الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا: بلاد الجوار أولى بالشراكة

2 ديسمبر 2012
روبرت زوليك باحث بمعهد بيترسون للاقتصاد العالمي ستُنصب المكسيك يوم السبت رئيسها الجديد، إنريكي بينيا نيتو، في الوقت الذي يرسم فيه أوباما طريقه خلال ولايته الثانية، ومع أن الإدارة الأميركية أعلنت تركيزها على آسيا والمحيط الهادي وما زالت منخرطة في مشاكل الشرق الأوسط واضطراباته، إلا أن اللقاء المقرر خلال الأسبوع الجاري بين الرئيسين يمثل فرصة سانحة للولايات المتحدة لتطوير قاعدتها في القارة الأميركية وتعزيز نفوذها في الجزء الغربي من الكرة الأرضية كجزء من استراتيجيتها العالمية،. ولنتذكر أن اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا الموقعة في عام 1994 المعروفة اختصاراً باسم «النافتا» كانت هي الخطوة الأهم التي خطتها أميركا خارج النظام الأمني الذي ساد الحرب الباردة. وعلى رغم ضعف اهتمام الولايات المتحدة بالشمال الأميركي خلال العقدين الماضيين بسبب التركيز على مناطق أخرى من العالم، يبدو أن اتفاقية «النافتا» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة بدأت تصل مرحلة النضج وتعد بإمكانات واعدة في المستقبل القريب. واليوم نجد أمامنا فرصة مناسبة لتعميق العلاقات بين الدول الموقعة على الاتفاقية، بحيث يمكن لكافة دول «النافتا» الاستثمار ببلدان أميركا الشمالية لينعكس ذلك إيجاباً على أوضاعها الداخلية ومكانتها الدولية، فبالنسبة لأميركا تمثل قاعدة ديمقراطية ومزدهرة في أميركا الشمالية قادرة على تأمين احتياجاتها من الطاقة ومتكاملة اقتصادياً فرصة مهمة لتعزيز مكانة القطاع الخاص وتقوية عناصر القوة الوطنية لدى الدول المعنية. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى نجاح كندا والولايات المتحدة في تقليص تكلفة الطاقة، وتكريس الأمن في هذا المجال، بالإضافة إلى خفض العجز التجاري الأميركي وفي نفس الوقت تحفيز باقي الصناعات. أما فيما يتعلق بالمكسيك فقد ألمح الرئيس «بينيا نيتو» إلى أن الوقت قد حان لاستفادة بلاده من الاستثمارات الخارجية والابتكارات الجارية في قطاع الطاقة، وعلى رغم ما ينطوي عليه موضوع الطاقة في المكسيك عادة من حساسيات خاصة، إلا أنه من شأن الانخراط الفعلي في عملية الاستثمار في مجالات الطاقة تحقيق مكاسب كبيرة لذلك البلد ولأميركا الشمالية كلها. وفيما ترتفع الأجور في آسيا فإن تحسن الإنتاجية في المكسيك وانخفاض تكلفة النقل بين دول أميركا الشمالية يعززان القطاع الصناعي على جانبي الحدود الأميركية المكسيكية، ولاسيما أن المكسيك وكندا تمكنتا، على امتداد الأزمة الاقتصادية الحالية، من ضبط قطاعهما المالي وكسب إشادة المؤسسات الدولية، وهو ما يمهد الطريق أمام انبعاث القارة الأميركية من جديدة. وبالطبع إذا انتعش الاقتصاد المكسيكي وواصلت كندا نجاحها فإن ذلك سينعكس على الاقتصاد الأميركي، لأن ذلك سيفضي إلى تنامي الطلب على المنتجات المصنعة في الولايات المتحدة، ومع انخفاض عدد المهاجرين غير الشرعيين المتوجهين إلى أميركا وتحسن الأمن على الحدود، يمكن للمكسيك والولايات المتحدة التوافق على سياسية للهجرة تكون مقبولة سياسياً ومعقولة اقتصادياً. وفي حين تعاني دول متقدمة وأخرى نامية من إشكالية شيخوخة السكان أصبحت دول أميركا الشمالية بخصوبتها العالية قوة صاعدة على الساحة الدولية. ولا ننسى أن كندا والمكسيك أصبحتا شريكين أساسيين للولايات المتحدة في مجالات الديمقراطية والاقتصاد والبيئة، وهو تقدم هائل وغير مسبوق بالنظر إلى ما كان عليه الوضع قبل عشرين عاماً، وهذه الشراكة بين الدول المتقدمة والنامية تشكل أساس الائتلافات المستقبلية التي تحتاج الولايات المتحدة لبنائها، ولعل من المصالح المشتركة التي تتقاسمها دول المنطقة تلك التي تلامس التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها بلدان أميركا الوسطى والكاريبي وتغذي بدورها موجات الهجرية غير الشرعية إلى الشمال. وبتعزيز اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الوسطى الموقعة في 2004 يمكن للولايات المتحدة تهييء المجال لدول مزدهرة اقتصادياً بمؤسسات عامة مستقرة مع تعزيز الأمن والديمقراطية. وفي هذا السياق يبدو أن المكسيك وكولومبيا وبنما على أتم الاستعداد للعمل مع الولايات المتحدة لدعم النمو الاقتصادي وتأمين الديمقراطيات في الدول المعنية، وهو تحول كبير في عقلية دول أميركا اللاتينية التي تعودت التعامل مع الولايات المتحدة باعتبارها قوة متدخلة في شؤون المنطقة. ومن جانبها تستطيع واشنطن توظيف علاقاتها الاقتصادية المتميزة مع بلدان أميركا اللاتينية لزرع بذور التعاون في الجزء الغربي من الكرة الأرضية، ولاسيما أن اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها واشنطن مع دول أميركا اللاتينية باتت أسواقها تمثل 55 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمجمل الجزء الغربي من الكرة الأرضية؛ ولتقوية أواصر التعاون بين دول أميركا اللاتينية يتعين تعميق الصلات التجارية بين البلدان في المنطقة وتمتين التعاون في مجالات الجيل الثاني من التطوير المرتكزة على الاستثمارات المشتركة وتحسين البنية التحتية. ولو نجح التعاون والتنسيق الإقليميان بين دول المنطقة يمكن لأميركا اللاتينية ترويج نموذجها دولياً في وقت يعاني فيه العالم من مشاكل خطيرة، وعلى سبيل المثال أنشأت التشيلي والبيرو وكولومبيا والمكسيك، التي تعتبر كلها دولاً شريكة للولايات المتحدة، مجموعة جديدة امتدت إلى بلدان المحيط الهادي بهدف دعم السياسات الاقتصادية المشتركة، ولذا وفيما يتجه الرئيس أوباما بنظره إلى منطقة المحيط الهادي ويبدو منخرطاً في قضايا الشرق الأوسط، فإن عليه أيضاً تجديد رؤيته للعلاقة بين شمال وجنوب القارة الأميركية، ذلك أن دول أميركا الشمالية والجنوبية قد تتحول مجدداً إلى قوة صاعدة دولياً، كما أن أساس النظام العالمي قد ينبثق من دول الأميركيتين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©