الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هل يتزوج التنين من مارلين مونرو؟

27 مايو 2007 02:05
بكين - خاص: هل تحلّ المشكلة، بعالم نصف أميركي ونصف صيني؟ ''هنري كيسنجر'' عندما كان في الصين - للمرة الثانية - في إبريل الماضي - وبعدما ''اخترقها'' عام 1971 بدبلوماسية البنيج بونج -، تحدث بصراحة، أمام أكاديمية العلوم، عن حتمية الصراع ما دام مركز الجاذبية يتحرّك، ولكن ليعرض بديلاً عن الحرب: التعاون·· كلمة فضفاضة وغامضة· وحديث عن صراع مستقبلي حول سيبيريا التي هي صندوق القرن· بصورة ما يشير إلى الزواج الاستراتيجي بين أميركا والصين، فيما كان للفرنسي ''اريك رولو'' أن يقول: ''كما لو أنك تقول إن التنين تزوّج من··· مارلين مونرو''· ''هنري كيسنجر'' ثانية في الصين· الدنيا تغّيرت كثيراً، ولم يعد ''ماو تسي تونج'' بزهراته المائة التي تتفتح أكثر من صورة شائخة بل وبالية، على بوابة المدينة المحرّمة· الآن ملصقات لـ''مادونا'' تباع في أسواق شنغهاي، وناطحات سحاب تتلألأ فيها الأضواء الرأسمالية· ولم تعد زجاجة الكوكا تثير الذهول· يقول ''توماس فريدمان'' ضاحكاً: ''الشيوعية بالكعب العالي''! الآن، وأمام الأكاديمية الصينية وبعد أكثر من ثلث قرن يعتذر ''كيسنجر'' لأنه وصف الصين بالظاهرة الغامضة، ليس فقط لأنها جمعت بين بوذا وكونفوشيوس وماركس في غرفة واحدة، وإنما لأن أحداً لا يستطيع أن يعرف ما وراء تلك الوجوه الصينية التي أراد لها ''ماو'' أن تتشابه· وزير الخارجية الأسبق هو الذي أطلق دبلوماسية ''البينغ بونج'' التي حملت الرئيس ''ريتشارد نيكسون'' على زيارة بكين في الأسبوع الأخير من شهر فبراير ·1972 رئيس أميريكي في الصين!! على نحو ساخر جداً علق الفرنسي ''اريك رولو'': ''كما لو أنك تقول أن التنين تزوّج من··· مارلين مونرو''· الآن يطرح ''كيسنجر'' هذه المعادلة: إما الزواج الاستراتيجي بين أميركا والصين أو الحرب! دبلوماسية الاختراق يا للغرابة حين يستخدم ''كيسنجر'' مصطلحاً ماركسياً هو ''الجدلية'' ليقول إن جدلية المستقبل توصل إلى أحد هذين الخيارين، من زمان ألمح إلى هذا، وقيل انه هو مَن حرّض الصينيين على السوفييت فأصبحت الشيوعية شيوعيتين وتتقاتلان· لكن أهم ما حققته زيارة الرئيس ''نيكسون'' إنها مهّدت لإنهاء الحرب في فيتنام· حدث الذي حدث، وعيّن ''جورج بوش'' الذي أصبح، في ما بعد، رئيساً للولايات المتحدة، أول سفير أميريكي في بكين· دبلوماسية الاختراق· الرجل الذي وُصف بأنه ''ميترنيخ'' القرن العشرين ''تواضع'' وقال أن ''ميترنيخ'' هو ''كيسنجر'' القرن التاسع عشر، علماً بأنه وضع أطروحة الدكتوراه حول مستشار النمسا الشهير ونجم مؤتمر فيينا (1815) الذي أعاد هيكلة العلاقات داخل القارة العجوز بعد انتهاء الحقبة البونابرتية في معركة ''واترلو'' بين الإمبراطور الفرنسي والقائد الانجليزي الدوق ''اوف ولنجتون''· أكثر براعة من أن يقول مثل ''جيمس بيكر''، وأمام الملأ، إن قوّتنا محدودة· أي إمبراطورية في التاريخ تقول هذا؟ يعتبر أنه لا بد من التعاون مع الصين التي باتت هاجس الكثيرين من خبراء المستقبل في الولايات المتحدة· إذاً، كيف يمكن، وبواسطة ''الدبابيس الديبلوماسية'' اختراق التنين مرة أخرى؟ هذا عندما لا يعود منطق القطب الواحد بمثابة تابو يحكم العقل الأميريكي، يكاد يقول بـ''أن نصنع القطب الآخر بأيدينا''· العالم يستنزفنا ''كيسنجر'' المثقف جداً، والذي يجمع في شخصيته تناقضات لا يمكن تصوّرها، بات مقتنعاً بأنّ ''العالم يستنزف أميركا''· صحيح أنه مع ثورة الاتصالات، ومع وجود قاذفات القنابل التي تتجاوز سرعتها بكثير سرعة الصوت (وربما لامست غداً سرعة الضوء مع الحديث عن التكنولوجيا الإشعاعية)، تقلصت كثيراً المساحة الكلاسيكية للكرة الأرضية، ولكن بالتأكيد البشرية أضحت أكثر تعقيداً ''كما لو أننا أمام العودة إلى ثقافة القبائل''· هذا بمثابة تمرّد على القوى الكبرى· لكن الأميركيين كرجال أعمال أكثر ذكاء بكثير من الجنرالات· يكاد ''كيسنجر'' يقول: ''لنقرر مَن يحكم أميركا''· السلع، الأزياء، الفنون، الأفكار الأميريكية موجودة في كل مكان· لم تعد الأخبار تصل عبر البغال، أو عبر البواخر، أو عبر القطارات· يظهر الرئيس ''جورج دبليو بوش'' في حديقة البيت الأبيض فتشاهده القبائل في الأمازون وفي ''دارفور'' في آن معاً· لكل وجهة نظره· وزير الخارجية الأسبق يحذر من أن ''نقلد ماو تسي تونج الذي إذ فرض ازياء موحّدة، وكئيبة، على نحو مليار صيني، فإننا نحاول أن نصنع من خمسة مليارات إنسان نسخاً أميركية''· احتلال أميركا ''كيسنجر'' يبدو معنياً كثيراً بالصين· لا يتعاطى بسخرية مع سؤال المستقبلي ''آلفن توفلر'': ''هل يفكر الصينيون باحتلال أميركا؟''· هذا بعدما ذكّر بأن فلكيين صينيين هما ''هو'' و''هسي'' عَبَرَا المضيق الذي عُرف في ما بعد باسم ''مضيق بيرنج'' في عام 2640 قبل الميلاد وحطا رحالهما في الأراضي التي أصبحت اليوم أميركا· القبائل ظنت أنهما من كوكب آخر وألقت القبض عليهما· عدد سكان الصين يقترب الآن من المليار ونصف رغم كل خطط الحدّ من النسل، فديناميات النمو مثيرة على المستوى الإنتاجي، ولكن لا تزال هناك ثغرات هائلة على مستوى التطوير السوسيولوجي الشامل· هل فعلاً إنهم يفكرون بسيبيريا التي هي ''صندوق القرن الحادي والعشرين''· وعندما يصبحون هناك كم هي المسافة التي تفصل أحفاد الفلكيين عن مضيق ''بيرنج'' وبالتالي عن ولاية ''آلاسكا'' التي كانت روسية أساساً قبل أن يبيعها القيصر ''اسكندر الثاني''، الذي أرهقته حرب القرم، إلى الرئيس الأميركي ''اندرو جونسون'' في عام 1867 بـ7,2 ملايين دولار ذهبي·· البديل عن الحرب الصينيون يفكرون بـ''شراء'' سيبيريا التي تتجاوز مساحتها الـ12 مليون كيلومتر مربع· الروس لديهم ما يكفي من الأراضي حتى أنهم، وفي العشرينات من القرن الماضي ومع مواجهة الثورة البلشفية وأزمة الطحين، عرضوا على اليابانيين شراء جزيرة ساخالين، ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة عند الحدود الشرقية للبلاد· اليابانيون رفضوا لأن الثمن كان مليارين، أي نص الموازنة السنوية للأرخبيل، اما البلاشفة فقداكتفوا ببيع ارشيف القياصرة للرئيس الأميركي ''هربرت كلارك هوفر''· الصين تصعد· قال ''كيسنجر'' هذا في بكين· وحين يتحرّك مركز الجاذبية لا بد أن يندلع الصراع، هذه مسألة حتمية· ألا يبدو الرجل منظراً شيوعياً أو ماركسياً هنا؟ ما العمل؟ ببساطة يقول بالبديل: التعاون· هذه كلمة تقليدية جداً وأقل من أن تحلّ مشكلة كامنة في بطن القرن الحالي·· ربما يرى ''كيسنجر'' العودة إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية: عالم نصفه أميركي ونصفه الآخر صيني· ولكن أي أيديولوجيا تحكم أميركا وأي أيديولوجيا تحكم الصين· الفقراء والمحطمون، هم الذين يوقظون الايديولوجيا، أو يعيدون تصنيعها على مزاجهم ظناً منهم أن هذا يؤمن لهم مكاناً لائقاً في عالم يعيش عملياً نوعاً آخر من الصراع: المداخن ضد المداخن·· الصينيون الذين كانوا أوّل من اكتشف أميركا عاملوا ''كيسنجر'' كما لو كان أول أميركي اكتشف الصين! ''أورينت برس''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©