الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«سُلَّم إلى دمشق».. أو قبل سقوط الأقنعة بقليل

«سُلَّم إلى دمشق».. أو قبل سقوط الأقنعة بقليل
11 ديسمبر 2013 01:40
بدءاً من العنوان: “سُلَّم إلى دمشق”، هذا الفيلم الذي يحمل توقيع المخرج السوري محمد ملص، وهو عنوان يقوم على التأويل، لا يفكر المرء فيه مليا بل يترك للفيلم ولدلالاته الواسعة أو الكبرى أن تعينه على تفكيك هذا العنوان بحسب الحكاية والحدث والصورة ومن قبل الفكرة التي يقوم على أساسها الفيلم. عرض “سلم إلى دمشق” مساء أمس الأول في إطار مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة، من تمثيل جيانا عيد والشابين نجلاء الوزا وبلال مارديني بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الشخصيات الرئيسية وإن مرّت بحكاية الفيلم والحدث مروراً عابراً. وإذا كان دأب محمد ملص الذهاب إلى الماضي قليلا في التاريخ السوري المعاصر حيث تشتبك الذاكرة الفردية بالذاكرة الجمعية، فإنه في هذا الفيلم يناقش لحظة اجتماعية – سياسية ما زالت راهنة وضاغطة على العصب الحسّاس لأي فرد معني تماماً بالشأن السوري، إنما في القلب من ذلك فإن الفيلم هو “دفاع” محمد ملص الفرد عن “دمشق” تخصه، مكانا وذاكرة مكان، مثلما تخص الآخرين أيضاً، بوصف دمشق تمثل اختزالاً لسورية على مستوى التقدم الاجتماعي والثقافي وبالتالي الإنساني. وفي الوقت نفسه فإن الفيلم هو موقف واضح وصريح تجاه ما يحدث في سورية الآن. قبل اختلاط الأوراق تبدأ حكاية الفيلم وأحداثه قبيل اختلاط الأوراق، بين سلطة تقصدت تحويلها إلى فكرة مسلحة قبل أن تتطور ومعارضة مسلحة مدعومة لوجستيا وسياسيا من الخارج. بل هو في خلفية المشهد التي يدركها أي متفرج فضلا عن بعض الإلماحات والإشارات إليها على لسان هذه الشخصية أو تلك، لكنها ليست الحكاية بل الأساس الذي انبنت عليه الحكاية. يدور الفيلم حول عدد من الطلاب الذين يأويهم بيت دمشقي ولديهم ذاكرة ثقافية واضحة، سواء بمرجعيات سورية ثقافية معاصرة أم عربية وإسلامية. وهذه الذاكرة إذ تدخل في نسيج الحكاية فإنها ستكون مؤثرة في الشخصية ذاتها مثلما هي مؤثرة في موقف المتفرج من هذه الشخصية. من بين هؤلاء الطلبة: غالية – زينة (نجلاء الوزا) القادمة من طرطوس، أو من البحر وذاكرته، وفؤاد (بلال مارتيني) القادم من السويداء، فيما جاء الآخرون من مناطق أخرى من سورية بحكاياهم بل وبآلامهم أيضا. وعلى وقع ما يحدث من خلط تتفجر هذه الحكايا والآلام، على نحو يسبق تفسخ الاجتماعي السوري وعودة الناس إلى أحضان طوائفهم، بفعل ما يحدث. الفيلم لا يناقش هذا الأمر بل كما لو أن صاحبه يريد له أن يكون لحظة جامعة تذكر الناس بما كانوا عليه حقا، بالمعنى الإنساني للكلمة. غير أن دمشق بوصفها مكانا، تبدو ضيقة في الفيلم، وباستثناء تلك المشاهد المأخوذة على مقربة من الجامع الأموي والمأخوذة في طرطوس في أجواء شتائية تثير الغموض والحزن معا، لا نرى فسحة للمدى تقريبا، كما لو أن فسحة الأمل كانت تضيق شيئاً فشيئاً، وهذا بالفعل ما انعكس على الشخصيات وقد بدأت تتضح في الفيلم. حكايا الناس لا يدخل الحدث العام بقسوته وجلافته، الذي يراقبه هؤلاء الطلبة ويتأثرون به وقد عطل مجريات حياتهم ومنعهم من استكمال مشاريع العشق، إلى الصورة بل يحضر في التفاصيل وردود الفعل عليه من قبل الشخصيات وفي بعض الأحيان تصيبهم شظايا هذا الحدث لتخلق انعطافة في حكاية الفيلم مثلما في مزاج الشخصية السينمائية التي يقترحها محمد ملص، إذا يجعلنا نشهد بالفعل مطالع التحول في مزاج “الشخصية السورية”، إذا جاز التوصيف، وأسباب هذا التحول. في هذه اللحظة بالذات، التي تُرتهن فيها الشخصيات في البيت الدمشقي، لا يدري المرء لماذا يتذكر “بيت بيرناردا إلبا” لغارسيا لوركا، مسرحيةً وفيلما، ربما هو الألم الإنساني الذي يتفجر لدى الشخصيات في الحيّز الضيق الذي لا يتسع للأوجاع والرغبات بل للآلام وحدها. أيضاً، ربما هي لغة التصوير، كانت سبباً ينضاف إلى ذلك، إذ أن الطقس دائماً هو الشتاء، لكنه شتاء حارّ وليس كسائر الشتاءات الأخرى. هكذا يكون “سلّم إلى دمشق” كما لو أنه قدم نُتَفا من حكايا الناس التي حدثت وتحدث يوميا في دمشق وسواها، ما يجعل الفيلم واقعيا تماما إلى حدّ أن من الممكن أن تحدث بكل تفاصيلها. بالطبع، باستثناء المشهد الأخير من الفيلم، هذا المشهد الذي هو سوريالي تماما، حيث السلم، الذي يرمز إلى الصعود، وقد أمسكت به شخصيات الفيلم ليكون معراجاً لصرخة هي الحرية، نداءً وكلمةَ نداء، على لسان إحدى الشخصيات. وحيث قبيل هذه الصرخة ربما بثانية واحدة اختار فؤاد أن يصرح ويجاهر بحبه لغالية على الملأ، هو الذي في المشهد الافتتاحي للفيلم قد قال: “أنا بعيش في بلد ما بيعطيني شيئا وبيأخذ مني كل شيء .. بلد علمني الخوف”.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©