الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مساهمات إماراتية واعدة تفرض نفسها سينمائياً

مساهمات إماراتية واعدة تفرض نفسها سينمائياً
14 ديسمبر 2011 14:58
لا تزال فعاليات مهرجان دبي السينمائي الثامن تتابع مهمتها في إدهاش المتابعين، تكثيف استثنائي للأنشطة على مدار ساعات اليوم، ندوات، لقاءات، عروض سينمائية، وأيضاً لقاءات حوارية حرة هي أشبه بجلسات العصف الفكري، حيث يمكن لكل أن يدلي برأيه، ويمكن للآراء أن تتناقض ما شاءت أن تفعل، لكنها ملزمة في النهاية بأن تكون مفيدة، مساعدة على تحسين الاستيعاب الجماعي لظاهرة معقدة بحجم السينما هي في جوهرها امتداد للحياة بشكل أو بآخر.. كثيرة هي الأنشطة التي تضمنتها يوميات المهرجان الذي يبدو قصيراً بقدر ما تطول أيامه، فثمة الكثير مما لم يطرح بعد، وهناك أيضاً أسئلة متنوعة لم تجد الوقت لتفرض نفسها، ناهيك عن إيجاد الأجوبة التي تستثير بدورها مزيداً من الأسئلة، هكذا هي الفعاليات الابداعية عادة ولّادة إشكاليات يتناسل بعضها من بعض، ويتراكم جديدها فوق القديم مؤسساً لنمط مغاير منها، ومفوتاً لفرصة إيجاد الجواب الشافي، إذ ليس ثمة ما هو كذلك حقيقة، بل هناك دوماً إشكالية ترتقي عبر أساليب التحليل والتأويل لتدرك إشكالية أخرى أكثر تعقيداً منها، وما على الذين ينشدون جنة تختفي منها الأسئلة سوى التفتيش عن ضالتهم في مكان آخر، هنا ليس من فرصة لليقين، وإنما مجرد متاهات مستفزة تغوي بالمزيد من التيه الآسر الممتع والمخيف في آن.. دروب خاصة بين فعاليات المهرجان مسابقة المهر الإماراتي التي أقيمت على فترتين، أفلام إماراتية من توقيع أنامل فتية واعدة تطرح نفسها على بساط البحث، وتثير الكثير من النقاش عن مستقبل السينما في منطقة ظلت منذ قيامها بعيدة عنها، تجارب موحية تشي برغبة أصحابها في اللحاق بالركب، وفي إثبات الحضور دون التخلي عن أصالة الهوية، أو التنكر لخصوصية الجذور، البديهي أنه كان من السهل بالنسبة لمخرجي الإمارات أن يستلهموا إنجازات السينما العالمية، وأن يسيروا مقتفين آثار السابقين ممن اختبروا التجربة وامتلكوا المراس، لكنهم، لأسباب يدركون كنهها جيداً، آثروا أن يشقوا دروبهم الخاصة، غير عابئين بما ينتظرهم من المشقات، وغير هيابين مما ستطرحه المقارنة بين أعمالهم الوليدة وبين التجارب المختمرة من مفاضلات لا تبدو لمصلحتهم من الوهلة الأولى، لكنهم يدركون بالمقابل أن النظر إلى البعيد هو ما يميز الإنجازات الراسخة، وأن وضع مداميك التأسيس تبقى الأصعب، لكنها الأضمن كذلك لتحقيق بصمة إبداعية بالغة الأثر... «اللون المفقود» “اللون المفقود” هو عنوان فيلم إماراتي من إخراج راوية عبدالله، عرض في سياق مسابقة المهر الإماراتي، المخرجة الشابة اختارت الصنف الروائي من الأفلام بالرغم من الصعوبات والتحديات التي يطرحها الإنجاز، بالتأكيد لا يمكن عزل الاختيار عن الرغبة في تأكيد الذات، وترسيخ تمايزها.. عن المعوقات التي اعترضت سبيلها المهني تقول راوية إنها تمثلت في أزمة الممثلين بالأساس، إذ ليس من وفرة في عدد الممثلين الإماراتيين تسهل عملية الاختيار، لهذا لجأت إلى زملاء وأصدقاء لها في العمل، وهم ليسوا من العاملين في الحقل الفني، وقد قبل بعضهم خوض التجربة، فمثل عادل الراي دوره الأول، وربما الأخير، كذلك فعلت صفية الشحي، وهي إعلامية تتولى تقديم بعض برامج التلفزيون. لراوية فيلم سابق يحمل عنوان “غيمة أمل”، سبقت له المشاركة في الدورة الثانية من مهرجان الخليج السينمائي، وحصل على جائزة أفضل فيلم. اختارت راوية أن تقارب ظاهرة وجود الغرباء في المنزل الإماراتي، المقصود هنا: السائق والحدائقي، وسواهم من العاملين في الفلل، وهي قدمت الموقف عبر عائلة صغيرة، تعاني انشغال الأهل بمشاكلهم الخاصة، وتترك الابنة الصغيرة، شذا، لمهب المخاطر المتأتية من الغرباء، يبدو على شذا ملامح الانطواء، هي لا تشارك رفاقها في المدرسة متعة اللعب، تتنبه المعلمة لخصوصية الموقف، وتحاول التدخل والمساعدة عبر دراسة ملف تلميذتها الذي لا تعثر فيه على ما يشفي الغليل، بالمقابل والدا شذا يغوصان عميقاً في صراعاتهما الزوجية، غافلين عما تتعرض له ابنتهما من معاناة، تترك المخرجة فيلمها مفتوحاً على المجهول، إذ تذهب شذا برفقة رجل غريب إلى حيث لا يعلم أحد، في البداية يتراءى إلى الظن أن الرجل شرير يريد إيقاع الأذى بالفتاة المتروكة لمواجهة مصيرها، لكن إشارة مطمئنة تصدر عن الرجل توحي أنه ربما ينوي تقديم الحماية والعون لها.. وتؤكد راوية أنها تعمدت ترك الخاتمة مفتوحة على شتى الاحتمالات لتثير التساؤلات في أذهان المشاهدين، وتدفعهم لإبداء اهتمام أكبر بمصير أبنائهم، والتفكير ملياً بما يعنيه ترك أبواب المنازل العائلية مشرعة أمام الآخرين.. ترفض عبدالله، رداً على سؤال، تبرير خاتمة فيلمها الغامضة بالقول إن الفن يطرح المشاكل ويترك للمختصين حلها، هي تؤمن أن على السينمائي تقديم الحلول لما يبرزه من مشاكل، لكنها تؤمن كذلك أن بعض الحل يكمن أحياناً في الدعوة إلى التبصر والتفكر، هكذا لا يعود الختام المفتوح على تساؤل غامض، بل يغدو محفزاً على ابتكار قدر إضافي من الوضوح. راوية تعرب عن تفاؤلها بمستقبل السينما الإماراتية، فجهات الدعم موجودة وناشطة، وهي تتولى تقديم العون إلى كل من يحتاج ويستحق المساعدة، كذلك هناك رعاية معنوية فائقة من أولياء الأمور، فالمهرجانات التي تشهدها الدولة لها طابع عالمي، وهي تقام برعاية وحضور قادة الدولة الذين يبدون اهتماماً مخلصاً وصادقاً بتنشيط المواهب ومنحها فرص الإنجاز، كذلك هناك أيضاً حيوية السينمائيين الإماراتيين، وتعاطيهم مع المشروع السينمائي بوصفه قضية وطنية يتوقف على السير بها جزء من المصير الحضاري والثقافي لبلادهم، كل هذه العوامل تبرر الاطمئنان إلى الغد السينمائي في دولة الإمارات، ويكفي، بحسب راوية، أن ننظر إلى الذي تحقق سينمائياً على صعيد الدولة منذ أن بدأ الاهتمام الفعلي بتطوير المنجز السينمائي حتى يتولد اليقين بكون القادم واعداً ومبشراً، وباعثاً على التفاؤل. «آخر أمل» اختار الصمت وسيلة للتعبير يشارك المخرج ناصر اليعقوبي في مسابقة المهر الإماراتي بالفيلم الوثائقي”البصيرة”، الذي أخرجه بالتعاون مع زميله المخرج أحمد زين، يدور الفيلم حول شخص فاقد للبصر يصر على ارتياد البحر، متابعاً مهنة كان يعتاش منها منذ الصغر، ومبدياً عدم استعداده للسماح لعاهته الحادثة أن تحرمه منها، يحصل ذلك كله في تجل بديع لقدرة الذات البشرية على تخطي المعوقات، وإنجاز ما يبدو للوهلة الأولى مستحيلاً.. يشدد اليعقوبي على أهمية تكامل الجهود والقدرات بين أجيال السينمائيين الإماراتيين، فالسابقون يملكون الخبرة والتجربة، واللاحقون تمكنوا من الوسائل التقنية، ومن شأن التنسيق والتواصل بين الفريقين أن يثمر عن إنتاج سينمائي جدير بالاهتمام، وقابل لإمكانية التمايز. كذلك يدعو محدثنا إلى إقامة منتديات حوارية مستمرة بين أهل السينما الإماراتية تكون بمثابة ورش عمل دائمة تناقش المشاكل، وتبحث في تذليل الصعوبات، وتتحول إطاراً لتبادل الخبرات المختلفة، وتنشيط فرص الإنتاج عبر مشاركة مدروسة ومتخطية للمعوقات التي قد لا يكون الفرد قدرة تخطيها، أما الجماعة فيسعها تجاوزها دون عناء. كذلك يشدد استناداً إلى تجاربه السينمائية المتنوعة على أهمية تعزيز التواصل مع السينمائيين العرب عموماً، والخليجيين خصوصاً، وذلك للاستفادة من ثراء التجارب، والتعمق في حل الإشكاليات التي تكون متشابهة في معظم الأحيان.. ويرى اليعقوبي أن السينما الإماراتية ناهضة، وسيكون لها حضورها الإقليمي والعالمي، وهي تتطور باضطراد ملحوظ، ولا يحتاج الأمر إلى كثير من العناء لرصد إنجازاتها وتلمس آثارها المميزة، وصولاً إلى استشراف مستقبلها المضيء. «آخر أمل» من الأفلام المشاركة في مسابقة المهر الإماراتية فيلم “آخر أمل” للمخرج الشاب ابراهيم المرزوقي، العمل وصاحبه لم يكونا بعيدين عن التحدي أيضاً، وإلا فكيف يمكن تفسير أن يكون الفيلم من النوع الصامت، حيث يجدر بالصورة وحدها أن تفسر الموقف، وتنهض بالخطاب المرسل، وهو خطاب فلسفي معقد يستبطن المقارنة بين الحياة والموت؟ يقول المرزوقي إن هدفه من اختيار الموضوع، على تعقيده، هو إضافة قدر من التنويع على الدراما الاجتماعية السائدة، حيث القضايا المثارة سينمائياً لا تتجاوز المألوف واليومي، في حين أن هناك أبعاداً حياتية أخرى أرفع شأناً جديرة بأن تخضع للبحث، وأن يطالها التفكر الإنساني. أما عن السبب في اختياره الصمت وسيلة للتعبير فيوضح: السينما بدأت صامتة، وهي تشكيل بصري في الأساس، لاحقاً صار متاحاً لمن لا يجيد التعبير بالصورة وحدها عن الموقف أن يلجأ للاستعانة بالكلام، لكن ذلك لا ينفي إمكانية الاكتفاء بالصورة وحدها عندما تكون طاقتها التعبيرية مستوفية لشروط الإيضاح. وينفي المرزوقي، رداً على سؤال، أن يكون خطاب فيلمه نخبوياً، بمعنى أنه يتوجه إلى فئة مثقفة تقلقها الأسئلة الوجودية، ويقول: هو موجه لجمهور السينما، والمقصود هنا أن المتابعين لأعمال الفن السابع يدركون حقيقة كونه فناً يمتلك أساليب صياغة محددة، تماماً كسائر الفنون الأخرى، كما يعتمد على اللغة البصرية أساساً، وأنه بالتالي ليس مجرد حكاية تروى. الفيلم، وهو من النوع الروائي القصير، يتمحور حول شخص تشي ملامحه بالبؤس، يسير متئداً نحو البحر في البداية، وذلك كترميز للحياة نفسها، حيث يملأ من مياهه قارورة، هي نصيبه من تلك الحياة، ثم يتجه نحو قمة جبل محاولاً الانتحار، ليذهب نحو مسجد مهجور وهناك يتخلى عن تجهمه ويرسم ابتسامة موحية على وجهه، وفي النهاية يموت الرجل وينتهي الفيلم. مستقبل السينما الإماراتية يوضح المرزوقي أن بطل فيلمه ليس ممثلاً ولا يرغب في أن يكون كذلك، هو رجل عادي أميل إلى الخجل، وقد اختاره لأنه لم يكن يبحث عن الإثارة بقدر ما كان ينشد العفوية والبساطة، وقد أمكنه أن يستخرج أفضل ما لديه منهما عندما فاجأه بموعد التصوير في الفجر، حيث نهض من النوم على غير استعداد ليصور مشاهد الفيلم. بدوره يوضح علي المرزوقي، مساعد المخرج في الفيلم، ومنسق موسيقاه التصويرية، أن الموسيقى المستخدمة في سياقه كانت بالغة التأثير، حيث تم اختيارها بما يعبر عن الحالات الثنائية التي تعتري النفس البشرية عادة من حزن وفرح وتفاؤل وتشاؤم، وإقبال وإدبار، وسوى ذلك من التناقضات. كذلك يبدي المخرج المرزوقي تفاؤله بمستقبل السينما الإماراتية، فهي، برأيه، بين أيد أمينة، سواء لجهة الدعم والرعاية، أو في ما يتصل بالجهد والإبداع، كما يعتبر أن من شأن المزيد من الانفتاح على منطقة الخليج العربي التي تربط بين أبنائها وشائج عميقة، وصلات وثيقة، أن يرفع من مستوى الإنتاج السينمائي، وذلك بحكم اتساع السوق وارتفاع نسبة التوزيع، ذلك أن السينما هي صناعة في جوهرها.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©