الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نوادر زوجتي

نوادر زوجتي
12 ديسمبر 2013 20:31
رجل لا يستحم إلا كل شهرين مرة بشق الأنفس وبعد مشاجرات مع زوجته وضغوط منها وأوصاف يستحقها، وآخر يعشق الثوم والبصل في كل طعام، حتى إن رائحته نفاذة ولا تطاق ولا يمكن الحديث معه عن قرب ولا يمكن النوم معه في غرفة واحدة، رجل تزوج على زوجته الشابة بعد عشِرة بينهما لم تدم اربع سنوات ولم يكن فيها عيب ولا تقصر في حقوقه ولا مهام بيتها، وهذا آخر تركها وحدها في البيت مثل قطعة الأثاث وبعد أن يعود من عمله ينام، ثم يتجه إلى المقهى وفي المساء ينهمك مع جهاز الكمبيوتر حتى الفجر، أما ذاك فهو مثله رغم أنه يقضي كل وقته في البيت ولكن بين الكتب وفي القراءة، ولا يفسح أي مجال لأسرته كي تتنفس وتخرج في نزهة أو زيارة للأهل والأقارب، تلك بعض نماذج مما قرأت وسمعت عن زوجات طلبن خلع أزواجهن بسببها وأجدني متعاطفا معهن ولديهن كل الحق في الانفصال. تعسف النساء أنا واحد من الذين طلبت زوجاتهم الخلع، ولكن لم أكن من هذه النماذج وكانت لي حكاية وحدي تبين تعسف النساء عندما تتاح لهن رخصة، ولنبدأ من حيث عرفتها، فقد تخرجت في كلية التجارة، والتحقت بالعمل مع أبي في شركته المحدودة في مجال الاستيراد والتصدير، وكل أنشطتنا تحتاج إلى التعامل مع شخصيات أجنبية وأسفار كثيرة ومستمرة، وهذا جعلني أجيد العديد من اللغات وأتقنها، وأتحدثها بطلاقة من غير أن اعرف كتابتها، وعشقت هذا العمل لأنني وجدت فيه تنوعا واطلاعا على ثقافات وحضارات وبلدان، فلا يقتصر السفر على العمل وحده وإنما في الغالب أقوم بالتنزه والتجوال بين معالم تلك البلدان. عرفت شخصيات لا عدد لها من مختلف الأجناس ولي صداقات وعلاقات عمل متعددة، ثم افتتح أبي فرعا لشركته هذه في إحدى العواصم الأوروبية وقرر أن أتولى إدارتها والإشراف عليها، وتوسع العمل فيها وكانت أنشطتها ناجحة والعمل بها لا يتوقف، وأكاد اعمل أكثر من ست عشرة ساعة يوميا وقد اضطر للعمل أيضا في يوم الراحة الأسبوعية، ومع هذا كله لا أشعر بالتعب وأجد متعة فيما أقوم به من عمل لأنني أحبه خاصة وأنني حر وبعيد عن روتين الوظائف الحكومية والإدارة البيروقراطية، وأقضي الأشهر المتواصلة ولا أعود إلى بلدي إلا بعد إلحاح أمي التي تؤكد أنها تشتاق لي وغير قادرة على فراقي، ولكن أبي يحاول إقناعها بأنني يجب أن أعرف كل شيء عن الشركة وأنشطتها لأنه سيترك لي كل إدارتها فقد تقدم في العمر وبعد عمر طويل سيترك هذا كله لي فأنا ابنه الوحيد. جاذبية طاغية استضفت مجموعة من رجال الأعمال الذين أتعامل معهم ومن جنسيات متعددة، ودعوتهم لزيارة بلدي ومعرفة معالمها وحضارتها وطبيعتها، كنوع من تبادل الزيارات التي تتم بيننا في إطار العمل وكنوع من المجاملات، ولكي تؤتي الزيارة ثمارها وتتم بطريقة لائقة ومشرفة اتفقت مع شركة سياحية لتضع لهم برنامجا موسعا وتقوم بحجز الفنادق وتنظم التنقلات وقد تم استطلاع آرائهم أيضا في الأماكن التي كانوا يريدون زيارتها ومعرفتها، ووجدتها فرصة لي أيضاً أن أكون معهم. في المطار كانت سيارة الشركة السياحية متوقفة ومستعدة لاستقبالهم وأنا بسيارتي الخاصة وسائقي، في سيارة السياحة سائق ومسؤول عن النظام والإجراءات ومترجمة قدمت لي نفسها من باب التعارف وقدمت لها نفسي، كانت فتاة شرقية الطباع غربية الملامح حتى من يراها يعتقد مباشرة بلا شك أنها من بلاد الفرنجة بشعرها الأصفر ووجها الأشقر، وبها جاذبية تختلف عن فتيات الغرب، وبالطبع كذلك تملك من خفة الدم والروح ما يجذب الانتباه ويلفت النظر، وقد استرحت لها من أول لحظة، وظللنا نتحدث لمدة ساعة أو يزيد عن أشياء وموضوعات عامة وعن عملي مرة وعن عملها مرة أخرى، حتى وصل الفوج الذي ننتظره وبدأنا رحلتنا. شيء يدعو إلى الفخر أن أجد فتاة من بنات بلدي تتحدث ما يزيد على ست لغات، ولحسن الحظ كنت أعرفها جميعا وأجيدها وأشاركها الحديث مع كل واحد من ضيوفنا ونحن نتحدث بلغته، وليس هذا فقط بل إن ثقافتها التاريخية ومعارفها عن الحضارات والمعالم تؤكد أنها خبيرة في عملها، ورغم أنني تعاملت مع معظم الجنسيات على الكرة الأرضية فإنني لم أصادف فتاة مثلها، وقد نالت إعجاب ضيوفي ولا أبالغ إذا قلت أنني كنت منبهرا بها، حتى أننا لا نتوقف عن الكلام في أي شيء، واعترف أنني تعلمت منها الكثير، وقد اكتشفت أنني كنت جاهلا بحضارة وتاريخ بلادي قبل أن أقابلها واعترفت لها بذلك، أحيانا أجدني أكثر من يسألها من أجل المزيد من المعرفة والمدهش أن لديها بديهة حاضرة ومعلومات غزيرة، فترد وكأنها كانت تنتظر أو تتوقع السؤال. أسبوع مميز أسبوع كامل كان كافيا للتعارف بيننا والتقارب الشديد، لم يخف على كلينا الإعجاب المتبادل ولا الارتباط الروحي، وهذا لا يحتاج إلى كلمات ولا إلى لغات للتعبير عنه، فتكفي نظرة أو ابتسامة أو إيماءة أو اتفاق في وجهة نظر، وكان هذا كله موجودا، ورغم ذلك وجدت أن تلك فرصة ثمينة يجب ألا أضيعها ولا بد أن استغلها، صحيح أنني لم اكن افكر جديا في الزواج رغم إلحاح أمي الشديد والمتواصل، فأنا في السابعة والعشرين من عمري، كنت أود ألا أتعجل في اتخاذ هذا القرار وليس الأمر ماديا بالطبع، ولكن وجدت نفسي الآن أمام الاختيار المناسب، وبلا مقدمات طويلة دخلت في الموضوع مباشرة وعبرت لها عما يدور بداخلي وإعجابي بشخصيتها ورغبتي في التقدم لها والارتباط بعد المزيد من التعارف، ووجدت منها قبولا ومشاعر بالمثل. كان أجمل أسبوع قضيته في حياتي كلها بلا مبالغة، بالفعل صدفة خير من ألف ميعاد، التقينا بعد ذلك عدة مرات لمزيد من التعارف الشخصي المباشر والحديث طبعا عن الأسرتين والظروف العامة ومستقبل حياتنا، فهي من أسرة متوسطة تخرجت في كلية اللغات والترجمة وتجيد كما قلت عدة لغات وتعمل في هذه الشركة السياحية ولديها اعتزاز بنفسها ولها ثلاثة أخوة وأخوات، صحيح أن هناك فرقا كبيرا بيننا في الناحية المالية ولكن هذا لا اعتبار له فالتفاهم اكبر من ذلك بكثير وأنا لا ابحث عن فتاة ثرية وإنما عمن أتوافق معها واستريح لها، وللحقيقة فإن أسرتها أيضا مريحة وليس لنا عليهم أي ملاحظات، وتم إعلان الخطبة رسميا، وعدت إلى بلدي لأعمل مرة أخرى في المكتب الرئيسي للشركة، لكن أسفاري لاتزال مستمرة. أبي يقيم في فيلا صغيرة من طابقين، يقيم هو وأمي في الطابق الأول وخصص لي الطابق الثاني الذي كان شبه مستقل لأتزوج فيه، ورحبت خطيبتي وأسرتها خاصة وان أبي وأمي من الشخصيات الهادئة التي لا مطالب لها وسيكون لإقامتنا معا عدة فوائد، واخترت أنا وخطيبتي الأثاث المناسب بعد الاستعانة بمهندس ديكور متخصص، وانتهينا من تجهيز عشنا السعيد الهادئ، واحتفلنا بحفل عرسنا الذي كان أسطوريا وحضره كبار رجال الأعمال، وقضينا شهر العسل في رحلة بين العديد من العواصم والبلدان كأننا نسافر ونتعرف على المطارات والطائرات والرحلات لأول مرة تغمرنا السعادة ونرفرف مثل العصافير. تفضيل «الأجنبية» عدنا إلى حياتنا الطبيعية وأعمالنا، ورغم الانشغالات الكبيرة كنا نحرص دائما على اللقاء على الغداء الذي يجمعنا أنا وزوجتي وأبي وأمي وإن كان متأخرا إلى السادسة أو السابعة مساء تقريبا، ولا يعكر صفو حياتنا أي شيء، ولكن معظم النار من مستصغر الشرر، فقد اعتادت زوجتي بحكم تعليمها وعملها أيضاً على الحديث باللغات الأجنبية مع الجميع وهذا ليس جديدا عليّ ولا أستغربه ولا أجد فيه غضاضة خاصة وان معظم من تتعامل معهم بالألسنة وهذا أمر طبيعي، ولكن ما هو مستغرب أنها تريد أن تتحدث معي ومع أبي وأمي ونحن في البيت بنفس الأسلوب وبلغة أو لغات أجنبية، ثم تريدني أن اكلمها دائما كذلك ولا نتعامل بلغتنا وعلى طبيعتنا. أمي سيدة نصف متعلمة ولا تعرف أي لغة أجنبية، ومن الطبيعي أن نتحدث بلغتنا حتى لو كنا نجيد كل لغات العالم، لكن زوجتي تصر على ذلك ولا تتعامل إلا بالألسنة الغريبة، صحيح أنا اتقنها ولكن لكل مقام مقال فليس معقولا أن «نرطن» ونتحدث بلغات الآخرين ونحن في بيوتنا، ولم يجد النصح نفعا مع زوجتي ولم تتراجع عما هي فيه، ورغم أن تعاملها يثير استياء أبي وأمي فقد حرصا على استقرار حياتي الزوجية ولم يتدخلا ولم يعلقا ولكني أقرأ ذلك واضحا في عيونهما وحذرت زوجتي كثيراً مراراً وتكراراً، وإلى هنا قد يكون الأمر مقبولا بعض الشيء فهي حرة تتحدث كما تريد، ولكنها أصرت على أن أتحدث معها بطريقتها، وتجاوزت إلى ما هو أبعد من ذلك بأن يقتصر حديثنا معا على اللغات الأجنبية وهي تعرف أنني أجيدها بالفعل، لكن من حيث المبدأ والأصول رفضت بشدة. وحتى لا نجعل من هذا الأمر التافه مشكلة، قررت أن أتجاهلها عندما تتحدث بأي لغة غير العربية، فمهما حدث لا أرد عليها كأنني لا أسمع، ما جعلها تستشيط غضباً وتنفجر وتعود إلى الكلام باللغة العربية، ونجحت خطتي في ظاهرها، لكنها فشلت في حقيقتها، فقد فوجئت بأن زوجتي المصون قد توجهت إلى المحكمة تطلب الخلع لأنني لا أتحدث معها على طريقتها الفجة، متعللة بأن ذلك قد يؤثر على عملها ومستقبلها، وأتساءل هل هذا يجيز لها الخلع، وهل أتساوى مع تلك النماذج التي بدأت بها كلامي؟ لا أدري فقد اختلط الحابل بالنابل ولم نعد نعرف في هذا الزمان الخطأ من الصواب! نورا محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©