إعادة كتابة: خوان خيلمان) (ت.م.أ) عينان هنا عَيْنانِ هناكْ تَريانك مِنْ أَعْلَى عَن قُرْبٍ نائيتانْ فِي شِبْهِ غيبوبةِ أَلْوانٍ وهذا وجهي وَجْهٌ آخر مَنْقُوصٌ حَوْل العَيْنين الغائبتين أمامك في النصِّ يَدُورُ ويَبني التشكيل كفخٍّ مِن تجريدٍ حارّ. *** تعتيم وَجْهُك أَمْ وجهي هَذَا مْن دُون سماتٍ مَحْمُولَهْ! هُو مِنْ جهة التَّشكيل قشيبٌ: نِصْفٌ حِنَّائيٌّ هُوَ الظَّاهِرُ. والنّصْفُ الخَافِي يَعْلُو بهُدوءٍ في بَالِ الرّسّامْ. وَجْهٌ آخر في الحُلْم رآني أتقمَّصُ بعضَ مَلامِحَ مِنْه وَمِنْكَ أَرَانيَ أَعْدُو فَوْق سَمَاواتٍ مِنْ أَلْوانٍ لَا تُدْرِكُها فُرشاةْ *** قبل التشكيل زَلَّةُ تَلْوينٍ (قبل التشكيل) مَحَتْ أَوْجُهَ أَعْيَاني بَقِيَ الفَمْ حيّاً مَزمُوماً مَحْموماً بالقِرْمِز مَبنىً مَحْلولاً في المَعْنَى. اِنْحَلَّ وَفَارْ. *** هو ذا هَو ذَا أَنفٌ أَخْضَرُ مِنّي يَتدَلَّى مِن دُونَما أَسْفَل أو أَعْلَى أَنفٌ آخرُ وَرْديٌّ مفصولٌ عن وجهك أنفُك أنفي في الصورهْ لَست أراكْ ثَمَّ خطوطٌ مُرْبَدَّاتٌ أَمْ كُتَلٌ بنّيه تُخفي وجهكَ في الصّورة؟ *** مثل خُشبٍ ستحترق/‏ النجوم كُلُّ شيءٍ أَخْضَرَ سَيَصيرُ مِثْل لُغْزِ الأَلَمْ/‏ مِثْل نَهْدَيك البيضاويين/‏ تحت شجرة التفّاح أعمدة البحر الميّت (68,70 ق.م) إعادة كتابة: خوان خيلمان) *** نَزْدَادُ ونَنْقُص كُلَّ خَميسٍ نَسْهَرُ. نَنْقُصُ أَوْ نَزْدادْ حَسَبَ الطَّقْسِ اليُونُسُقْليسيِّ. نَعُودُ ونَسْهَر مرَّاتٍ في الَّليلِ الوَاحدِ مرّاتٍ. نَحْيا ونُعيدُ الَّليْلَ فُرادى ومَجَاميعْ. كُلٌّ في فَلكٍ يسْهَرُ في زمنٍ ما نسترجع مَا غَابَ وما سيغيبُ لتمتدَّ الحضرةُ في دَارَةِ يُونُسَ في الزَّهراء. هنا الأَذْكَارُ بما يقضي به الشِّعْرُ وما تَقْضِي بِهِ موسيقى الأشْكالِ وما تُمليه الأنجمُ والبَحْرُ وما تَقْضِي به أنْت. تَقَاسِيمٌ تَطْلُعُ طَقْطُوقاتٌ. سوناتَاتٌ تأتي مِن سَقْسَقَةٍ نُولَد مِنْ وَشْوشةٍ نَفْنِى لَحَظاتٍ تَقْصُر فإِذا مِتْنَا نَعُودْ. ها أنت هَا أنت أَمَامَ وُجُوهي تُمْضي سَاعاتٍ مِنْ زَمَنٍ لونيٍّ كونيٍّ تَتأمَّل وَجْهَكَ أَوْجُهَكَ المقتطفاتْ مِنْ زَمَنٍ أَبداً فَاتْ *** نهارُك أبريليٌّ نَهارُك أبريليٌّ هذا اليومَ الفَصْلُ شَتاءٌ تَحْتَارْ أيَّ عَنَاوِينَ سَتخْتارْ لِزفَاف عَرَائِس ألوانِكَ للنظَّارة: «مِعْراجُ النظرة»، «تسبيحاتٌ بالعين وَحسْبُ» «وَجْهُ مَلاكٍ نُورانْ؟» هُنَا شَفَةٌ تَنْبِس بالأخْضَرِ لَا وَجْهَ هنا شَفَتانِ تَبُوحانْ بِسرٍّ فوَّاحْ. *** نزهة وَيَعُودُ القَارِئُ مِن بعْدكَ مَدَّ ظهيرةِ أَشْغالٍ من تَشكيلٍ لَا تَفتُرُ يَدُ الرسَّام تَقِيلْ على طَاولةٍ قُرْب البَحْرِ قريباً تَخْرج حُوريَّاتُ النّصّ إلى النّزْهةِ فالبحْرُ سعيدْ جَارَاتُ المَرْسَم جَاراتِي مَرْسوماتٌ بالزيتِ الشفقيِّ فإن حَلَّ الصيفُ لَبِسْنَ الميموزيَّ وغَطَّيْن الأعْضَاءْ بِوُرَيقَةِ تَوُتْ. *** بَعْد رَحِيل الألوان تبدَّدْ في أُفقٍ تَحْتَ شُعاعِ بنفسجَةٍ حمراءْ مُوَّارٍ برَمادٍ وبُذُور سَديمٍ بَحْرٌ مِن هَذَيانٍ جَمَّد أشكالاً بَحْرٌ يَغْرق في نِسيانْ. عُدْن إلى مسقط ألواني فَتَيَاتُ رَبيعِي القِرْمزياتْ بَعْد غياب سنينٍ مِنْ َصَمْتٍ بربيع مِن غيرِ ما أَلْوانٍ عُدْنَ إلى خلفيّة المَشْهد لَكِنَّ مَلامِحهُنَّ اليومْ لم تَظْهَرْ بعدُ في شاشةِ تشكيلي *** من أيْن مِنْ أَيْن أتاكَ الظّلٌ القِرْمزيُّ وأَنْتَ هُنَاك أتاك الأصْفَرُ والغُنْبازيُّ عَلَى كفِّكَ في العَيْن المُرتَعِبه مِن رُؤية ظِلِّك يَتْبَعُ تَجْريداتِ الأعيانْ. ووجُوهَك صَارَت وَجْهي المألوف لَدَى المرآةِ اختلطتْ بوجوهٍ أخرى لِوُجوهٍ لم أَرَها في يَقَظاتي بِرُسومٍ كالظلّ بحيطان مِنْ مَاءٍ أبْراجٍ مِنْ صُنْعٍ زيتيّْ بَاردْ وَجْهٌ وَاحِدْ غَيَّر تاريخَ وُجُوهٍ تتعدَّدْ بآلاف الأشْكَالْ. فِي وَجهي الوَاحِدْ. *** صيفا وربيعا «في ظِلَالِ ربيع الفتيات» يَقيلُ يونُسُ صَيْفاً وربيعاً مِنْهُنَّ يُشكِّلُ وَجْهاً لَا يُحْصَى لِوُجوهٍ هِيَ بين الغفوة والصَّحْوِ سَتظْهَر للآتي مِنْ أيّ مَكانٍ وُجُوهٌ تَظْهَرُ تومِئُ حَتَّى لَوْ غبتُ عَنِ الأعيانِ تراني وتظلُّ تُراود أَشْعاري هَا هِي تَعُودْ! *** سِرٌّ لا يَخْفى يُونُس يَحْيا. مُذْ كانْ. في ظَلِّ ربيع الألْوان يُشكِّلُ أَقنعةً لا تَبْلَى لِوُجُوهٍ يَعْرفها لا يَعْرفها. ويعرِّيهَا مِن دَاخِلْ لا يمنحها الرُّوحَ ولا المَعنى يَمْنَحُها الضّوءَ الكاشفَ للروح ولِلْمَبنَى تِلْك مَلَامِحُ وَجْهٍ بَادٍ تتخفَّى وتبينْ مِنْ خَيْطٍ بُنِّيٍّ بين تَلاوين التجريدْ. *** تدوير قَلِّبْ نَظَراتِكَ في أَطْيَافٍ مِن وَجْهٍ لَيْس له وَجْهٌ ظَاهِرْ وتَمعَّنْ في بَاطِنه الظَّاهِرِ تَأْخُذْكَ العينُ إلى صُحبةِ تَدْويرٍ يَتَشعَّبُ في مِرْآةِ النَّظر الصَّعْبِ تَمعَّنْ! * مستوحى من «وجوه» الرسام يونس الخراز --------- تنويه: المقاطع الشعرية الموظفة بخط مميّز لشعراء من الأندلس في العصر الوسيط، والتي تتصدر الأقسام الشعرية، ترجمتُها عن الإسبانية اعتماداً على إعادة الكتابة الشعرية التي قام بها الشاعر الأرجنتيني خوان خيلمان: (1931 – 2014).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©