الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أُمَّة في الفضاء والمواقع.. لا على الأرض والواقع!

22 مارس 2016 23:32
عندما تدخلت روسيا عسكرياً في سوريا كان هناك ما يشبه الإجماع بين المحللين السياسيين العرب والخبراء وما شئت من ألقاب وأسماء وصفات على أن هدف موسكو هو إثبات أنها ما زالت قوّة عظمى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.. وقالوا إن روسيا لم تعد هذه القوة العظمى المؤثرة في القرار الدولي، وأنها ستدفع فاتورة باهظة جراء هذا التدخل الذي اعتبروه دعائياً لا أكثر. وقد بنى المحللون العرب الذين صاروا أكثر من الهَمِّ على القلب هذا الكلام الساذج على تعريف ساذج لمصطلح القوة العظمى، وأنها مجرد قوة عسكرية واقتصادية ليس إلا، بينما لا يوجد تعريف بليغ لهذا المصطلح سوى أن القوة العظمى هي التي تملك قرارها وموقفها.. ولا تبني هذا القرار أو الموقف على رد الفعل أو على الانفعال أو الرغبة في الدعاية. القوة العظمى هي المستقلة سياسياً وهي مستقلة الإرادة والقرار سواء كان هذا القرار صائباً أو خاطئاً من المنظور الأخلاقي والقيمي، وسواء كان معنا أو ضدنا نحن العرب.. فنحن نتحدث عن استقلال مجرد للقرار والإرادة والموقف. من هذا المنطلق تبدو روسيا قوة عظمى بالفعل لأنها تدخلت عسكرياً في أوكرانيا وسوريا، ولأنها أيضاً انسحبت من سوريا. قرار التدخل وقرار الانسحاب روسيان بامتياز بلا إملاء أو تبعية. ربما جاء القراران بتنسيق مع آخرين لكنهما ليسا قرارين تابعين أو ليسا رد فعل أو انفعال. وبهذا التعريف سنجد قوى عظمى كثيرة في العالم، فإسرائيل قوة عظمى وكوريا الشمالية قوة عظمى. أن تفعل الدولة المعنية ما تشاء وقتما تشاء بعد دراسة لتداعيات وتأثيرات مواقفها، وألا تخشى ردود أفعال الآخرين ضد مواقفها، وألا تحسب حساباً إلا لما تريده هي سواء كان ما تريده سلبياً أو إيجابياً. وإذا استعرضت معي خريطة العالم فستصاب مثلى بغصة في حلقك وبحزن يدمي قلبك لأنك ستجد العالم مليئاً بالقوى العظمى بناء على التعريف الذي استقر رأينا عليه، وأن هناك قوى عظمى منهارة اقتصادياً وتعاني المجاعة مثل كوريا الشمالية، وأن الأمة العربية هي الوحيدة (الوحيدة فعلاً) التي تخرج من تصنيف القوى العظمى في هذا العالم، لأن الأمة العربية هي الوحيدة التي قبعت في موقع المفعول به في الجملة الدولية، والفعل الوحيد الذي تمارسه الأمة العربية بإرادة مستقلة هو الإرهاب والتطرف والغلو سواء الإرهاب القولي النظري أو الإرهاب الفعلي الحركي النزوعي. الأمة العربية فاعل أصيل في الإرهاب والتطرف ومفعول به في السياسة الدولية. وقد قلنا من قبل إن الأمة العربية كيان افتراضي لا وجود عملياً له في الواقع. الأمة العربية كيان على المواقع وليس كياناً في الواقع... كيان في الفضاء وليس كياناً على الأرض. بمعنى أنك تسمع جعجعة تسمى الأمة العربية وتشم رائحة دم وموت تدلك على كيان يسمى افتراضياً الأمة العربية، لكنك لا ترى ولا تلمس هذا الكيان، ولا تتذوق طعمه. لا تحس من العرب من أحد ولا تسمع لهم ركزاً. والإرهاب أو التطرف يكاد يكون السلعة الوحيدة التي تنتجها أمتنا باللسان والقلم والسيارات المفخخة، وعندما هبت على الأمة أعاصير الخريف العربي رصدنا وحدة عربية غير مسبوقة، ولا ملحوقة في الخراب والدمار والتطرف والإرهاب.. حتى هتاف الخريف العربي (الشعب يريد إسقاط النظام و... ارحل) كان يتردد صداه في كل عواصم الخريف تباعاً. نفس الحشود ونفس إجراءات التظاهر والاعتصامات وأسماء الميادين (اسم واحد هو ميدان التحرير) في مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن والعراق. وتنظيم حركة الدخول إلى الميدان والخروج منه. وما يسمى اللجان الشعبية، والمنصات المنصوبة في الميادين والخطب التي تلقى وكأنها نسخ من خطبة واحدة تم توزيعها على الجميع. والمرجعيات الدينية التي تم اعتمادها كزعماء لما سمي الثورة في كل بلد من بلدان الخريف، فقد كان لكل ميدان تحرير مرجع ديني يلتف الغوغاء حوله وكأن لكل خريف من (خرفان أو خراف) الدول المعنية (خميني). نفس السيناريو الإيراني يهب تسونامي الجموع الحمقاء، ويهلك الحرث والنسل ويحرق الأخضر واليابس ثم تحط طائرة (الخميني) القادم من الخارج ويذهب إلى الميدان ويتسلم مفتاح الخريف. ماذا يعني هذا السيناريو الواحد؟ وماذا يعني هذا التلاحم العربي الأول والأخير من نوعه؟ وما الرسائل التي يحملها إلينا هذا الخريف ولم نستوعبها بعد؟ فالعرب يقرؤون ولا ويفهمون ويعرفون ولا يعلمون، وتلك هي الطامة الكبرى، أننا نعرف ولا نعلم، وهذا ما أصر عليه دوماً. معرفة نعم. علم لا. وفي القرآن الكريم: (وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) ولم يقل عز وجل: لا تعرفون شيئاً.. لأن الإنسان يولد مزوداً بمعارف فطرية مثل معرفة الرضاعة ومعرفة الأم وكل المعارف الحسية. لأن معظم المعارف حسية، فالقراءة حسية والاستماع حسي، لكن العلم عقلي وقلبي. لذلك يقرأ العرب أي يعرفون القراءة، لكنهم لا يفهمون لأن الفهم علم، ولذلك أيضاً ترى الأمة مزدحمة بمن يعرفون لكنها خالية تماماً ممن يعلمون. عندنا تخمة معرفة ومعلومات وجوع علم وفهم. عندنا حتى في الدين عارفون ودعاة، ولكن ليس عندنا علماء. وكذلك في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والطبية والقانونية. والذي يعرف ولا يعلم ويقرأ ولا يفهم. ويتابع ولا يستنتج ولا يتأمل ولا يعيد النظر ولا يربط الأحداث. هذا النوع من البشر تأخذه العزة بالإثم، وهو آفة الأمة، وهو يكرر أخطاءه لأنه لا يعلم ولا يتعلم. والنظام التعليمي العربي كله يقدم معارف ولا يقدم علماً، ويخرج ببغاوات ولا يخرج متدبرين وعلماء. ولذلك تكرر سيناريو الخريف العربي في دول عدة بنفس مشاهده ونفس بدايته ونفس الدمار والخراب الذي انتهى إليه.. لماذا؟ لأن مخرج وكاتب السيناريو واحد وهم جماعة «الإخوان التي تسلمت مفتاح الخريف في تونس وفي ليبيا وسوريا وفي اليمن وفي مصر، لكن اللعبة في اليمن كانت خلطة بين حزب «الإصلاح» وجماعة «الحوثي»، لأن النسق «الإخواني»، الذي يرفع راية السنة هو نفسه النسق الإيراني الذي يرفع راية الشيعة. نفس المرشد ومكتب الإرشاد، وهذه التراتبية المتطابقة تماماً ونفس ولاية الفقيه أو ولاية الخليفة. أما الرسالة الأخطر فهي أن العرب يسهل جداً حشدهم على الشر والإثم والعدوان والإرهاب والخراب، لكن يصعب حتى المستحيل حشدهم على الإعمار والسلام والبر والتقوى والعفو.. والمخربون والإرهابيون والمتطرفون والمدمرون هم الأكثر مشاهدة ومتابعة والأكثر جماهيرية وإثارة للإعجاب لدى الشعوب العربية، ولا تكاد ترى شعبية لمن يبني لكن الشعبية كلها لمن يهدم.. ولا جماهيرية لمن يعفو ويصفح، ولكن الجماهيرية لمن يعاقب ويسب ويضرب.. والحمقى والمجانين هم الأكثر شعبية على المواقع، وكما كان الخريف العربي ثورات افتراضية ضربت المنطقة العربية في مقتل. فإن الأمة العربية كلها أمة افتراضية. أُمَّة على المواقع ولا وجود لها في الواقع! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©