الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كرباج السلاطين

كرباج السلاطين
11 ديسمبر 2013 19:28
قبل وفاته بأيام قليلة، كتب أحمد فؤاد نجم الشهير بـ”الفاجومي” في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي الشهير “تويتر”، كتب يقول “ابقوا قولوا للإخوان تصوت على الدستور بنعم علشان يدخلوا الجنة”، مختتماً بهذه التغريدة حياة حافلة، (84) عاماً من المشاكسة والسخرية من الحكام ومغالبتهم، وكانت له معهم “حكايات ونوادر”، دفع ثمنها سجناً وألماً وتشرداً، لكنه كان الأقوى دائماً. “نجم” شاعر المواجهة مع الكراسي المتسلطة على الشعب، يخترق العوائق التي تريد أن تسكته، وتمنعه من القول الواضح الفتاك القدرات، لأنه يحرك في أعماق الجماهير جمرات الوطنية ويؤججها فتتحول إلى لهيب لا ينطفئ.. شاعر تزيده السجون والمعتقلات إصراراً، وإيماناً، وقدرة على التصدي الأقوى للذين تسول لهم نفوسهم الظلم والقهر.. فلم يَسلم من شعره ولسانه حاكم أو رئيس أو نظام سياسي في مصر وغيرها. مريدوه، خاصة من الشباب، أطلقوا عليه “الشاعر الثائر في وجه كل سلطان جائر”، بعدما ترك خلفه تاريخاً طويلاً من النضال الوطني والعمل السياسي ومواجهة الحكام، سلاحه “الكلمة” ولا شيء سوى “الكلمة”، يكتب الشعر والأغنية والموال، يحرك بها وجدان الآلاف والملايين، تتحول أشعاره إلى “بيانات للثورة” تتوارثها الأجيال، تحث المصريين للثورة على الظلم والفساد، وامتلأت صفحات حياته بتاريخ حافل من الصراعات المستمرة، تخللتها لحظات من الود لم تدم وأخرى طويلة من الجفاء مع الحكام، منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مروراً بعهود السادات ومبارك ومرسي حتى آخر نفس قبل وفاته. كان “نجم” شاباً صغيراً إبان فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، متوهجاً بالحلم والثورة والشعر، ورغم أنه سجن في عهده واكتوى بنيران الحاشية الفاسدة التي ضيعت الرجل وقضت عليه، إلا أنه أحبه كثيراً ووصفه بأنه “نصير الفقراء”، وقال: إنه لن يتكرر مرة أخرى، مهدياً له مرثيته الشعرية البديعة “زيارة إلى ضريح جمال عبد الناصر”، التي قال عنها نجم “كتبت تلك القصيدة في الزنزانة وأنا محبوس وعبد الناصر من الحاجات اللي جننتنا”، وفي هذه القصيدة يقول: السكة مفروشة تيجان الفل والنرجس والقبة صهوة فرس عليها الخضر بيبرجس والمشربية عرايس بتبكى والبكا مشروع أبوه صعيدي وفهم قام طلعه ظابط ظبط على قدنا وع المزاج ظابط فاجومي من جنسنا ما لوش مرا عابت فلاح قليل الحيا إذا الكلاب سابت ولا يطاطيش للعدا مهما السهام صابت عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت وعاش ومات وسطنا على طبعنا ثابت وإن كان جرح قلبنا كل الجراح طابت ولا يطولوه العدا مهما الأمور جابت وبعد وفاة عبد الناصر، وتولي الرئيس السادات مقاليد السلطة، لم يكن هناك أصعب ولا أشق على نفوذ السادات وحكمه طيلة أحد عشر عاماً حكم فيها مصر، لم يكن فيها أشق من نيران “كلمات” نجم وغناء الشيخ إمام، وهما الثنائي الفني الذي جنن السادات وشيّب سلطته، ألم يصف نجم السادات بأنه “شيخ منصر”، وعارضه معارضة شرسة بعد حرب أكتوبر 1973 وإعلانه سياسة الانفتاح الاقتصادي التي فتحت الباب على مصراعيه للفساد وتكوين طبقة فاسدة من رجال الأعمال والمستغلين، كما ازدادت هذه المعارضة ضراوة وشراسة عقب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل في 1979، كما أطلق عليه هو والشيخ إمام، صنوه الفني، أكبر حملة ساخرة ضد حاكم مصري على الرغم من استقبالهما حرب أكتوبر بأغنية “دولا مين ودولا مين”، إحدى أجمل أغنيات حرب أكتوبر المخلدة للانتصار العظيم والشاهدة على عظمة وأصالة المقاتل المصري. ومع تولي الرئيس الأسبق حسني مبارك السلطة خلفا للسادات، في عام 1981، لم يسكت نجم ولم يهدأ، وارتفعت عقيرته بالشعر، في وجه مبارك ونجله جمال، بعدما ظهر مخطط التوريث، فكتب نجم قصيدته “البتاع”، ووصفه نجم بـ”المختل عقلياً”، وقال عنه أيضا: “كان يتعامل كأنها عزبة أمه، والحاجة الإيجابية الوحيدة اللي عملها جمال مبارك إنه ضيع أبوه وقوَم الثورة ضده”.. وواصل كتابة قصائده الهجائية العنيفة في مبارك وابنه، وعقب ثورة 25 يناير انطلقت كلماته كالسهام، تؤجج المشاعر وترج الميادين المنتفضة، حتى تنحى مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011. “صباخ الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر”.. وكانت هذه هي تحية ومباركة وتأييد أحمد فؤاد نجم لثورة يناير وشهدائها الأبرار، وأصبح الشاعر العجوز “شاباً” مليئاً بالحيوية والتدفق والسخرية والجرأة والشجاعة، وأخذ يقول ويقول كأنه في عنفوان الشباب، وأخذ الشباب من كل تيار ولون سياسي يرددون خلفه: “كل ما تهل البشاير من يناير كل عام/ يدخل النور الزنازن يطرد الخوف والظلام”.. التي لا تزال عالقة بأذهان المصريين، ويرددها كل شباب الثورة من مختلف الأجيال، وهي القصيدة التي تزامنت مع وأحداث الثورة، فصارت أيقونة تعريف لـ25 يناير، ولم ينس الفاجومي وهو يغرد ويصول ويجول أن يلقي بحكمة السنين وخلاصة العمر قائلا: “حكام مصر لم يتعلموا من أخطائهم، والسبب الرئيسي في ذلك هو الحاشية المحيطة بكل حاكم والتي تحجبهم عن الشعب”. وخلال تولي المجلس العسكري حكم البلاد في المرحلة الانتقالية الأولى، قال نجم عن المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري آنذاك “كان من الممكن أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه مثل نابليون بونابرت، ومحمد علي، إلا أنه فوت الفرصة على نفسه بقراراته”، في حين وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها أشبه بـ”تشكيل عصابي”، واصفاً الرئيس المعزول مرسي نفسه أثناء حكمه بأنه “عبيط.. وغلبان.. ويصعب على الكافر.. ولم يكن قائداً”، مضيفاً خلال إحدى لقاءاته التلفزيونية: إنه كان ضحية لجماعة الإخوان المسلمين وهم من أغرقوه، وأنه كان لديه يقين كامل بأن الإخوان لن يكملوا عاماً في الحكم. “أنا مليان تفاؤل وبكرة هتشوفوا البلد أحلى”.. كلمات لم تفارق لسان “شاعر الغلابة” أحمد فؤاد نجم طوال فترة حياته، قائلاً قبل رحيله: “ثورة 25 يناير ثورة زمن قام بها جيل كامل، ولم يتصور أن الإخوان سيعملون على خطف السلطة بهذه الطريقة”. ولم ينس “الفاجومي” أن ينتصر لثورة 30 يونيو قبل وفاته ويختتم بها حياته، بعدما وقع على استمارة حملة “كمل جميلك”، واصفاً الفريق أول عبدالفتاح السيسي بأنه “عبدالناصر الثاني وأنه رجل تلك المرحلة والأنسب لها”، قائلا: “واضح إنه فلاح مصري عارف إبليس مخبي ابنه فين”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©