الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إشكالية الأدب الإماراتي في المناهج..الحضور الغائب

إشكالية الأدب الإماراتي في المناهج..الحضور الغائب
24 ديسمبر 2014 21:03
يثير طرح موضوع حضور الأدب الإماراتي في المناهج التعليمية الكثير من الأسئلة التي تؤرق المبدعين في شتى المجالات.. ولطالما تساءل كثير منهم عن سرّ النقص الذي يلاحظه المرء في تضمين المناهج نماذج من إبداعات الكتاب الإماراتيين في حقول الشعر والقصة والمسرح والرواية. في هذا التحقيق رؤى تتقارب وتتباعد، وتتفق وتختلف، لكنها في النهاية تضع يدها على جرح في خاصرة المبدع بشكل خاص والثقافة بشكل عام، وعلى بعض النقاط الجوهرية المتعلقة بهذا الموضوع الإشكالي، وتقاربه في حضوره وغيابه، وتقرأ أهمية هذا الحضور وضرورته، وتطرح السبل الكفيلة بالارتقاء به، وتلفت إلى ضرورة أن يكون معبراً عن التطور الذي حققته الكتابة الإبداعية في الإمارات. تقول الدكتورة نجوى محمد الحوسني مساعد العميد لشؤون الطلبة كلية التربية جامعة الإمارات العربية: الأدب الإماراتي موجود في المناهج الدراسية، ولا يخلو مقرر دراسي من ذلك، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر أهم الشعراء والكتاب الإماراتيين الذين تتم دراسة نصوصهم الأدبية في الشعر والنثر بفنونه المتعددة: (القصة، الخاطرة، المقال)، وهم: الدكتورة لطيفة النجار (الصف الثاني والثالث)، أسماء الزرعوني وعارف الخاجة ورهف المبارك وكريم معتوق (الرابع والخامس والسادس)، نجيبة محمد الرفاعي، ناصر الظاهري، حمد خليفة بوشهاب (السابع والتاسع)، مانع سعيد العتيبة (الثامن)، محمد المر، أحمد راشد ثاني، خليفة حمد بوشهاب، فاطمة أحمد الكعبي، د. فاطمة البريكي، ناصر جبران، سعيد حارب، مانع سعيد العتيبة، عبد الرضا السجواني، (العاشر والحادي عشر والثاني عشر)، كما تضمنت المقررات الدراسية أيضًا عددًا من الأدباء الخليجيين، منهم: الشاعر أحمد السقاف، وعلي عبد الله خليفة، وحسن مدن. مضامين تعزز التراث من ناحية ثانية، والكلام للحوسني، اشتملت موضوعات الدروس على مضامين تعزز التراث الإماراتي كالألعاب الشعبية والمهن والحرف اليدوية، وأهم معالم الدولة الطبيعية والعمرانية والثقافية، وإنجازات الآباء ودورهم في قيام الاتحاد، بالإضافة إلى إنجازاتهم على الصعيد المحلي والعربي والعالمي، وفي جميع المجالات. وحول أهمية إغناء المناهج الدراسية بالأدب الإماراتي وكتابه ترى الدكتورة نجوى الحوسني أن «بناء شخصية المتعلم من جميع جوانبها الفكرية والوجدانية والجسدية يتطلب الانطلاق من الثوابت والقيم والمبادئ الإسلامية التي نص عليها دستور الدولة، إذ حظيت اللغة العربية في السياسة التعليمية باهتمام كبير وعناية فائقة، واللغة تعد عاملا من عوامل الانتماء الفكري لدى المتعلمين في جميع المراحل التعليمية، وتجذير الهوية العربية والإسلامية». وتوضح أن أهمية التعرض للأدب «تبدأ من المراحل التعليمية الأولى من رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية الدنيا، ففي هذه المرحلة يحتاج الصغار في معظم ما يتعرضون له من عمليات تعليمية مختلفة إلى مساقات قريبة من ذواتهم وقدراتهم؛ فالدراسات اللغوية، خاصة تؤكد أن الأطفال يميلون إلى تكوين انطباعاتهم عن اللغة ومواقفهم الشخصية تجاهها من خلال اكتشافاتهم وتجاربهم من سياقات التعليم والتعلم. لذا فإن دراسة الأدب الإماراتي بفنونه الشعرية والنثرية، وما يتضمنه من قيم ومبادئ وتوجهات وسيلة هامة؛ ليكتسب المتعلم من خلالها قيم المسؤولية المجتمعية والمواطنة، ولبناء شخصيته وتكوين اتجاهاته التي تنسجم مع رؤية الدولة ورسالتها وسياساتها التعليمية». وتشير د. الحوسني إلى أن «تكثيف القراءات الأدبية في المراحل التعليمية الدنيا له أثر واضح في مقدرة الأطفال على التعبير عن أنفسهم وأفكارهم شفويًّا، فما بالنا إذا كان الأدب مما يتصل ببيئة الطفل وموروثه الثقافي الفكري؟ مما لا شك فيه أن الطفل سيقبل على التعلم بحب وشغف. ومن أقدر على حمل تلك الرسالة غير الشاعر والكاتب والناقد؟». وتلفت النظر إلى نقطة مهمة مفادها: «قد يبدو تعليم الأدب الإماراتي بفنونه القديمة غير مقنع لبعض التربويين نظراً لقصور الأدب الإماراتي في بعض جوانبه في مرحلة البدايات، ولكن عندما تتم دراسة الأدب الإماراتي عبر مراحل تطوره، سيكون المتعلم مدركًا عوامل ذلك التطور ونتائجه على الفرد والمجتمع، ولنأخذ مثالاً فن القصة القصيرة أو الرواية: عندما يتعرف المتعلم على مراحل تطور الرواية أو القصة القصيرة في الإمارات يدرك حجم التطور الذي شهده الأدب الإماراتي؛ مما يدعوه إلى المشاركة في عملية التطور من خلال وعي المقروء والتأمل والنقد». ثروة أدبيةمن جهته، يؤكد د. سيف محمد المحروقي، وكيل جامعة الإمارات للآداب والعلوم الإنسانية، أن تضمين مناهج اللغة العربية للأدب الإماراتي «يعد ذَا أهمية كبيرة؛ حيث يمكّن الطلبة من الاطلاع على النتاج الأدبي الإماراتي عبر مراحله التاريخية منذ النشأة وما أحاطها من ظروف، مرورا بحركة التطور والتجديد التي تأثرت بالاتجاهات الأدبية المختلفة، وكذلك التعرف على أسماء عدد من الأدباء الإماراتيين الذين ساهموا في تكوين المشهد الأدبي في الإمارات فكانت لهم بصمات واضحة وأثر جلي في الرقي بالأدب الإماراتي. ونحن نجد اليوم أن عددا من الدول قد اهتمت بنتاجها الأدبي وجعلته من بين موادها الدراسية في مختلف مراحلها إيمانا منها بأن الأدب المحلي ثروة أدبية يجب المحافظة عليها وتعهدها بالرعاية والتطوير. وقد ظل الأدب الإماراتي حاضرا في الساحة الأدبية العربية، حيث ترجمت بعض الأعمال منه إلى لغات أخرى، فاستطاع أن يشق طريق العالمية من خلال الترجمة، وكذلك من خلال مضامينه وصنعته الأدبية، فوجود الأدب الإماراتي المختار وبقدر كافٍ ضمن مناهج اللغة العربية يحقق حفاظا على الهوية الأدبية لأدبنا ويمد أجيال اليوم والغد برصيد وافر من نتاج أدبي بأقلام إماراتية، ولا شك في أنه سيكون قادراً على الكشف عن تلك المواهب المكنونة لدى الناشئة من طلابنا، وسيكون محفزا لهم نحو الإبداع ومشاركة الشعوب الأخرى في إضافة نصوص أدبية متميزة إلى المكتبة العالمية، ففي الوقت الراهن توجد لدينا أسماء من المبدعين الإماراتيين ممن كان لهم مشاركات أدبية رائدة ومتميزة ونالوا جوائز محلية وعربية، ووضعوا بصمة إماراتية في سجل الأدب. إن رفد مناهجنا بالأدب الإماراتي بما يستحقه من قدر كافٍ ونصوص مختارة هو ما دأبت عليه وزارة التربية والتعليم في دولتنا، فالقائمون على وضع المناهج مدركون تماماً ما يشكله الأدب الإماراتي من أهمية كبيرة لطلبة المدارس». تغييب متعمدوتختلف نظرة الشاعرة والكاتبة أسماء صقر القاسمي إلى المسألة، فهي ترى أن «الأدب الإماراتي، للأسف، شبه مغيب، وما يوضع في المناهج يغلب عليه مزاج اللجنة المختصة بالمناهج. الكل يعلم أن مناهج دولة ما لا بد أن تركز على أدبائها بشكل أساسي وهذا ما لا نجده في المناهج الإماراتية؛ فحين يضم المنهج نصا لكاتب مغمور في دولة ما لم نسمع به ويتجاهل أدباء دولته يسمى هذا الفعل إجحافاً وتغيباً متعمداً، ولا تفسير لهذا الأمر، لربما كان جهلاً من لجان وضع المناهج أو إقصاء متعمدا!. لا شك في أن تغييب مبدعي الوطن عن ذاكرة أبنائه يعد أمراً خطيراً واستهتاراً بمبدعي الوطن، وهذا لا يعني أنني ضد التعرف على أدب الدول الأخرى والأمم الأخرى قديماً أو حديثاً؛ فالأدب أممي لا حدود له ولكن ليس على حساب المبدع المواطن». وحول السبل الكفيلة لإنجاح هذا الأمر بشكل مدروس وبعيداً عن الذاتية والمزاجية، تنبه إلى أن «المفروض من وزارة التربية وهي المسئولة عن التعليم وتنشئة هذه الأجيال على حب الوطن والاعتزاز بمنجزاته وبمبدعيه أن تراعي في اللجان المسؤولة عن وضع المناهج أن تتمتع بحس وطني كامل، ووعي وثقافة عالية، وألا تكون مجرد لجان لسد شاغر والسلام؛ فالمناهج أمانة ثقيلة لا يقبل تحملها إلا من كان مؤهلاً لها وان يضع نصب عينيه أن الوطنية واجب مقدس، وانه محاسب على كل حرف يضعه في المنهج أمام الله وأمام الجميع». النوع لا الكمهناك جهود من قبل إدارة المناهج لتضمين المناهج بعضاً من النصوص الأدبية الإماراتيةِ، تقول الأديبة صالحة عبيد غابش، رئيسة المكتب الثقافي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، وتضيف: «شخصياً شهد بعض هذه الجهود عبر تواصلهم معي لتوفير قصائد وقصص لمناهج مراحل دراسية بعينها.. لكن لا نزال بحاجة إلى قوة حضور عبر النوعية والكم.. وأرى أن استكتاب الأدباء للمناهج أمر لا يتعارض مع اختيار نصوص جاهزة ما دام الكاتب لديه القدرة على التعامل مع بعض المراحل العمرية في كتاباته.. خاصة للمراحل الصغيرة. لكن اختيار النصوص الجاهزة مسبقاً والمعدّة لقراءة العموم في المجتمع أمر يكتسب أهميته من أنه يتيح للطالب - خاصة الذي يتعلم في مرحلة دراسية متقدمة - فرصة للقراءة والاطلاع على ثقافة ومعرفة مختلفة». وتجزم غابش بأن حضور الأدب عموماً في المناهج الدراسية «مهم جداً»، وتشرح: «نحن نشأنا على مثل هذه المناهج التي تتضمن أشعاراً وقصصاً أدبية وروايات ونثراً.. فارتقت ذائقتنا اللغوية وعشقنا بسببها اللغة العربية، والمناهج الإماراتية لا بد أن تتضمن أعمالاً إماراتية إضافة إلى العربية والعالمية، ولعل ميزة الأعمال الأدبية للطالب المواطن أو المقيم على أرض الدولة أن الكاتب والمتلقي سيكونان على تماس مع المجتمع والبيئة التي يعيشان فيها.. ومن هنا يكون الطالب على قرب من الكاتب.. بإمكانه أن يناقشه ويسأله ويحاوره.. كما أن النص الإماراتي- أو بعض النصوص الإماراتية- لا بد أن تحمل ملامح خاصة بالمجتمع». وترى صالحة غابش أن أهم معايير الاختيار هو: «أن يلبي حاجة الطالب إلى مزيد من المعرفة، وأن يكون النص قادراً على أن يحدث ذلك الانفعال العاطفي بمحتواه والمعنى الذي يتضمنه.. أي أنه يتميز بالقوة في التعبير والوضوح في الرسالة.. ولا يزيد شأن اللغة العربية تعقيداً في أذهان الطلاب.. إن تقريب الطالب إلى لغته، وتحبيبه فيها، وعدم استثقالها على فكره ووجدانه يجب أن يكون هدفاً من أهداف اختيار الموضوعات.. وطريقة تدريس المادة لا بد أن تنحى إلى منعطف أكثر ربطاً للطالب بالمادة». من واقع التجربةتنبع أهمية الأمر في نظر الأديبة نجيبة محمد الرفاعي من كونها «تعرف الجيل الحالي برواد الثقافة في الدولة، وبالمبدعين في فروع الأدب»، تقول: «كما درسنا وحفظنا أسماء كثيرة لشعراء وأدباء العالم العربي ونحن على مقاعد الدراسة، فإن هذا الجيل حريّ به أن يتعرف أيضا على أدباء بلده، وعلى النصوص الأدبية التي تترجم هويته الوطنية، فهذا حق للكاتب الإماراتي، كما أنه أيضا حق لهذا الجيل المطلع على ثقافات متعددة من دول العالم كافة». كما تعتقد أن احتواء المناهج على نماذج من الأدب الإماراتي «من شأنه أن يعزز الهوية والانتماء، كما أنه يشكل حافزاً قوياً للطالب للاقتداء بتلك الأسماء الإماراتية، والافتخار بها. وفي الحقيقة أنا لست مطلعة بشكل كبير على المناهج كي أجزم بحجم النصوص الأدبية الإماراتية الموجودة في المنهج، مقارنة بغيرها من النصوص الأدبية لأدباء من الدول العربية الأخرى، ولكنني متأكدة من أن اتجاه وزارة التربية والتعليم في الفترة الأخيرة كان منصبا على تبني فكرة تضمين المنهج لبعض النصوص الأدبية بأقلام إماراتية، وقد تمت الاستعانة باتحاد كتاب وأدباء الإمارات لاختيار النصوص المناسبة، وفعلا تم إدراج عدد من النصوص في مناهج اللغة العربية، وتشرفت بأن تم اختيار قصتي (عيون من نجوم) كي تكون ضمن منهج اللغة العربية للصف السابع، وهذا الأمر فاجأني وأسعدني كثيراً، وأشعرني بالفخر والامتنان، بل وبالمسؤولية أن تكون نصوصي القادمة ملامسة لحاجات الجيل الحالي، ولا شك من أن الاختيار تم من قبل لجنة متخصصة في الوزارة، بناء على معايير وشروط معينة وضعتها تراعي المرحلة العمرية، بالإضافة إلى الأفكار والأسلوب والمفردات الواردة في النص». وقد تواصل معي العديد من الطالبات والمعلمات بل وأيضا أولياء الأمور الذين اطلعوا على القصة وأعجبوا بمضمونها، وأثنوا على الأسلوب المتبع فيها، كما تواصل أيضاً معي عدد من الطالبات أبدين رغبتهن في كتابة القصة القصيرة ويردن نصيحتي في ذلك، وهذا يؤكد أن معرفة الجيل بأدباء البلد يسهم في خلق جو من التعارف والتواصل المعرفي البناء بين الطالب والأديب. ثراء الموروثأما الكاتبة فاطمة المزروعي، فتقول: «الأدب الإماراتي ثري جداً بالموروث والعادات والتقاليد الخاصة بالمجتمع الإماراتي، ويحكي قصصاً وأحداثاً لم يعشها هذا الجيل.. وحين يستقبله بأسلوب قصصي أو شعري أو نثري فهذا من شأنه أن يضفي بعدا جماليا في طريقة سرد هذا الأدب، وتعريف الطالب الإماراتي بالأديب الإماراتي من خلال عرض إبداعاته وسيرته الذاتية». وتبدي المزروعي أسفها لكون «حصور إبداعات الأدب الإماراتي بكتابه وتياراته غير كافية»، وترى أن هذا الأمر «يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع لاختيار النصوص الملائمة للمناهج الدراسية وتضمينها بقالب إبداعي سلس، ويتناسب مع فكر الطالب والتطورات السريعة والحديثة الحاصلة في العالم، ولابد أن ينمي قدراته الإبداعية ويساعده على التفكير، ومن هنا، فإن الأدب الإماراتي، في رأيها، سوف يغني عن القطع الأدبية المستوردة والمترجمة من ثقافات لا تمت لواقعنا ومجتمعنا، على الرغم من أهميتها، إلا أن الأدب الإماراتي أصبح أكثر ملاءمة». وحول الآلية التي يجب اتباعها عند اختيار النماذج، قالت: «يجب مراعاة اللغة النحوية واللغة الإبداعية والخيال الخصب لدى الكاتب، وأن يتواءم المضمون مع كل مرحلة دراسية، مع ضرورة مراعاة السن والمراحل التعليمية والتنوع في اختيار الأجناس الأدبية من شعر وقصة ورواية ومسرح، بالإضافة إلى إيجاد طرق مبتكرة في تدريس هذه المواضيع. كما أنه من الضروري تعريف الطالب بالسيرة الذاتية للكاتب مع ضرورة (ترتيب لقاء بين الكاتب والطلاب) كنشاط تواصلي، ودفع الطالب إلى إجراء بحث عن باقي أعمال المؤلف أو مؤلفين آخرين لم يتم أدراجهم ضمن المنهج كنشاط خارجي. ولا ننسى أهمية وضع مسابقات شعرية قصصية وروائية محاكاة للأدب الإماراتي، وتمثيل بعض الأعمال الإبداعية سواء في صيغة مسرحية أو ضمن فنون الإلقاء الشعري، ولا بأس - والكلام لفاطمة المزروعي ــ من عمل جمعية أدبية تتكون من مجموعة طلاب في جميع مدارس الدولة يمارسون فيه أنشطتهم الأدبية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©