الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

حرف الأقدمين.. ملامح من الماضي في «زايد التراثي»

حرف الأقدمين.. ملامح من الماضي في «زايد التراثي»
26 ديسمبر 2015 21:53
أحمد السعداوي (أبوظبي) «صناعة الدعن»، «فلق المحار»، «غزل الصوف»، «الفخار»، وغيرها من المهن التي عرفها أهل الإمارات قديماً، انتشرت في أرجاء مهرجان الشيخ زايد التراثي، لتتيح الفرصة لجموع المواطنين والمقيمين والزائرين من جمهور المهرجان للاطلاع على نماذج من أبرز الحرف التقليدية والمهن التي عمل فيها كثير من الإماراتيين منذ أزمنة بعيدة، وما تزال حاضرة إلى الآن في نفوس أبناء الإمارات من الأجيال الجديدة، وكانوا حريصين على التمسك بها ونقلها إلى العالم، اعتزازاً بما تركه الآباء والأجداد من إرث محلي فريد، تجلى في أبهى صورة عبر فعاليات الكرنفال التراثي الذي تشهده منطقة الوثبة بأبوظبي منذ التاسع عشر من نوفمبر الماضي وتستمر حتى الثاني من يناير المقبل. صناعات تقليدية المتجول بين ساحات المهرجان يجد الورش التفاعلية وأركان الصناعات التقليدية المختلفة زينت أرجاء الحدث التراثي الضخم، عبر أيادٍ وسواعد أهل الخبرة من رجال ونساء الإمارات من العاملين على حفظ التراث ونقله إلى العالم من خلال ورش العمل المفتوحة التي يقومون فيها بإنجاز الكثير من الأشكال والنماذج التراثية أمام جمهور المهرجان. من هؤلاء الخبراء يقول الوالد حميد بن سيف الكعبي، عن صناعة «الدعن» أو «المزفن»، إنه عبارة عن مجموعة من جريد النخيل يتم ربطها إلى بعضها بواسطة حبال مصنوعة من ليف النخيل وتسمى هذه العملية «التزفين» ويتشارك فيها عدد من الرجال، بعد أن يقوموا بتنظيف الجريد من الأشواك وقطع مقدمة الجريد، ثم إبقاؤه في الماء نحو 4 أيام، قبل أن يبدأ العمل في صناعة الدعن، الذي دخل في كثير من استخدامات أهل الإمارات في زمن الأولين، حيث استعملوه في بناء بيوت العريش، وفرد الرطب عليه حتى يتم تجفيفه قبل حفظه وتخزينه. ويدخل الدعن في صناعة المنامة التي كان يستعملها الأقدمون للنوم في بعض الأمسيات والليالي حين يسمح الطقس بذلك للاستمتاع بالهواء العليل. «الزفارة» ومن أهم الأشكال التي تصنع أيضاً من جريد النخيل، ما يعرف بـ «الزفارة» وهي حزمة من جريد النخل، يتم استخدامها كـ«أبواب» لبيوت العريش، ويصل طول الزفارة بين باعين إلى ثلاثة بيوع غالباً ما تكون بطول باعين وهي تختلف عن الدعن لأن خوصها يشرط من الجهتين بحيث يستخدم الساق فقط، بعكس الدعن الذي يتم شرطه من جهة واحدة فقط، علماً بأن الباع هو أحد مقاييس الأطوال التي استخدمها الإماراتيون القدامي ويتراوح بين 175 سنتيمترا ومترين. أما «فلق المحار» فلها تاريخ طويل مع أهل الإمارات، ويقول عنها الوالد محمد عبدالله الحمادي، إنها من أكثر الحرف البحرية أهمية في زمن الأقدمين، وكانت موردا اقتصاديا مهما للكثير من العائلات التي عملت في البحر سواء للصيد أو الغوص عن اللؤلؤ وفلق المحار. وأهم أدوات فلق المحار «المفلقة» وهي سكين معقوفة تستخدم في شق المحار واستخراج اللؤلؤ من داخله، مشيراً إلى أن أماكن تجمع المحار في مياه الخليج العربي تسمى «هيارة» ومفردها «هيرة»، وهي أماكن كثيرة معروفة جيداً لدى الغاصة والنواخذة الذين عملوا جميعاً في هذه المهنة بالوراثة جيلا بعد جيل. ويعتمد تقييم سعر اللؤلؤ المستخرج من المحار على حجمه وشكله ولونه وغيرها من المعايير التي كان يستخدمها «الطواش» وهو تاجر اللؤلؤ الذي يقوم بشرائه من الغاصة ثم يقوم ببيعه بكميات كبيرة للتجار أو في الأسواق الخارجية في الدول المطلة على الخليج العربي والمحيط الهندي، لافتاً إلى أن أهم أنواع اللؤلؤ هي «الجيون» ولونه أبيض يميل إلى الحمرة وشكله يكون دائرياً إلى حد كبير وهو أغلى الأنواع، وهناك «اليكه» و«القولوه»، و«البدلة»، وهي أنواع أقل جودة من لؤلؤ «الجيون»، ولكنها أيضاً تجد من يشتريها ويقبل عليها من التجار ويتم استخدامها في صناعة الحلي النسائية. صناعة الفخار صناعة «الفخار»، يقول عنها العدل حمزة، المختص بصناعة الفخار بنادي تراث الإمارات، إنها من أقدم المهن التي عرفها الإماراتيون قبل آلاف السنين نظراً لاعتمادها على خامات بسيطة موجودة في البيئة المحلية الإماراتية وهي الماء والطين الذي يجمع على شكل قطع من الصخور في المنحدرات وعلى قمم الجبال، ثم يتم تنقية هذه الصخور من الشوائب قبل بدء استخدامها في صناعة الفخار، لعمل أشكال متنوعة من الجرار والدلال والمداخن ومصبات القهوة، وغيرها من الأدوات الأساسية لدى أهل البادية، حيث يتم تجفيف هذه المنتجات على درجات حرارة عالية تقترب من 900 درجة مئوية، بعد أن يتم تعريضها في الشمس عدة أيام حتى تكون جافة وتتخذ الشكل المطلوب قبل تعريضها إلى درجات الحرارة العالية. أما غزل الصوف والقطن، فتقول عنه الوالدة بخيتة حمد، إن أهم أدواته «المغزل»، ويصنع غالباً من أشجار السدر أو النبق، وفي أعلى جزء منه قطعة حديدية تسمى «سنارة»، ومن خلال المغزل يتم برم أصواف الأغنام وشعر الماعز والقطن، حيث يجمع شعر الماعز وصوف الغنم ويخلط ويغسل ثم يقسّم على شكل كرات تلفها المرأة على المغزل بطريقة معينة، ويستخدم هذا الصوف في إنتاج كثير من المنتجات منها مستلزمات الهجن وزينتها، وغيرها من الأدوات التي كان أهل البادية يستخدمونها في زمن الأولين. عيد التراث أشاد علي حميد، من زوار المهرجان، بالاهتمام الكبير الذي يوليه كبار المسؤولين في الدولة لحفظ تراثنا وتاريخنا، لأن هذا هو الأساس الذي يجب ألا ننساه أبداً مهما بلغنا من تطور ونهضة، وفي هذه الناحية لم يقصر شيوخنا أطال الله في أعمارهم في توجيه كل سبل الدعم والرعاية لكل ما يتعلق بالتراث وأهله من خلال إقامة فعاليات كبرى مثل مهرجان الشيخ زايد التراثي، الذي يعتبر عيداً للتراث الإماراتي وليس مجرد احتفالية عادية، وهو ما نلاحظه من خلال البهجة التي تظهر على وجوه زوار المهرجان وهم يستأنسون بمشاهدة تاريخنا وتراثنا من خلال مهرجان كبير وفر جميع سبل الراحة للزائرين ما شجع الكثيرين منهم على تكرار الزيارة أكثر من مرة للاستمتاع بالأجواء الجميلة التي يعيشها كل من يأتي إلى منطقة الوثبة ويشاهد فعاليات المهرجان. مسجد «البدية» يطلع الزوار على براعة تصاميم الأجداد أبوظبي (الاتحاد) يلاحظ الزائر لمهرجان الشيخ زايد التراثي عند تجوله في أرجاء المهرجان مسجداً بديع التصميم فريد البناء والشكل، يعيد للأذهان براعة وبساطة تصاميم الأجداد، إنه نسخة طبق الأصل من مسجد البدية الأثري، الذي بُني نحو سنة 1446م، ويقع في قرية البدية بإمارة الفجيرة، ويعدُّ أقدم مسجد ماثل في الدولة، ومازالت الصلاة تقام فيه حتى اليوم. وقد شُيّد في المهرجان بناء مطابق لـ«مسجد البدية التاريخي» بتفاصيله كلها وهو المَعلم الرئيس في البيئة الجبلية، فقد بُني باستخدام المواد نفسها التي بُني بها المسجد الأثري من الحجارة الكبيرة والصغيرة، كما استخدم فيه الطين المحروق كمادة رابطة للبناء، ليطابق هذا المَعلم المسجد الأثري في تفاصيله المعمارية وزخارفه، وحتى رائحته، وهناك أيضاً معرض للصور يوضح طريقة بناء المسجد، ويمكن لزوار المهرجان الصلاة فيه. مسجد أثري وقال أحمد سيف الظهوري أحد زوار المهرجان والمصلين في المسجد: أعمل على زيارة المهرجان كل يومين، وخلال أول زياراتي له، لفتني التصميم الهندسي لمسجد البدية الأثري، والذي يعتبر نسخة طبق الأصل من المسجد الحقيقي في إمارة الفجيرة، مؤكداً أن تنفيذ هذه الفكرة بشكل مميز، يدل على اهتمام اللجنة المنظمة للمهرجان في التعريف بالتراث الإماراتي الأصيل الذي تناقله الآباء والأجداد جيلاً بعد جيل، مشيراً إلى أن بناء مسجد البدية الأثري في مهرجان الشيخ زايد التراثي دليل على أن دولة الإمارات دولة عريقة متجذرة في التاريخ. لوحة معمارية وعبر أحمد ولد سيدنا من موريتانيا، أحد زوار المهرجان والمصلين في المسجد، عن إعجابه الشديد بتصميم مسجد البدية الأثري الذي يعتبر تصميماً بارعاً وبسيطاً ومتميزاً، وينقلنا بصورة واقعية إلى حياة شعب دولة الإمارات في القدم حيث أنهم ومن خلال مواد بسيطة رسموا لوحة معمارية إسلامية، لا تزال صامدة إلى الآن لتكون خير دليل على تراث «عيال زايد». وأكد أحمد ناصر الفضلي، أنه من الجميل أن ينتقل تراث دولتنا الحبيبة لجميع زوار المهرجان من الجاليات المختلفة، وإطلاعهم من خلاله على المعالم التراثية التي تزخر بها الدولة، إضافة إلى أن التعريف بهذه المعالم من خلال تصاميم مطابقة لها بالواقع يعدُّ طريقة تعليمية متميزة تنقل صورة واقعية يتعلم منها الأطفال والشباب من أبناء الوطن عن حياة آبائهم وأجدادهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©