الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أميركا الحمراء.. ثورة مُؤجلة في بلاد العم سام

27 مايو 2007 02:04
إعداد ـ حسن ولد المختار: في سنة 1997 أطلق الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون مقولته الشهيرة: ''إن الصين تقف على الجانب الخطأ من التاريخ، وإن الحزب الشيوعي سينهار هناك مثلما انهار جدار برلين''· وبعد مرور عشر سنوات الآن على إطلاق تلك النبوءة السياسية الكلينتونية ما زال الحزب الشيوعي ممسكاً بدفة الأمور بقوة في بكين، وما زال هنالك أيضاً من يجادلون بأن الصين ليست هي من يقف على ''الجانب الخطأ'' من التاريخ، خاصة أن طفرة القفزات الاقتصادية الهائلة التي حققها التنين الصيني خلال السنوات الأخيرة، جعلت أنصار نظرية ماركس وأنجلز و''ماو''، في موقف أقوى من الناحية العملية، وأصبحوا اليوم أكثر قدرة على المجاهرة بما ظلوا يُضمرونه في صدورهم، وهو أن الحل الجذري النهائي لكل مشاكل البشرية، من الألف إلى الياء، هو ببساطة شديدة: ''الحل الشيوعي''· وإذا كانت حجج أعضاء الحزب الشيوعي الصيني في مدح الشيوعية وهجاء الليبرالية والرأسمالية حججاً لا تخلو من أغراض، وبغض النظر عن عمر هذا الصراع الأيديولوجي الذي يزيد على قرن، فإن أحد أهم أطراف ذلك السجال ''السيزيفي'' المرير بين الرأسمالية والشيوعية، قلما تُسلط عليه الأضواء، مع أن وجوده الرسمي ممتد في أرض ''العم سام'' نفسها منذ قرابة قرن، وإن كان وجوده الفكري سابقاً على ذلك بكثير· إنه الحزب الشيوعي الأميركي، المعروف اختصاراً بـ CPUSA · وهذه التسمية في حد ذاتها قد تبدو مفاجئة للذين لا يعرفون شيئاً عن مشروع ''أميركا الحمراء'' الموعودة، التي يحلم الحزب اليوم بتأسيسها على أنقاض هذه الـ''أميركا الرجعية''، أميركا الحزبين الرئيسيين الحاليين ''الجمهوري'' و''الديمقراطي''، اللذين -على الرغم من سجالاتهما الأيديولوجية ''العقيمة''- لا يعدوان في النهاية كونهما وجهين لعملة إيديولوجية واحدة، هي الأيديولوجيا الرأسمالية، الاحتكارية، الاستغلالية، الإمبريالية، اللئيمة، المُعادية للبروليتاريا ولحزب الطبقة العاملة··· الخ· لينين في نيويورك! في الشارع رقم 23 بمانهاتن يشمخ مبنى من 8 أدوار، وخلف الباب رقم 235 داخل ذلك المبنى يقع مقر الحزب الشيوعي الأميركي CPUSA ، أحد أقدم الأحزاب الماركسية- اللينينية، في العالم الغربي· ومع أنه لا توجد أي علامات خارجية دالة أو مكتوبة، لا لافتة ولا لوحة، ولا واجهة، تحمل اسم CPUSA العتيد، إلا أن هناك ما يشير -وإن كان على خجل- وفي ممر يتيم داخل المبنى، إلى موقع غير عادي· إنه مكان يحلو لـ''الرفاق'' في ذصسء وصفه بـ''النجمة المضيئة'' الوحيدة وسط ظلام مانهاتن الدامس والموحش· والماركة المسجلة على تلك اللوحة اليتيمة هي رسم لعدد من العمال مفتولي العضلات يعتمِرون قبعات المصانع· وأما بقية شعارات الحزب فيدخرها المقر لواجهاته الفرعية الداخلية: علَم أحمر قانٍ، ومِنجل ومطرقة، ولافتات داعية إلى مضاعفة الضرائب على الأغنياء، الرأسماليين ''الرجعيين''· ولهذا الحزب الشيوعي الأميركي قصة طويلة، تستحق أن تروى، بتفاصيلها ومراراتها وأحلامها الطوباوية وشعاراتها الإيديولوجية العجيبة· فهذا الحزب ظل مرتبطاً في أذهان الأميركيين حتى عهد قريب برئيسه المخضرم ''جيز هال'' الذي قاده طيلة الفترة من 1959 إلى ·2000 إلا أن تأسيس الحزب يعود إلى تاريخ سابق على ذلك بكثير· ففي سنة 1919 وجه الزعيم الشيوعي الروسي فلاديمير لينين دعوة عاجلة لقوى اليسار الأميركي بالانضمام إلى الحركة الشيوعية العالمية، وجاء الرد سريعاً بالإعلان يوم 2 سبتمبر 1919 عن تأسيس الحزب الشيوعي الأميركي، في مدينة شيكاغو على يد زعيميه التاريخيين ''تشارلز روثمبيرج'' و''لويس فراينا''· ثم ظهرت تشكيلات شيوعية أخرى في السنوات اللاحقة، ولكن الصراعات الداخلية مزقت تلك القوى ''الثورية'' في وقت مبكر جداً، كما وقفت أجهزة الحكومة الأميركية السرية لها بالمرصاد، ودخلت معها في حرب استباقية معلنة· يومها كانت الثورة البلشفية الروسية في قمة عنفوانها، وكانت عين ''فلاديمير لينين'' مركزة على أميركا بكل إمكانياتها الاقتصادية الهائلة، حيث كان يعتبرها أرضاً بكراً موعودة، وخاصرة رخوة للرأسمالية يمكن اختراقها، واتخاذها منصة إطلاق لاندلاع الثورة البروليتارية على صعيد كوني· أسماء متغيرة وعمل سري منذ سنوات العشرينيات الأولى أرغمت المداهمات والمطاردات والدعاوى الكيدية ''الرفاق'' الثوار في بلاد ''العم سام''، على تبني العمل الحزبي السري، كما عملوا طيلة العقود اللاحقة وفق تكتيك ''ثوري'' معروف، هو تغيير اسم الحزب رأساً على عقب من حين لآخر، للتخفف من أي تبعات قانونية تترتب عليه· ومنذ سنة 1930 أسس الحزب الشيوعي فرعاً له في صفوف الأميركيين السود، وقد اشتهر من أعضاء الحزب في صفوفهم الكاتب ''ريتشارد رايت'' (1908 - 0691(، ودخل الحزب بعدها رأساً في مواجهة مع الرئيس روزفلت بعد انتخابه سنة ·1932 ثم صدر ''قانون سميث'' و''تشريع أليان'' لمكافحة كل أشكال الشيوعية والنازية· وتحت يافطة هذين القانونين حوكم معظم رموز الحزب وسجنوا واضطهدوا على نطاق واسع· وكان أعضاء الحزب العاملون يومها 12 ألف ''رفيق'' فقط· كما عرفت عن الشيوعيين الأميركيين أيضاً، في الفترة 36-،1939 مشاركتهم القوية بالمتطوعين ضمن ''كتائب لنكولن'' الثورية إلى جانب ''الثوار'' الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية شأنهم في ذلك شأن بقية الحركات الشيوعية العالمية الأخرى· ثقافة ''كاتم الصوت'' مع اندلاع الحرب الباردة دخلت أميركا حرباً مفتوحة أخرى مع حزبها الشيوعي، وتولى السيناتور سيئ الصيت ''جوزيف مكارثي'' تنظيم حملة مطاردة للشيوعيين شملت أيضاً أطيافاً واسعة من اليسار، قبل أن تتحول حملة ''المكارثية'' تلك إلى نوع من محاكم التفتيش على النوايا والأفكار، وبأساليب لم تبتعد كثيراً عما يتهم به الشيوعيون أنفسهم من تبنٍّ لثقافة ''كاتم الصوت'' والإرهاب، وعلى نحو هدد الحريات المدنية في أميركا عموماً· وفي سنة 1956 عصفت بالحزب الشيوعي الأميركي أزمات داخلية أخرى أدت إلى تصدعات جديدة في صفوفه، وخسر صحيفته ''ديلي وركر''، التي ظلت تصدر منذ ،1924 وأدمن مكتب التحقيقات الفيدرالي ''إف بي آي'' على اختراقه، وأذاع ذلك مرات عديدة، وبشكل استعراضي في محاكمات علنية· وفي تلك الفترة تولى زعامة الحزب ''جيز هال''، الذي طالما اتهم بموالاة ستالين وبالتعامل مع ''الكي جي بي''، وقيل الآن إن وثائق سوفييتية رُفعت عنها السرية مؤخراً أثبتت ''تقاضيه'' ملايين الدولارات من ''الرفاق'' في موسكو· قضية ''العم سام ويب''! أما الآن، في سنة ،2007 فعدد أعضاء الحزب حسب مصادره يصل إلى 20 ألف ''رفيق''، إضافة إلى 3 آلاف ''مناضل'' في صفوف ''رابطة الشبيبة الشيوعية''· ويتزعم الحزب الشيوعي الأميركي اليوم سياسي من جيل آخر هو ''سام ويب'' الذي انتخب زعيماً لأول مرة سنة ،1998 وأعيد انتخابه في الدورة السابعة والعشرين لعمومية الحزب بويسكونسن ،2001 وفي الدورة الثامنة والعشرين في شيكاغو ·2005 و''الرفيق سام'' من مواليد ولاية ''مين'' الأميركية، وإن كانت التزاماته ''الثورية'' جعلته يقيم الآن في نيويورك بصفة دائمة· وهو حاصل على ماجستير في الاقتصاد من جامعة ''كونكتيكت''· وكانت وسائل الإعلام الأميركية قد أبرزت مساندته القوية لمرشح الحزب ''الديمقراطي'' في انتخابات ،2004 ومناهضته القوية للرئيس جورج بوش· ولم يكن موقفه هذا نابعاً من رضاء أيديولوجي عن المرشح ''الديمقراطي'' طبعاً، وإنما كان نوعاً من تجرع أخف الضررين· كما أن دراسته ''تأملات في الاشتراكية'' التي قدمت لمنتدى اليسار بنيويورك ،2005 أثارت نقاشاً واسعاً، في الصحافة وفي الشارع الأميركي العام· ولأن ثقافة المكارثية و''الرعب الأحمر'' انتهيا منذ زمن بعيد فإن ''الرفيق سام ويب'' يمارس اليوم نشاطه ''الثوري''، بكل حرية، ليس فقط داخل أميركا، وإنما خارجها أيضاً، حيث كانت له سفرات ''ثورية'' عديدة قادته إلى بريطانيا والصين وفيتنام وكوبا، كما شارك بنشاط في المنتدى الشيوعي العالمي في أثينا، باليونان· وفي جولته ''الثورية'' الأخيرة التي قادته إلى الصين وفيتنام قبل أشهر، أشاد ''سام ويب'' في هانوي خاصة بمسار عملية البناء ''التقدمي'' التي يقودها الحزب الشيوعي الفيتنامي، لصالح طبقة الشعب العاملة· وشدَّ ''سام'' بحرارة، أمام عدسات المصورين، على كلتا يدي الزعيم الشيوعي الفيتنامي ''نونج دوك مانه'' لدى استقبال هذا الأخير له وللوفد الحزبي المرافق يوم 11 ديسمبر العام الماضي، وكانت لحظة لقاء نادرة بين ''رفيقين'' ثوريين، ليس لديهما اليوم ما يخفيانه· شافيز و''الحديقة الثورية''! اليوم بعدما تمددت ''الثورة'' الشافيزية في أماكن عديدة من القارة الأميركية اللاتينية، وظهر مريدون كثيرون لها ضمن زعماء اليسار الجديد في القارة التي طالما اعتبرها الأميركيون بمثابة ''حديقة خلفية'' لهم، ونظراً إلى نجاحات الصين الاقتصادية، واتساع قاعدة أنصار اليسار الأميركي على مختلف تشكيلاته من ''اليسار'' المخفف الليبرالي في أوساط الحزب ''الديمقراطي''، إلى ''اليسار'' الفكري والفني كشومسكي ومايكل مور، بعد كل ذلك، وبعد كل هذه المياه التي جرت تحت الجسر، منذ أيام كلينتون ألا يحق لـ''سام ويب'' و''الرفاق'' الحلم بقرب تحقق ''أميركتهم'' الحمراء، الماركسية- اللينينية التي يرفرف عليها علم أحمر بمنجل ومطرقة؟ ألا يمكن أن تتبادل بكين وواشنطن الأدوار، فتصبح الصين دولة تنتهج اقتصاد السوق وتتبنى ليبرالية الأمر الواقع، في حين يصل زعيم الحزب الشيوعي الأميركي، بهذه الطريقة أو تلك، إلى جنبات البيت الأبيض؟ لماذا لا؟ من يدري؟·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©