السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إندونيسيا.. عِقْدٌ بعد «تسونامي»

24 ديسمبر 2014 00:41
يقود «ألامسيه» سيارته السوداء في منطقة عشبية مبتلة باتجاه موقع بناء، حيث يبني ثلاث رجال حوائط بالأحجار تحت أشعة الشمس الحارقة. وأثناء ترجله إلى الموقع، وضع كوب القهوة الساخنة على لوح خشبي، وسحب شريط القياس. ودون إلقاء تحية على عماله، نفض التراب عن قاعدة جدر لم يكتمل بنائه كي يتمكن من قياس ارتفاعه. وقطعة الأرض، التي سيقف عليها في النهاية منزل مكون من أربعة غرف، تقع على بعد 400 ياردة من المحيط الذي تتقلب أمواجه على الشاطئ النائي في إقليم «آتشيه» الإندونيسي. وبعد دقائق، توقفت دراجة نارية ونزلت امرأة ترتدي فستاناً ذهبي اللون تدعى «سوارني إدريس»، مع ثلاثة من بناتها. وكانت المرأة اشترت قطعة الأرض مقابل 2800 دولار، وتعتمد الآن على «ألامسيه»، وهو صديق غير مقرب للعائلة، في بناء المنزل خلال أربعة أشهر، بسعر مخفض. وجاءت إلى الموقع بغرض الإشراف على تقدم البناء بعد عشرين يوماً. وتقول «سوارني» بينما توزع حلوى على العمال: «إن سعر الأرض رخيص هنا، وهذا هو خيارنا الوحيد». و«ألامسيه»، رجل قليل الكلام تظهر عليه قوة الشخصية، وبدا راضياً عن أعمال البناء، بينما كان ينظر إلى أعمدة المنزل، التي صممها باستخدام السقالات المؤقتة والحديد وصب فيها الخرسانة. وقال: «إنني أبني هذا المنزل وكأنه منزلي». ولفت الرجل، الذي استغرق أكثر من عام في بناء منزله الخاص، أن العمل يمضي في منزل «إدريس» بسرعة جيدة. وتعتبر أنشطة البناء الجارية على ذلك الشاطئ الذي تكسوه أشعة الشمس دليل على مدى التقدم الذي أحرزته مدينة «باندا آتشيه» عاصمة الإقليم بعد مرور عشرة أعوام على أسوأ الكوارث الطبيعية في التاريخ البشري، وتذكر أنه لا يزال هناك بعض العمل الذي لابد من إنجازه. وقبل عقد مضى، ضرب زلال قوي وتسونامي ضخم شاطئ آتشيه، شمال الجزيرة الإندونيسية سومطرة. وعصفت الأمواج العاتية، التي نجمت عن زلال بقوة 9.1 درجة على مقياس ريختر، بالمدن والقرى، ودمرت القوارب والأشجار وأطاحت بالمنازل والحقول. وامتد الخراب طولاً وعرضاً وطالت آثار الزلزال أربعة عشر دولة، وكانت أكثر الدول التي تكبدت خسائر ضخمة هي الهند وتايلاند وسريلانكا. وبمرور الوقت ضعفت الأمواج، وبلغ تقديرات الخسائر مجتمعة نحو 228 ألف قتيل. وأثار «تسونامي» الذي وقع في 26 ديسمبر عام 2004 أكبر استجابة خيرية على الإطلاق لكارثة طبيعية. وتعهدت الحكومات والأفراد والشركات بمساعدات تصل إلى 14 مليار دولار، خصص ما يقرب من نصفها لـ «آتشه»؛ ذلك أن احتياجاته كانت ملحة، فأكثر من نحو نصف مليون شخص صاروا بلا مأوى في إقليم يضم أربعة ملايين نسمة. ودمرت الطرق السريعة والجسور القريبة من الشاطئ وأصبحت الموانئ خراباً. وفي مدينة «باندا آتشه»، وقع نحو من ربع السكان ما بين قتيل ومفقود. وحذر النقاد من أن البيروقراطية في إندونيسيا وثقافة الفساد من شأنها تقييد أيادي المانحين وتحويل الأموال الموجهة إلى الناجين من تسونامي. ولا تترجم دائماً تعهدات المساعدات إلى أموال يتم إنفاقها على الأرض. ورغم ذلك، تعتبر زيارة «باندا آتشه» اليوم زيارة إلى مدينة لم تجتمع فقط على قلب رجل واحد، ولكنها حققت بشكل كبير الشعار الذي أطلقه مسؤولو المساعدة بعد «تسونامي»: «لنعيد بنائها بشكل أفضل». وفي عصر يتم فيه صرف أموال المساعدات في بنود أخرى أو تقليصها قبل وصولها إلى المحتاجين، بصورة تضعف همة المانحين، وصلت مبالغ كبيرة من أموال الإغاثة من «تسونامي» وتم توزيعها على الناجين من الكارثة وأحدثت فرقاً. ويبدو ذلك واضحاً في 130 ألف منزل جديد تم بناؤه و1700 مدرسة، وما يربو على ألف مبنى حكومي تم تشييده. ويوجد في «آتشه» مطارات وموانئ جديدة ومحطات صرف صحي وأنظمة مياه للشرب، وتم رصف طرق جديدة بطول 2300 ميل وأعيد بناء محطة الطاقة. ورغم ذلك، لا يزال أمام «آتشه» طريق طويل، على الصعيدين المادي والنفسي، وتقول ماجدلينا، وهي مقيمة في المدينة وتدير مسرحاً مع زوجها: «إن بناء مجتمع أكثر بكثير من مجرد إعادة الإعمار المادي»، مضيفة: «إننا الآن جسد بلا روح، وعلينا أن نعمل للعثور على هذه الروح، ويحتاج الأمر وقتاً للعودة». سيمون مونتليك * يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©