الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معايير أم مزاجية!

معايير أم مزاجية!
24 ديسمبر 2014 20:50
بتطور الكتابة الإبداعية في الإمارات، وفق ما فرضته وتفرضه الظروف المتبدلة على الساحة الثقافية بعلاقتها مع الوسط المحيط، المحلي والعربي والعالمي، صار لا بد من انعكاس حقيقي لإبداعات الكتاب والأدباء والشعراء الإماراتيين في المناهج المدرسية والجامعية داخل دولة الإمارات. ليتعرف الطلاب، عن قرب، على التجارب الغنية والكثيرة لمبدعين معاصرين من مجتمعهم، ما يخلق لغة تذوق خاصة تفرز ثقافة راقية لطالما سعى إليها الجميع، وتشجع مستقبلاً على مزيد من الكتابة والتجريب الفني والثقافي. عند مناقشة قضية حضور الأدب المحلي في المناهج المحلية تواجهنا آراء عديدة تكاد تجزم بأن حضوره غير كافٍ وغير فاعل حتماً، ولا يماشي التطور الحقيقي للكتابة المحلية. وتطرح أسئلة كثيرة مثل: من المسؤول؟ ما هي المعايير التي يتم الاختيار وفقها؟ وطبعاً: ما الحل لهذه الإشكالية؟ حاضر ومواكب.. ولكن يرى الدكتور علي عبد القادر الحمادي، مدير قسم المناهج العربية، إدارة المناهج - قطاع التعليم المدرسي في مجلس أبوظبي للتعليم، أنه لا يمكننا الجزم بأن الأدب الإماراتي ليس موجوداً في المنهج الدراسي المحلي بشكل كامل، وقال: «لقد تأملت جميع المناهج المدرسية المحدثة، ووجدت أن كل كتاب يضم قصيدة أو قصة أو مقالا لشاعر أو كاتب إماراتي، أذكر كمثال إبراهيم محمد إبراهيم، صالحة غابش، فاطمة البريكي. لكن هذا الحضور، بالطبع، لا يعتبر كافياً لأن الطالب في مجلس أبوظبي للتعليم ينبغي أن يتعرف على أنواع الأدب العربي والعالمي، من هنا نستقطب كتاباً من هنا وهناك ليدرسهم ويستقي من تجربتهم الإبداعية. نحن لا نريد أن نحوّل الكتاب إلى كتاب إماراتي ينفصل عن الأدب في الوطن العربي والعالم، فالإبداع لا يرتبط بالجنسية، إنما يرتبط بما يمكن أن يقدمه للآخرين». مشيراً إلى أن مناهج اللغة العربية ليست وحدها التي يجري من خلالها تفعيل الأدب الإماراتي، فمواد الدراسات الاجتماعية، التي تقدم اليوم برؤيتها الجديدة، جميع المعارف المتعلقة بالجغرافيا والتاريخ والثقافة والعلوم الإنسانية، تشكل بيئة مناسبة لتعريف الطالب بثقافة مجتمعه وبأدبه، أي تقديم معلومة تاريخية عن طريق ما هو وجداني. ففي كتاب «الثقافات والاحتفالات» ويتضمن نماذج من إيطاليا، مصر، اليابان والإمارات، تمّ استحضار مفهوم «التغرودة» التراثي، باللجوء إلى الشعر الإماراتي. ويضيف: «الأمثلة الموجودة تواكب التطور الحاصل دائماً في أسلوب ونمط الكتابة الإماراتية، فحتى في الشعر الحديث، لجأنا إلى كتاب إماراتيين يكتبون القصيدة الحداثية متجاوزين بذلك الشعر العمودي. نقطة أخرى أود التركيز عليها، تتعلق بتحفيزنا الطالب حول ضرورة الاعتماد على المصادر المعرفية المختلفة خارج إطار المنهج الدراسي، وذلك بعد التأكد من أن محتواها الثقافي مقبول ومناسب، الشيء الذي يجب أن يراعيه كتابنا المحليون، حيث إننا نختار ما يتوافق مع البيئة الإماراتية من كل النواحي. ونحن عندما نتكلم عن المناهج، لا نتكلم عن الكتب المدرسية فقط، بل نتكلّم عن تعلم وبحث، نضيء بشدة على مخرجات التعلّم التي تدفع طلابنا إلى جمع معلومات من مصادر مختلفة». أما عن سؤال من المسؤول عن الاختيار؟ فيجيب الحمادي: «من يختار المناهج للطلاب، هم مجموعة من التربويين والاختصاصيين، لكن كثيراً من هؤلاء ليسوا إماراتيين، وربما يكون اطلاعهم على الأدب الإماراتي قليلاً مما ينعكس على اختياراتهم. ومهمتنا في مجلس أبوظبي للتعليم، تكمن في توفير نصوص ومقترحات لشعراء وأدباء وكتّاب من الإمارات. إلى جانب دورنا في إرشاد المعلمين وتعريفهم بهذا الأدب. وبالمقابل على الأديب الإماراتي أن يخدم في كتاباته مجتمعه، أن يضمّن الرؤى التربوية في أعماله، فضلاً عن تلك الرؤى الاستراتيجية مثل رؤية 2020، ورؤية 2030.. وهنا سيسأل البعض: هل علينا الكتابة وفق قواعد ومحددات؟ ونجيب: الفكرة أن أدباءنا يجب أن يدركوا المهمة التربوية المطلوبة منهم، بما فيه فائدة لبلدهم». وحول ما طالب به كثيرون من ضرورة وجود لجنة وطنية أو هيئة، تساعد في إعداد مقترحات من وحي التطور الحاصل وتختار نصوصاً ذات قيمة أدبية عالية منتقاة من شريحة واسعة، يوضح الحمادي: «نظرياً لا يوجد شيء يمنع وجود لجنة متخصصة تضم الشعراء والأدباء والفنانين التشكيليين وغيرهم من المبدعين، وهو مقترح جيد حقيقةً. لكن لا بد من الإشارة إلى نقطة بغاية الأهمية، وهي أن الأديب إذا كان مبدعاً وناجحاً، سيفرض نفسه شئنا أم أبينا، وليس ضمن النطاق المحلي فقط. على سبيل المثال، نحن حين نبحث عن شاعر يكتب قصائد للأطفال، نذهب مباشرةً إلى الشاعر سليمان العيسى». الكُتّاب أيضاً مقصّرونرغبة منا بلقاء جميع الأطراف، كان لا بد من إلقاء الضوء على وجهة نظر المسؤولين في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ليحدثنا الشاعر والكاتب الإماراتي حبيب الصايغ، وبصفته الوظيفية قائلاً: «كرئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات حالياً، أقول إن بعض النصوص الحالية التي تدرّس في المناهج والكتب المدرسية، تأتي من باب سد الذرائع لا أكثر. حيث أن الكتابة الإماراتية تتطور يوماً بعد يوم، ومن الضروري وجود خطة دراسية تواكب هذه التغيرات في المدارس والجامعات. كذلك يجب أن يمنح الكاتب أو الأديب فيها وقفة خاصة مع رحلته الفنية وإضاءة على تجاربه كلها بطريقة موجزة ومختصرة». ويتابع: «بدورنا نبادر باتفاقيات مع وزارة التربية والتعليم، والآن يجري إعداد لجنة مشتركة لتضمين النصوص. ودائماً نطالب لكن المطالبة وحدها لا تكفي، ونقدم مقترحات وأولويات أدبية ونصية، تواجه نقيضها في بعض الأحيان مع التربويين الذين يقدمون ما يتناسب مع رؤى تربوية وتعليمية محددة. وبالتالي نصل إلى معادلة تحقق هذا التوازن. مثلاً، تراهم يقدمون الشعر التفعيلي في المدارس على استحياء. أيضاً نحن نعلم أن قصيدة النثر تشكل الخيار الإبداعي عند أكثر من نصف شعرائنا، وقد لا يكون معترف بها في التربية. بالمقابل يجب الاطلاع مدرسياً على الإرث الثقافي، وعلى أسماء مثل أحمد بن ماجد الذي لا يعرف عنه الطلاب سوى لقبه «أسد البحار»، وابن ظاهر كمثال للأدب الشعبي». لكن التقصير وبناء على ما يبيّنه، ليس من جانب الوزارة أو الجهات التربوية المتخصصة فقط، بل من جانب الكتّاب أنفسهم، وإن الاتحاد يعي هذه المشكلة ويحاول أن يعمل لحلها. كذلك من الضروري في المناهج الانفتاح على التجربة النقدية، كأن يتم تضمين بعض المناهج والدراسات المتخصصة في الأدب، ما يعني الانفتاح على الحركة الثقافية في المجتمع المحلي. وبالتالي دفع الطالب إلى البحث والتقصي وراء المعلومة التي خرجت أصلاً من قالبها الجامد والمستهلك بهذه الطريقة. كما يقدم الصايغ مثالاً على التعاون الحاصل وآثاره الإيجابية والمباشرة على أرض الواقع، من خلال الحديث عن الطالب حمدان العامري الذي فاز بمسابقة نظمها مجلس أبوظبي للتعليم واتحاد الكتاب، في معرض أبوظبي الدولي للكتاب عام 2013.. ليأتي المعرض في دورته الماضية 2014، وقد شارك حمدان بكتاب فيه كمبدع وكاتب. فالمسألة لا تنحسر فقط ضمن المناهج، يمكن أن يكون ثمة تعاونات فعالة وتجدي نفعاً بصورة كبيرة. تكريس رموز محددةويتجه الكاتب والأديب الإماراتي حارب الظاهري، الرئيس السابق للاتحاد فرع أبوظبي، مباشرة إلى البحث عن حل يرتقي بالأدب المحلي إلى التطلعات المرجوة، على صعيد تضمينه داخل المناهج الدراسية. حيث يقول: «من المفترض وجود لجنة أو هيئة متخصصة مؤلفة من الكتاب والشعراء والأدباء الإماراتيين، ليكون الأدب الإماراتي فاعلاً بحضوره في المناهج المدرسية والجامعية، ولتأخذ بعين الاعتبار تنوع وتغير الشرائح العمرية والفكرية عند الطلاب، وتتناول أيضاً شرائح مختلفة من النمط الإبداعي. فالمشاركة الأدبية في هذه الكتب كانت ولا زالت ضعيفة دون المستوى المأمول به من قبل المبدع الإماراتي. المشاركات قليلة جداً، ولا يمكنها أن تعطي لمحة كافية ووافية عن تطورات الكتابة الإماراتية قديماً وحديثاً، وعن آفاقها المحتملة مستقبلاً بالنظر إلى معطيات الواقع الحالي». ويوضح: «أثناء وجودي في منصب رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، كان ثمة تواصل مع وزارة التربية بخصوص المناهج المدرسية، لكن للأسف لم يكن كافياً بسبب روتين العمل وأسباب أخرى. وليس من المفترض أن يكون السعي من طرف واحد ليس إلا، من الضروري أن تسعى جميع الأطراف لإنجاح هذا التعاون حتى يحقق الغرض المطلوب منه. وكان دائماً ما يتم اختيار رموز ثقافية محددة لتكون كنماذج عن الإبداعات المحلية في الكتب المدرسية. علينا التنويع والخروج من الإطار الذي وضعنا فيه، فثمة تجارب عديدة مهمة يجدر بنا الإضاءة عليها». حضور خجوليبدو أن جذور هذه الإشكالية، تبدأ من المرحلة الابتدائية التي قد تغيب عنا أثناء الحديث، حيث توضح لنا سلسبيلة أحمد سعد، مدرسة اللغة العربية للمرحلة الابتدائية في مدرسة (ABC) الخاصة بأبوظبي، أن الأدب الإماراتي في مناهج هذه المرحلة، لازال حضوره خجولا رغم التغيير الكبير في المناهج نحو إبراز ثقافة دولة الإمارات، فهو متواجد في النصوص القرائية بشكل واضح من خلال الشخصيات ومحاولة ربط النصوص بالبيئة المحلية بالاستناد إلى الحرف التقليدية المحلية، مثل الغوص وصيد اللؤلؤ وغيرها الكثير. ولكن الفرق واضح فعلاً في النصوص الشعرية المخصصة للطلاب، على سبيل المثال فإن بعض ا?ناشيد هي لأدباء عرب أو مرتبطة بواقع عربي غير إماراتي. ومن هنا نرى أهمية إثراء التجربة المنهجية لهذه الفئة العمرية بنصوص وقصائد وأناشيد ترتبط بالثقافة المحلية، مع العلم أنه حتى الجاليات العربية بحكم ولادة أولادهم وعيشهم فيها فترة طويلة واندماجهم في هذا المجتمع بعاداته وتقاليده يمكنهم التفاعل مع هذا التغيير في المناهج. وأعتقد أن منهاج أي بلد يجب أن يركز على أدبه أولا ثم على ا?دب ا?خر بشكل عام، ومن الواجب أن يكون التركيز في البدء على الأدب المرتبط بالبيئة المحيطة بالطالب، لننتقل بعدها في مراحل عمرية متقدمة إلى الأدب العربي والعالمي». في السياق ذاته تبيّن، أن اختيار المنهج يتم وفق خطة معينة وهي التركيز في كل مرحلة على نوع معين من ا?دب ويتضح هذا في المراحل الاعدادية والثانوية أو وفق قيمة معينة أخلاقية مثلا... وتقوم بالمهمة لجنة مختصة في وزارة التربية ومن حوالي 8 سنوات تم تغيير المناهج الابتدائية، وحصلت وقتها مناقشات واعتراضات كثيرة حول وجود بعض النصوص المترجمة من حياة الشعوب في مادة القراءة، وكان رد اللجنة أنها محاولة لتقريب أدب الشعوب ا?خرى من بعضها.. ولكن بعد فترة قامت الوزارة بحذف بعض الفقرات من الدروس التي اعتبرت خارجة عن المألوف في المجتمع العربي، ولاحقاً جاء تعميم بحذفها وعدم تدريسها وهذا دليل على أن اللجنة استمعت ?راء العاملين في الميدان التعليمي. كمدرس لمادة اللغة العربية في ثانوية خليفة بن زايد في أبوظبي، والحاصل على دكتوراه في النقد الأدبي، يرى حسام سفان أن حضور الأدب في المناهج المحلية، قليل بشكل عام وليس فقط الأدب الإماراتي؛ فإذا ما تتبعت النصوص الأدبية التي يدرسها الطالب في الصف الواحد لا تتجاوز قصيدة أو اثنتين على أكثر تقدير في الفصل الواحد، مما يعني أن هناك قصوراً تجاه الأدب ككل فانعكس بالضرورة على انحسار الأدب الإماراتي في المناهج. وبالطبع فإن قلة النصوص الأدبية في منهج اللغة العربية ينمّ عن عدم احترام القائمين بالاختيار للأدب وعدم معرفتهم بدوره في المجتمع وفي بناء الإنسان. كما يشير إلى عدم معرفتهم بالتعامل معه.. وما يؤكد هذه النظرة تلك النصوص الموجودة فهي على قلتها نصوص كلاسيكية عفا الدهر عليها؛ أي انها هي نفسها النصوص التي درسها أولئك القائمون على اختيار نصوص المناهج متجاهلين ان الأدب يتطور بتطور الحياة مما يقود هنا (في أحسن الأحوال) أي في حال هضم الطالب تلك النصوص فإنه سيشبع بنصوص كلاسيكية سيقوم بمحاكاتها، ومن ثم انتاج نصوص أدبية تعود بمسيرة الأدب إلى الوراء؛ وربما هذا أحد الأسباب التي مازالت تمنع الأدب الإماراتي من منافسة أو الموازاة مع الأدب في الكثير من الأقطار العربية الأخرى مع العلم أن الإمارات تحديداً تملك أرقى جوائز الوطن العربي وأسخاها. أبوظبي تقرأ ينظّم مجلس أبوظبي للتعليم حملة «أبوظبي تقرأ» التي تسعى بشكل رئيسي إلى تعرف الطلاب على المبدع الإماراتي، وخلال الحملة تستضيف المدارس الكثير من الكتاب والشعراء، ما يجعل اللقاء بينهم وبين الطالب في الصف الدراسي، لقاء تفاعلياً ومباشراً، مما يحقق أهدافاً تربوية على أكثر من صعيد، لا سيما لجهة أن يجد الطلاب أمثلة حيّة يحتذون بها في مستقبلهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©