الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

فضائيات «الجن والعفاريت» و«دواء لكل داء».. في دائرة الاتهام

فضائيات «الجن والعفاريت» و«دواء لكل داء».. في دائرة الاتهام
24 ديسمبر 2014 01:12
مشاهدة البرامج التي تستثير المتلقي وتحرك فضوله لها أولوية لدى المشاهد، ومن أكثر هذه البرامج إثارة التي تتناول الغيبيات وتعرض مواقف مؤثرة لأفراد من المجتمع يروون قصصهم مع الجن أو هبوطهم للعالم السفلي، ومن ثم ادعاء إقامة علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الجن، هذه التجارب تعرض على الفضائيات في كثير من الأحيان من دون مناقشة أهل العلم والدين، وهو ما يضع المشاهد تحت تأثير الخوف، ومن ثم الاعتقاد في قدرة الدجالين والمشعوذين على تغيير نمط الإنسان الصحي والاجتماعي، وكذلك علاقاته بالآخرين، وفقاً «لفضائيات الجن والعفاريت»، كما يصف بعض الإعلاميين، فضلاً عن أن برامج أخرى تطرح أدوية تصلح لعلاج جميع الأمراض، وهو ما يضع الأمل في قلوب الناس بأن مشكلاتهم الصحية جميعاً لها حلول ناجعة، لتدخل بعض البرامج الإعلامية في دائرة الاتهام وتضليل الناس أحياناً بما تعرض من أشياء لا يتقبلها العلم ولا يوافق عليها الدين. حول الإعلام والدجل في العالم العربي يقول أستاذ الإعلام في الكلية الإماراتية الكندية الجامعية الصادق رابح: «العلاقة بين الإعلام والمتلقي تفاعلية بالدرجة الأولى، وهو ما يضع الإعلام في دائرة الموجه والمحرك لمشاعر الناس تجاه قضية ما وإذا كانت هناك موجة من البرامج التي تروج للغيبيات وتعرض لبعض الذين يدعون أن الجن أصابهم بمكروه أو أنهم هبطوا إلى عوالمهم الخاصة من دون الاستناد إلى التحليل الديني والعلمي لمثل هذه الظواهر، وهو دليل على أن المجتمع يعاني أزمة حقيقية في الفكر، وهو ما يشجع على انتشار الخرافة والجهل والاستسلام للتفكير غير العقلاني». ويوضح رابح أن التلفزيون جزء لا يتجزأ من واقع الناس في البيوت، وهو مغذ للثقافة الاجتماعية ويدخل في صميم تشكيل الوعي على المستويات كافة ومنه تستقى الأخبار، وهو ما يجعل جميع القائمين عليه في مهمة كبيرة تتطلب المصداقية والشفافية، لافتاً إلى أن شعار «الناس عاوزة كدة» أمر يتنافى مع القيم المجتمعية والأخلاقية، ويصدم العرف ويروج لتفكير سطحي في بعض الأحيان يؤثر بالسلب على الناس ويشير إلى أن المجتمع العربي يعيش حالياً أزمات متعددة، وهو ما يجعله يتقبل مثل هذه البرامج التي تلامس ميل الفطرة في التعرف إلى المجهول وما يعبر عن الخرافة والوهم. أبواب مغلقة ويؤكد الناقد الفني طارق الشناوي أن ظاهرة الدجل والشعوذة موجودة في عالمنا العربي منذ زمن بعيد وهي تنتقل للمجتمع بحكم الوراثة، لكن لا شك في أن الإعلام بدوره يمتلك مفاتيح أبوابها المغلقة فالبحث عن قوى خفية تحول الحياة من الألم إلى الراحة والسعادة مناط سعي الإنسان الدؤوب وقديماً كانت هناك وصفة منتشرة تسمى «وصفة داوود تعالج الأمراض من السرطان للدود» ويلفت إلى أن بعض البرامج التي تنتشر في هذه الآونة تستغل قابلية الإنسان لمشاهدة أشخاص يدعون أن الجن أصابهم بمكروه وما شابه ذلك في تحقيق أرباح عالية ونسبة مشاهدة فائقة دون النظر للتأثير السلبي على واقع الإنسان، وهو ما يجعل العلاقة بين الإعلام والناس تفتقد للمصداقية خصوصاً أن العالم العربي به نسبة أمية، في حين أن مناطق كثيرة من العالم تحتفل بمحو الأمية الرقمية في بلدانها. ويلفت إلى أن أحد العرافين فضح بعض الإعلاميين الفنانين الذين كانوا يذبحون العجول أمام الاستديوهات ويغسلون أيديهم بالدم ويشير إلى أن حظك اليوم والبرامج التي تستضيف بعض الأدعياء في الطب الشعبي تروج أيضاً لانتشار الدجل والشعوذة. الترويج للأكاذيبوينظر الإعلامي تامر أمين إلى الإعلام على أنه سلاح لمحاربة الظواهر السلبية في المجتمع ويقول: «مع الأسف نرى هناك برامج تشجع على انتشار ظاهرة الدجل والشعوذة ودائماً أتساءل إلى متى سيظل إعلام الجن والعفاريت» يضلل الناس ويغيبهم مثلما تغيب العقل المخدرات؟!، ويؤكد أمين أن هناك خطورة من الترويج لأفكار ترسخ لظاهرة الدجل في المجتمع العربي بخاصة أن بعض الإعلاميين يعمد إلى الاستسهال ومن ثم عرض حلقات تثير التساؤل حول عالم الغيبيات. ويعود تامر أمين إلى الإشارة إلى أنه بدلاً من أن يسهم الإعلام في الحد من انتشار الدجل والشعوذة يتلاعب بعواطف الناس ويغمرهم في أسئلة لن يستطيع أن يظفر بها أحد، ويرى أمين أن محتويات البرامج التي تروج لأكاذيب عن علاج أمراض الناس بأدوية لا يعرف عنها الطب شيئاً هو من قبيل الاتجار بصحة المرضى وإغراقهم في الوهم. ثوبالفضيلة ويرفض الإعلامي وائل الإبراشي التسويق لحكايات الوهم والخداع عبر الإعلام المرئي في زمن العلم والمنجزات الحضارية ويرى أن الحرب الحقيقية يجب أن تكون على فئة المشعوذين وليس العكس فما يحدث في بعض البرامج من الترويج للغيبيات هو سقطة إعلامية ويحذر الإبراشي من استغلال نقاط الضعف الإنساني وميل الإنسان لتصديق الخرفات خصوصاً في البحث الدائم من قبل بعض الناس على علاج لمشكلاتهم الصحية عبر عالم الجان ووكلائه في الأرض ممن يزعمون قدراتهم الخارقة ويلفت إلى أن اللجوء إلى هذا الطريق يدمر حياة أفراد المجتمع ولا يضعها على الطريق الصحيح كما أن تجارة الحياة والموت من خلال برامج التي تسوق للأعشاب والخلطات هي من قبيل الوهم. مطالباً بقوانين رادعة حتى لا يستمر مسلسل الخداع لكون هذا المنحى في بعض القنوات الفضائية يعبر عن فساد فكري يرتدي ثوب الفضيلة. ضحايا الإيحاء وعن الأثر النفسي الذي يقع على أفراد المجتمع من جراء عرض مشاهد تثير الخوف والذعر والهلع في القلوب عبر حلقات تظهر معاناة البعض مع الجن والمس الشيطاني يقول الأستاذ المساعد في جامعة بييل الأميركية أحمد الألمعي عضو اللجنة التنفيذية للزمالة العربية للطب النفسي :من طبيعة النفس الإنسانية أنها تتأثر وتقع ضحية للإيحاء وهو ما يحدث بسهولة من خلال الوقوع تحت تأثير بعض الحلقات التي تبث وتظهر الجان يقهر الإنسان عبر بعض الذين يزعمون أنهم تحت تأثير مخلوقات العالم السفلي وهو ما قد يصل بالناس إلى توهم أنهم يمرون بمثل هذه الحالات بسبب الخوف والهلع. ويلفت الألمعي إلى أن العالم في هذا الوقت يسير نحو التقدم والازدهار والإنجاز العلمي في حين لم تزل بعض القنوات الفضائية ترسخ للخرافة والجهل ومن ثم التركيز على موضوعات تصيب الإنسان بالاكتئاب والاستسلام للمشاعر السلبية وكذلك البحث عن علاج فوري لأمراض يعجز عنها أطباء العالم المهرة ويدعي أشخاص أنهم يعالجونها بمنتهى السهولة ويدعو الألمعي جمهور المشـــاهدين إلى نبذ الخـــرافة ومقاطـعة ورفض هذا الغبار الإعلامي الذي يبدي غير ما يضمر وهدفه في النهاية الربح دون وضع اعتبار للإنســانية والإنسان نفسه. كائن شفاف ورغم أن الممثل المسرحي الإماراتي فيصل ثاني تعرض لبعض المواقف التي اطلعته على حالات يلبسها الجن فإنه يرفض مثل هذه البرامج التي تفتقر للمصداقية وتهدف إلى جني الأرباح واستغلال سذاجة الناس ويؤكد ثاني أنه بعد أن أدى دوره في مسرحية عام 2009 على مسرح المركز الثقافي في خورفكان وقرر أن يشاهدها عبر الفيديو مع زملائه الفنانين تفاجأ بوجود النصف الأسفل لكائن شفاف يمر على المسرح حتى ذهب باتجاه الكواليس وحتى يتأكد من حقيقة ذلك ذهب إلى تلفزيون خورفكان ليشاهد النسخة الأصلية من المسرحية فوجد المنظر نفسه وهو ما جعله يشعر بأن المسرح مكان لهبوط هذه الأرواح. كشف الحقيقة ويوضح مقدم برنامج خطوة الإعلامي الدكتور خليفة السويدي الذي عرض حلقة عن السحر واستحضار الجن في المملكة المغربية على قناة أبوظبي الأولى أن الإعلام له أكثر من دور في التعامل مع ظاهرة الدجل والشعوذة وذلك بنشر الوعي حولها والإسهام في كشف الحقيقة، ويرى أن البرامج الإعلامية الفاشلة تعرض هذه الظاهرة وغيرها من أجل الإثارة ليس إلا، لتكسب جمهوراً أما البرامج الناجحة فهي تكشف الحقيقة بطريقة ميدانية عبر الاستناد إلى دراسات واقعية تؤكد مبدأ الشفافية بدلا مِن بث الحلقات من الاستوديو فقط، كما أن من أهم مميزات البرامج الناجحة أنها تعرض الظاهرة من زوايا مختلفة ويشارك في تحليلها أهل الاختصاص، فمثل هذه الظواهر لها جوانب اجتماعية، سوسيولوجية، نفسية، تربوية،وشرعية، ودينية، فلكي ننجح في التعامل معها لا بد من عرضها على كل هذه التخصصات وربما أكثر لكي نقدم مادة مقنعة ومفيدة للناس. كسب مادي يقول علي عبدالهادي دكتوراه في العلاج الفيزيائي والتأهيل الطبي من جامعة باركر الأميركية، إن الممارسات التي تصدر عن غير المؤهلين طبياً تسيء لواحدة من أهم المهن في التاريخ البشري ويلفت إلى أنه لابد من التصدي لمثل هذه الظاهرة بقوة حتى لا يكون الاتجار بحياة وسيلة للكسب المادي وعبر الإعلام المرئي الذي يدخل في كل بيت وله القدرة على التأثير في نفوس المرضى. برامج «الفبركة» وتدعو مقدمة البرامج في تلفزيون أبوظبي يسرى عادل إلى سن قوانين جديدة في محيط الإعلام العربي عبر ميثاق شرف يلزم القنوات الفضائية بأن تلتزم مبدأ الشفافية حتى لا تقدم محتوى مبالغاً فيه على حساب الصدق والأمانة الإعلامية لافتة إلى أنها تابعت بعض البرامج التي تروج بشكل فج لظاهرة الشعوذة مستغلة قلة الوعي لدى بعض الناس الذين لديهم استعداد فطري للانسياق وراء الخرافة وهو ما يدعو بعضهم إلى اعتبار أن علاج الحسد يوجد لدى هؤلاء الذين يدعون التواصل مع الجن ويملكون أدوية سحرية للعلاج من السحر أو إلحاق الضرر بالآخرين. وتلفت يسرى إلى أنه ليس من الأمانة أن يعتمد مقدم البرنامج على «الفبركة» من أجل أن يسجل برنامجه أعلى نسبة مشاهدة ويحقق أرباحاً عالية من خلال الإعلانات التي تقدم أثناء العرض. أرواح شريرة وتذكر الإعلامية السعودية أميرة الفضل أن البرامج التي تناقش قضايا الدجل والشعوذة عبر القنوات الفضائية بطبيعتها مشوقة وتجذب قطاعاً كبيراً من الناس لكونها تعتمد على الإثارة الفكرية وتلهب المشاعر وتستثير الوجدان بشكل كبير لكن ليس من المنطقي أن تتمادى في عرض الحالات التي تعاني المس الشيطاني من دون مناقشة هذه القضية من قبل رجال العلم والدين فضلاً عن التحقق من مثل هذه الحالات ودراسة الآثار السلبية التي من الممكن حدوثها في حال عرض الحلقة مؤكدة أن استغلال جهل بعض الناس بخطورة الدجل والشعوذة قد يسهم في ترسيخ فكرة الخوف من الجن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©