الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المفكر حسن حنفي: ورثنا ثقافة "سي السيد".. ففشلنا "ديموقراطياً"

28 مايو 2007 00:31
الجزائر ـ انشراح سعدي: في حوارنا معه، وقف المفكر حسن حنفي على مجموعة من القضايا الثقافية والفكرية الشائكة، بدءاً بالفكر الخلدوني وصولاً إلى الصمت العربي في وقت العجز وامتهان الكرامة والتضحية بالشعوب، مثلما تحدث عن جوهر التعاون الذي يجب أن تكون عليه الدولة الإسلامية التي يفترض أن تكفل المصالح العامة لجميع القاطنين فيها بصرف النظر عن أصولهم العرقية والطائفية واللغوية والثقافية، مثلما تحدث عن الدعاة وسبل إقناع الغرب بالدين الإسلامي في زمن يتنافى فيه فعل المسلم مع مبدئه، وفي زمن انتشار الطرق الصوفية التي تلهي الناس عن الدين الشعائري الرسمي، وعن الديمقراطية في الوطن العربية ومصير الإسلام في ظل انتشار القيم الغربية، ومواضيع أخرى·· معنا المفكر حسن حنفي في هذا الحوار· ؟ بدايةً أودُ أن يكون سؤالي مرتبطاً بحضوركم إلى الجزائر للمشاركة في الملتقى الدولي حول ابن خلدون - في الذكرى المئوية السادسة لوفاته - وأقول اختلفت قراءات الفكر الخلدوني عبر العصور، وفي كل مرة يعاد إنتاج النص الأصلي حسب الأدوات المستعملة في العملية ''عملية القراءة'' بغرض تعبيد الطريق لفهم هذا الفكر، فإلى أي حد تمكنوا من ذلك؟· ؟؟ هذا بطبيعة الأحوال، إن النص صامت لا يتكلم بعدما ينتقل مؤلفه إلى الرفيق الأعلى، وبالتالي، كما قال الإمام علي: ''القرآن كتاب مصدور، لا ينطق وإنما ينطق به الرجال''، وبطبيعة الحال كل عصر، وكل جيل يضع أسئلته على النص، ويحاول أن يستجيب منها، فالنص يصبح دالاً كلما استقرأه الناس، النص مقروء وقابل للقراءة، والإنسان المعاصر يقرأ النص من أجل أن يجد إجابات لأسئلته، وربما ليس أسئلة النص، وهذا ما يعرفه أهل الاختصاص في علوم التأويل· أي أن النص فيه مختلف ومتشابه، وأن الأسئلة متجددة وإنما تخرج من المتشابهات، وأن يستطيع القارىء أيضاً أن يراجع المنطلقات النظرية للنص الأول، ويستطيع أن يراجع بعض أحكامه إذا ما تغيرت بعض الظروف· ؟ كيف تقرأ الجغرافية الإسلامية ''الإسلام في العالم'' في الوقت الحالي؟· ؟؟ هناك بعض المسائل الموجودة في كل بلاد المسلمين، وهي قضية ماذا تفعل أمام هذا الاستقطاب الشديد بين الخطاب السلفي والخطاب العلماني؟ والذي يصل بينهما إلى حد الاقتتال - كما حدث في الجزائر مما كلفنا 150 ألف شهيد- لكن في باقي أرجاء العالم الإسلامي التوتر مازال قائماً بين الخطابين، ذلك لأن الدولة ضعيفة، إما دولة قاهرة للداخل وتابعة إلى الخارج· فكل جناح يتصور أنه هو الذي يأتي ليرث الدولة، فالإسلاميون يريدون أن يرثوا الدولة الوطنية الضعيفة، والعلمانيون يريدون أن يرثوا الدولة الوطنية الضعيفة، والدولة تضرب هذا الفريق بذاك الفريق مرة، وذاك الفريق بهذا الفريق مرة أخرى· ولكن ما يعنينا ليس تداول السلطة، فما نحتاجه هو الوئام الوطني، الائتلاف والوطني من أجل الاشتراك في برنامج وطني موحد حتى لو تعددت الأطر الوطنية· العلمانية والإسلام ؟ قلت إن الدين علماني في جوهره·· كيف؟· ؟؟هذا صحيح، ولكن ماذا تعني العلمانية؟؟ العلمانية من العالم، أي الانتباه إلى شؤون العالم، لأن الكنيسة قالت عن الدين هو الانتباه إلى شؤون الآخرة، وفي الإسلام من لم يهتم بشؤون المسلمين فليس منهم، فالإسلام لا يعرف هذه التفرقة بين ما هو ديني وما هو غير ديني، كل شيء ديني، حتى لو وضع الرجل لقمة في فم زوجته ليتحبب إليها، هذا فعل ديني· في قرانا على سبيل المثال نجد المسجد وقد بني من رخام تزينه الأنوار، بينما حولته القاذورات، والمياه الطافحة والأطفال الذين ينامون في الطريق، وهذا لا يرضي الله، فرعاية هؤلاء الناس أولى من بناية المساجد، فلقد جُعلت الأرض مسجداً طهوراً، وبالتالي ماذا تعني العلمانية؟ الإسلام وهو دين العقل ودين العلم، ودين الطبيعة، ودين المجتمع· انظري مثلاً إلى مقاصد الشريعة، كلنا نعرف أركان الإسلام الخمس، لكن الشريعة تقصد المحافظة على الحياة، وعلى الفعل، وعلى الحق، وعلى العزة، والكرامة، وعلى المال والثروة، هذه هي علمانية الدين، حقوق إنسان أم حقوق مجتمع أم حقوق أفراد؟! الإسلام أخذ التجربة من المسيحية واليهودية السابقتين·· المسيحية التي جعلت ملكوت الله ليس في هذا العالم، واليهودية التي جعلت ملكوت الله هو ملكوت الأرض، والإسلام الذي يحاول تحقيق الأمانة التي عجزت عن حملها الجبال والسموات والأرض وحملها الإنسان· وهذا سؤال غربي نحاول أن نجيب عليه بمعطيات إسلامية، فالسؤال أساساً مغلوط ولا يعبر عن بيئتنا، ونحن للأسف نقع في كثير من هذه المشكلات، الدين والدولة، الدين والعلمانية، الدين والتقدم، الدين والعقل، الدين وحقوق الإنسان، كأنهما شيئان نقيضان· ؟ أصبح الدفاع عن الإسلام أمراً صعباً للغاية في زمن التهم المركبة ''إرهاب، عنف، تخلف، طائفية، عرقية، مجاعة···''، ما الطرق التي يجب أن يسلكها الدعاة على كثرتهم للدفاع عن الإسلام؟· ؟؟ هذا صحيح، مهما حاولنا أن ندافع عن الإسلام على أنه دين العقل، ونحن نمارس الخرافة والسحر، ومهما حاولنا إقناع الآخر بأن يعترف بالإسلام، بينما نحن نكفر الناس فيما بيننا ونكفر الآخرين، فلن نقنع أحداً؛ لأن الناس يؤمنون بالعمل والمشاهدة، أما لو تغيرنا من الداخل، وأصبحنا مجتمعاً علمياً عقلانياً يحترم حقوق الإنسان والشعوب، ويقوم بالعلم والتنمية، عندئذ فمهما قيل من شبهات حول الإسلام، فواقع المسلمين سيبطلها· معترك التاريخ ؟ ما معوقات الديمقراطية في الوطن العربي؟· ؟؟ كثيرة جداً، وأنا كتبت في هذا الكثير عن الجذور التاريخية والوجدانية للديمقراطية، أولاً ورثنا ثقافة أطلقت عليها تسمية ثقافة الهرم، اننا تصورنا العالم على أنه هرم، هناك قمة و هناك قاعدة، وهناك درجات كلما صعدت إلى أعلى وصلت إلى مراتب الكمال، وكلما نزلت على الأسفل وصلت إلى القاعدة، ألا نستطيع أن نغير هذا التصور الرأسي للعالم بين الأعلى والأدنى إلى تطور أفقي للعالم بين الأمام والخلف؟!، هنا تبدأ الثقافة الديموقراطية في الوجود، لأن الديمقراطية تقتضي تساوي الناس، والدخول في معترك التاريخ، وليس الصراع حول الخادم والسيد والأعلى والأدنى، كذلك ورثنا ثقافة الفرقة الناجية التي يشكك في صحته ابن حزم، كيف تفترق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي فرقة الحكومة! هذا ضد التعددية، وبالتالي لا أحد يمتلك الحقيقة ولا الفرقة الناجية وكلنا نجتهد· والإسلام أكبر دين يؤيد التعددية والخلافات في الرأي، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، وإلا لماذا خلقنا مختلفين؟ السماء والأرض، الشمس، والنجوم، والفلك، والطير، والسمك، والزهور كلها مختلفة الألوان والألسنة حتى يغني كل منا نفسه بثقافة الآخر· وثانياً فقد ورثنا - للأسف - المجتمع الذي صوره نجيب محفوظ في ''سي السيد وأمينة'' الأخ الأكبر الأب كل يلعب دور سي السيد، وهي قيم لا تساعد على نشأة الديمقراطية، وعدم الخوف من الحاكم المتسلط· ؟ كيف تقرأ الصمت العربي؟· ؟؟ الصمت العربي حدث تاريخي كبير، الحكومات عاجزة، والقوة الخارجية قاهرة، والشعب تعّود على الصمت، نظراً لأنه مرت به نظم قاهرة طويلة في آخر الأعوام الخمسين الماضية، فالشعب سئم نفسه وأصبح أقصى همه الدفاع عن لقمة العيش، أو البحث عن الهجرة إلى الدول الغنية أو الدخول في حركات سرية تحت الأرض، كما يحدث في السعودية وفي مصر لقلب نظام الحكم أساساً، أو الدخول في هموم القلب والموت غماً وكمداً، كما حدث لصلاح جاهين، وصلاح عبد الصبور، وبعض الشعراء وغيرهم· غير أن الحراك قد بدأ في الشارع في مصر والأردن ولبنان، وبدأ الناس يخرجون من هذا الصمت، ويخرجون ليعلنوا رفضهم وينادون برفض الموروثات البالية، ويدعون إلى استقلال القضاء والحرية، لكن بعد 50 عاماً من الصمت لا نستطيع أن نستعيد ذلك بين يوم وليلة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©