الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عند فقدان السلطة..!

25 ديسمبر 2014 03:10
ربما كان صاحب الكرسي الأخضر، القريب من اللون (التركوازي)، مهندساً كهربائياً أو مديراً طاعناً في السن، أو حارسا أمنياً، أو يمكن اعتباره مجازياً مساحة مؤقتة لزوار عابرين، اعتادوا المرور والجلوس ومراقبة فعل المحطة الكهربائية المصغرة، في إحدى قرى جزيرة (فيلكا) الكويتية، ذات البعد التاريخي. اختار فيها الفنان الكويتي محمد شرف فعل الفوتوغرافيا، أمام تأجيجه لمضامين انتمائه لفن الجرافيك، وقدرة العمل الفني على تصوير المشهد الوجودي فيه. إذاً تكفي قصة واحدة عن الكرسي المتموضع في يمين الصورة، لبيان الإنسانية المجردة في تكوين الفضاء الكلي لبيئة المكان، إلا أن ميزة القراءة الفنية تكمن في تعدد تصوراتها وأسئلتها، وجدلية الإجابة، والحقيقة المطلقة. عنصر الكرسي هنا، بالتوازي مع صناديق الإمداد الكهربائي، بين منطق الطاقة والسيطرة والتفاعل الاجتماعي عبر اللغة البصرية ليس ببعيد عن ما يمكن تسميته بـ (الحدس العقلي) للفنان محمد شرف، والذي أشار إليه الباحث ريمون بايير في كتاب (جان بارتليمي) الباحث في علم الجمال، قائلاً: «ذلك لأن الحدس عند الفنان له طبيعة عقلية، وليس هو بالحدس الغريزي»، وهو التجريد الموجه الذي يقوم بإذابة العناصر والمفردات في الفكرة الأساسية للعمل الفني، وانتقالها إلى مجموعة من العلاقات والمساحات التي يقوم على أساسها بناء فوتوغرافيا الصورة. وجاء تصنيف الفنان محمد شرف لمفاهيم عمله الفني كونه يمثل الاستشهاد بعلم الآثار المعاصر. تجليات الذاكرةالذهاب إلى جزيرة (فيلكا) أو كما تقال بالمحلية الكويتية (?يلجا) حُلم رحلة الطفولة، للفنان محمد شرف، يصفها في تعريفه البسيط للوحته الفوتوغرافية، بالمغامرة المتمكنة من تفاصيل ذاكرته، ويقول حولها: «بدأت بإلقاء نظرة فاحصة على المناطق المحيطة، والمناظر الطبيعية والملاعب المهجورة والهندسة المعمارية، مما استدعى البحث في أنماط وانسجام الألوان وأشكال التخطيط في المكان». وهذا التماهي بين فعل الذاكرة والتجليات الفنية، يعيدنا إلى مسألة «تحقيق الوجود الإنساني في التصوير المعاصر»، وهو مبحث تناولته الدكتورة ملك أحمد، موضحةً نتائج عملية توصلت إليها تتمثل في أن كل شيء يوجد على سطح اللوحة أو الصورة في العمل الفني، من أشكال تتصف بالغرابة، هي ليست وليدة مصادفة، وإنما أشكال موجودة في اللاشعور والذاكرة، والتي استجابت لعامل الإثارة، وهيأ لها الفنان المناخ المناسب لتنبثق وتتخذ وجوداً جديداً، حيث أكد حولها الفنان محمد في حديث صحفي سابق، أن أعماله تنتج في معظم الأحيان نتائج ردة فعل لأشياء شاهدها أو سمع عنها. (التركواز).. مدى حضاريهل ستكفينا المعرفة التاريخية بجزيرة (فيلكا)، لمعرفة أسرار الكرسي «التركوازي»، في الصورة الفوتوغرافية، ذلك المذهب اللوني الذي يجمع اللون الأزرق في حضور البحر كمحطة تجارية مهمة في الجزيرة، أسست مداها الحضاري الخاص. واللون الأخضر في مكامن القدرة الزراعية المتكافئة للمنطقة، وبها عُرفت قرية (الصباحية) إحدى أشهر القرى في جزيرة (فيلكا) من قبل أصحاب السفن، عبر كثرة أشجار النخيل، والتي جاء ذكرها في كتاب المؤرخ «أريان» في عام 170 قبل الميلاد، في أن الجزيرة كانت مغطاة بمختلف الأشجار، كونها مرعى للماعز والغزلان التي حرم صيدها لأنها كانت تقدم قرباناً للآلهة في ذلك الوقت. واللافت في المشهد البصري للصورة الفوتوغرافية استمرار الميل الجزئي للكرسي، نحو أفقية الرؤية المركزية للصناديق الكهربائية ذات المحتوى النسبي والمكتظ بالهندسة ذات الشكل المستطيل والمربع، يستوقف المشاهد للبحث عن ديمومة التجسيد لفعل المراقب والمسيطر، وتبرز الأشكال الهندسية للمربع والمستطيل كأيقونات رئيسية، شكلت أنماط عمق الفوتوغرافيا ككل، متجاوزةً مفهوم صندوق الكهرباء كمورد وممر وجسر لإيصال الطاقة إلى ضخامة المخزن الفكري والثقافي والثراء المادي والسياسي والاجتماعي، الذي لم يتأثر رغم كم الأشلاء المتصدية في الموقع، حيث عنون الفنان محمد شرف عمله بـ «فقدان السلطة» أو «السلطة المفقودة»، وهي استدلال نوعي ينتقل به المشاهد لحالات عدة ومنها: مشهد تلك الصناديق وتقريبها لفعل التلفاز والآلة الكاتبة، والشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، مجسداً ذلك الحالة الإعلامية كتصور مُتَخَيّل للمشهد الفوتوغرافي، وفي محور آخر تبرز إمكانية ترجيح فكرة الصندوق الكهربائي إلى غياب منهجية توزيع الثروات، أمام نظامية المحتوى الداخلي لتلك الصناديق الواضحة والمكشوفة والتي يلحظها المشاهد من خلال أبواب الصناديق المفتوحة. آثار سرمديةهناك أنابيب مزودة للكهرباء ممتدة من الأسفل ومرتبطة بالجغرافيا والثروة الطبيعية، وأخرى آتية من الأعلى، وتوحي بالابتكار البشري، في تعزيز المشهدية البصرية لصناعة الطاقة نفسها، والأجدر أنها أقرب إلى فلسفة الروح سواء في مفردة (الأعلى) أو من فوق، أو من خلال تمثيل الإنسان لوجوده في صناعة الطاقة، وتأسيس آليات لاستثمارها. ويبقى التساؤل الأهم حول آثار بعض أنابيب التزويد، التي تم إزالتها من الموقع، ما يكشف عن تجني مقصود في التأثير على بنية الحجم التكويني للطاقة، ومن جهة أخرى، يمكن اعتبارها مسألة مصدرها الطبيعة نفسها، كون جميع تلك الإمدادات الغائبة، التي شهد على اختفائها الطلاء، قادمة من الأسفل. وأما الطلاء فقد سرد قصة سرمدية مع تأثير الماء عليه أو حادث حريق طفيف، مما أدى إلى تغير لونه، مكوناً جدارية تمازجت مع لون الصدى المتجسد في فضاء مكونات الصورة، وتحديداً الجانب الأيسر من العمل الفوتوغرافي، حيث يستشعر المشاهد لشكل خريطة قارة معينة أو جزيرة، إلا أن اليابس فيها يتخذ اللون الرمادي الشفاف، المرجح لمكون الماء، بينما استمد فعل المحيط من لون الطلاء القريب إلى البني أو البني المحمر المتناسل من لون (البيج).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©