الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عزلة أخرى أكثر عمقاً

عزلة أخرى أكثر عمقاً
24 ديسمبر 2014 20:45
إعداد - جهاد هديب يعتبر كارلوس ليسكانو صاحب (عربة المجانين) و(قصر الطاغية ) و(الكاتب والآخر) من أشهر كتاب الرواية في الأوروغواي، كان عسكرياً وعضواً في حركة التوبمارو، وهي حركة تحرر ثورية يسارية اعتمدت النضال العسكري وحرب العصابات لتحقيق أهدافها، ويعود اسمها إلى توباك أرمو، الهندي الذي قاد واحدة من أهم الثورات ضد الإسبان عام 1780م في مملكة البيرو سابقاً. بدأ الكتابة بعد أن أمض ى ثماني سنوات في السجن. ويقول في هذا الإطار: «كنت في عزلة شديدة، لم يكن هناك لا نور ولا ماء. لا شيء للكتابة ولم أكن أحدث أحداً فقررت كتابة رواية ذهنية وكان ذلك هذيانا، لكنه كان أيضاً سبيلي إلى الهرب من الجو المضني للمعتقل، بعد أشهر عدة عندما تمكنت من الحصول على أوراق وقلم كتبت فعلاً رواية. ثم اعتبرت نفسي أديبا! رغم أني لم أبح بالأمر إلا أن ذلك ساعدني في تمضية سنوات الأسر الخمس التي تَلتْ. عندما خرجت من السجن أردت أن أصبح كاتباً ولم أكن أرغب في شيء آخر». تولد الكتابة من رحم الصراع مع الحياة والموت، وتتموضع في الحدّ بين الضرورة والحرية. ***الإبداع ولادة؛ عملية انفصال موجعة تسمح برؤية الذات من زاوية أخرى، وإدماج لأصوات أخرى، إنه اكتشاف وابتكار شاقّ لأنه يتطلب وعيا حادّا بالذات، وتقييما للأفعال الشخصية يصل إلى حدّ الهوس، وعن هذه البصيرة الحادّة تنتج فلسفة المؤقت والعابر. ***حين تضيع طريدة التأمل، لا يقود التأمل إلى أي مكان، لذا يجب هدم كل شيء عبر السخرية. ***الكتابة هي الآتي: أن تمضي دون أن تعرف إلى أين ستصل. دون أن تعرف حتى إن كنت ستصل إلى أي مكان. ***أرغب في أن أعيش هناك. ليست القضية أن مكانا أفضل من مكان آخر، لا فرق، فأنت تجرجر نفسك في كل مكان حاملا دوما البؤس ذاته. ما كنت أريده، مثل الحيوان، أن أعود إلى الروائح المألوفة؛ إلى الأماكن التي تتعرف إليها الذاكرة دون أن يكون عليك التفكير بها؛ إلى الأحاديث التي لا تحتاج مرجعياتها إلى شرح. ***الكتابة هي أن تبقى موثقا إلى وتد في قلب الصحراء وأن تعيش قلقا لا حدود له. أودّ لو أرجع إلى الاندفاعة الأولى نحو الكتابة؛ إلى عشية اليوم الذي باشرت فيه الكتابة للمرة الأولى بنيّة أدبية. أودّ لو أهدم كل شيء. ودّ لو أعثر على ذلك الذي كنته. ***شعوري بالغربة جوهري بالنسبة لي، بل وحقيقي، وهو ذو صلة بمهنة الكتابة التي هي شيء مبتكر أكثر مما هو مكتسب. ***كل عبارة هي أشـبه بطلقة. أودّ لو أن بعض عبارات هذا الكتاب، أو بعضها على الأقلّ، تأتي مثل طلقة، مثل طـرقة على الطاولـة؛ لأن هذا ما لم أعـد أعثر عليه في اللحظة الراهنة. ***كل كاتب ابتكار. ثمة فردٌ هو واحد، وذات يوم يبتكر كاتبا ويصبح خادما له. ***لا يحدث الابتكار دفعة واحدة، ولا ينتهي أبدا. فثمة مراحل، إذ يجب العثور على صوت يروي، وتحديد ما نريد الكتابة عنه ،ما لا نريد الكتابة عنه. يجب أن نختار مَنْ يؤثرون فينا، أساتذتنا، وأن نكون مخلصين له؛ كي نحاكيهم ونتميز عنهم. ***أن تكتب يعني أنْ تبحث عمّا لن تجده أبدا. أن تعيش الحياة أمر يستحق العناء دائما، أو يكاد. ***المعرفة هي العقاب الأكبر، يودّ العقل أن يفهم فينتهي به المطاف إلى أنْ يعرف فقط. ***إن الحياة دَنِسة. والبحث عن الطهر أمر لا أخلاقي، لكن شعلة المراهقة متوهجة على الدوام. الطهر هدف، يكمن الطهر في التخلّي؛ في التقشف. ***في المستقبل، ثمة احتمالان: إما أن يعد (الإنسان) إلى قوائمه الأربع كما في بداياته، أو يعزم، بلا رجعة، على الاستفادة من رأسه في شيء آخر غير الدقّ به على الجدران. ***«أريد أن أكون كاتباً». إنه قرار، وإيمان، وفعل جذري إلى درجة أن بوسعنا القول، مثل المتدينين، أنّ مجرد امتلاك الإيمان هو شكل من أشكال الخلاص. ***تعلمنا الكتابة الحديث مع النفس. وفي الوقت ذاته، أعرف أنه لا يمكن الفرار من سجن اللغة. غير أن علينا عند الكتابة أن نسمع همس الكلمات... أعتقد أنّه قد حدث أحيانا أن عدت من هذه الرحلة بشيء ما. وكل ما عدا ذلك لم يكن سوى تأمل في تلك النقطة التي توحّد كل شيء: اللغة. ***إن ما هو جوهري في عملية تحولي إلى كاتب هو العمل السلبي الذي يتمثل في التخلّي. لقد تخليت عن أن أكون شيئا آخر، عن كل ما لا يتصل بكوني كاتبا. الكتابة طريقة للنظر. ***الكتابة تجربة مع اللغة؛ أي مع الذات. والوعي بالكتابة، أو الوعي باللغة، يمنعك من أن تكون مَنْ يجب أنْ تكون إنْ لم تصبّ هذا التأمل على ما يشكل الكائن البشري؛ على الكلام. أنْ تصبح كاتبا يعني أنْ تختار حياةً، وطريقة توجد بها في العالم، وترى من خلالها الأشياء. ***إننا نؤلف كتاباً، لأننا نطمح في أن نصير جزءاً من المكتبة. أو بالأحرى، إن الرواية التي نكتبها تصبو إلى المكتبة. لقد فعلت ذلك، لكنني أشعر بأن ذلك لا يحدد هوية الكاتب. *ثمة أيام تثير فيها القراءة اهتمامي أقلّ من الكتابة، لكنّ القراءة هي المَخرج. يعيش المهاجر حياتين. الأولى بلغة المكان، لغة الأشياء العملية، والعمل، والشارع. والثانية حياة حميمة؛ حياة التأمل والذاكرة التي تجري في لغة طفولته. يأتي لكل كاتب يوم، أو دقيقة، أو ثانية، يقتنع فيها بأنه كاتب. وإنْ لم يجئه هذا الاعتقاد العبثي، فإنه لن ينجح في أن يكون كاتباً. ***الكتابة هي تشييد عزلة لا يمكن اختراقها، ليست تلك العزلة التي تصل إلى القارئ عبر العمل، بل العزلة الأخرى الأكثر عمقا؛ عزلة الحيوان المحكوم بالحوار مع ذاته، بالتفكير وحيداً. المحكوم بالتأرجح بين الاندفاع الطفولي والإحباط المدمّر. كرلوس لوسكانو أحد أبرز أدباء أورغواي المعاصرين. يكتب الرواية والقصة والشعر والمسرح والمقال الصحفي. ترجمت رواياته إلى عدة لغات أوروبية. * مختارات من كتابه «الكاتب والآخر» الصادر عن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة - مشروع كلمة عام 2012، بترجمة عن الإسبانية تحمل توقيع المترجمة الفلسطينية نهى أبو عرقوب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©