السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا الربيع في الشتاء؟

لماذا الربيع في الشتاء؟
15 ديسمبر 2011 00:35
كان لا بد أن تختلط السياسة بالثقافة بالاقتصاد، في دراسات ومناقشات مؤتمر الفكر العربي العاشر، الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي في دبي الأسبوع الماضي. وإذا كان المنظمون قد عزلوا التداخلات، من خلال تخصيص جلسات عناوين محددة ناقشت مثلا “التحديات الاقتصادية”، و”الدولة.. توقعات ومخاوف”، و”العرب والجوار والعالم”، فإن الرابط الجامع بين فضاءات الهم العربي، كان ذلك السؤال الضاغط الذي جمله عنوان الجلسة الأولى بنصه المفتوح على كل الإجابات: “لماذا الربيع في الشتاء؟”. وعلى الرغم من كل الإجابات التي قدمها المنتدون، بدا وكأن الإجابة الوحيدة ما زالت مرهونة في علم الغيب. فالحراك الذي بدأ دون توقع حقيقي، لما ينتهي بعد، ولا توجد بالتأكيد رؤية واضحة لمساراته ومآلاته. لعل هذا ما عبر عنه بوضوح، في مداخلته بالجلسة، مسؤول الإعلام في المجلس الإنتقالي الليبي محمود شمام الذي قال إن الثورة بدأت سلمية لكنها كانت واعية لخطورة النظام ومدركة أن الأمر ليس بنزهة، خصوصا وإن القتا ضد الحكم الديكتاتوري قد أنتج نظامه الخاص حيث كانت كلّ قبيلة تقاتل في نطاقها الجغرافي. وإذا كان محمود شمام لم يتوقف عند المعنى الذي توّلده ـ أو ولّدته ـ مثل تلك الحالة العسكرية الفضفاضة، فإنه اكتفى باستخلاص إيجبيات من مشاركة الشباب على وجه التحديد في الثورة، خصوصا الدور الكبير الذي لعبه الجيل الثاني والثالث من المهاجرين في نقل الأحداث للخارج. لكن إشارة شمام تلك، كانت سببا مهما لكي يتوقف عندها محمد نعمان جمال، المستشار السياسي لوزارة الخارجية البحرينية، الذي قرأ الدور القبلي والعشائري حيث ظهرت الصبغة العشائرية لبلدان كان تبدو في صورة أكثر تقدما. وفي النتائج التي فتحت الباب أما فوز الإسلاميين في الإنتخابات حيث حرت، ظلت المقاربات حذرة أو منتظرة لانعكسات تلك الإنتخابات في المستقبل، فعلى سبيل المثال فضّل محمد أوجار، عضو المجلس الأعلى للإعلام المغربي، أن يعطي وصفا للديموقراطية ونتائجها بجملة مميزة: “حين نشتري سيارات لا نشك بها.. حين نشتري معدات لا نشك بالتكنولوجيا.. حين نتكلم عن البشر، علينا أن نحتكم للفطرة الإنسانية الديموقراطية”. هذا يعني إن المسألة ينبغي أن تتحرر من الأحكام المسبقة، على ما عبرت عبلة أبو علبة عضو البرلمان الأردني، التي قالت: “أنا يسارية أنتمي لحزب يساري لكن لا يجب التهجم على الإسلام السياسي”، وهو المنطق نفسه الذي يقول به شفيق الغبرا، استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، بأن الثورات تشبة الى حدٍ بعيد الولادات العسيرة، التي تؤدي الى النتائج المرجوة، ولكن يمكن تجنب (الولادات العسيرة) عن طريق الإصلاح السياسي مستشهداً بالتجربة البرازيلية التي بدأت اصلاحاتها عام 1975. الثقافة والتغيير كل هذا المسار الذي قطعه “الربيع العربي”، سواء في مسلكه السلمي أم العنفي، هل كان منعزلا عن المعطى الثقافي، خصوصا وإنه ينشد في محصلته النهائية تحقيق التغيير، في الهيكلية السياسية وما تقوم عليه من بنى دستورية واقتصادية وثقافية واجتماعية؟ هذا السؤال المعقد اختصت به جلسة من جلسات المؤتمر حملت عنوان “هل للثقافة من ربيع؟”. وهو الموضوع الذي قاربه مؤتمر الفكر العربي في دورته الثالثة التي انعقدت عام 2004، تحت عنوان “ثقافة التغيير أم تغيير الثقافة”. في هذه الجلسة أكد رئيسها وزير الثقافة الأردني صلاح جرّار أنّ أي ثورة لا تنطلق من رؤية ثقافية وقاعدة فكرية ستكون انقلابا عسكريا، وأنّ أي ثورة لا تحقّق حلمًا بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وإنهاء الإقصاءات سيكون مآلها الفشل ولن تكون ثورة. وقد طرحت الجلسة عدّة تساؤلات عن علاقة الثقافة والفكر بالربيع العربي وعن نتائج هذه التغييرات على المستوى الثقافي والتحدّيات التي تواجهها وعن دور المثقّف العربي في خضمّ هذه المرحلة المفصلية من تاريخ العرب. وفي هذا الإطار قال عبدالله ولد أباه الأستاذ الجامعي من موريتانيا أن الثورات العربية فاجأت الجميع حتّى المثقّفين. وبرأيه، هناك انفصام بين حركة الواقع العربي والمسار الثقافي العربي، بين حركة الشارع والخطاب الليبرالي التحديثي، وهذا ما أظهرته الثورات العربية، بدليل أن “القوة التي نعتبرها مناهضة للديمقراطية هي التي استفادت من الحراك”. كذلك رفض ولد أباه مقارنة الثورات العربية بغيرها فلكل ثورة طبيعتها، مؤكّدًا أنّ الربيع العربي أثبت أنّ الهوية العروبية لا زالت قوية. وتحدّثت الأستاذة المشاركة في قسم التاريخ والآثار في جامعة الإمارات العربية المتّحدة فاطمة الصايغ عن الفراغ القائم بين تفكير الأنظمة والشباب، فالشعوب تصغر في العمر والحكم يهترئ، مؤكّدةً أنّ ثقافة الربيع المرتبطة بالتغيير سوف تغيّر ثقافتنا، إذ إنّنا نمرّ بمرحلة جديدة ترفض فيها العقول العربية الثقافات التقليدية. وأبدت الصايغ تفاؤلاً بنتائج الثورة التي وإن لم تحدث تغييراً حقيقيّاً بالسلطة، إلا أنّها نجحت في تغيير نمط تفكيرنا ونظرتنا للمستقبل. وأشار الأستاذ الجامعي ومدير عام المنظّمة العربية للترجمة في بيروت الطاهر لبيب إلى أن الدرس الأوّل الذي علّمتنا إيّاه الثورة العربية هو التواضع. فأن يقوم إنسان عادي بفعل لم يتنبّأه أحد إلاّ عن طريق الحدس التاريخي غيّر مفهوم أنّ النخب هي تصنع التغيير. كذلك استنكر لبيب الحكم المبكر على الثورة بأنّها فوضى، إذ لا توجد ثورة في التاريخ لم يكن فيها فوضى، طالبًا إعطاء الوقت لهذا المدّ الشعبي والفعل الجماعي الآتي من الشعب وليس من النخبة. كما ألمح لبيب إلى ما سمّاه “عقدة المثقّف” الذي يحاول الآن أن يساهم في بناء ثورة لم يقدها. وازدادت دهشة المثقّف، كما قال لبيب، عندما طغى الطابع المدني والسلمي على التحرّكات لا سيّما في تونس. أما عضو مجلس الشورى في مملكة البحرين ضياء الموسوي فقد قال إنّ ما حصل هو نصف ربيع سياسي يحتاج الى ربيع ثقافي فـ”أزمة المثقّف أنّه كان يخاطب الناس من فوق “البلكونة””. ثم تحدّث الموسوي عن أهمية امتلاك الحرية للجميع وعدم حصرها في مجموعة أو طائفة، فهو كمواطن عربي يؤمن بالحرية، لا يؤمن بالإسلام السياسي، مؤكّدًا على ضرورة الفصل بين السياسة والدين، ومحذّرًا من بقاء العالم العربي في مأزق إذا ما بقيت القوانين المدنية ممزوجة بالقوانين الشرعية. ودعا الموسوي إلى الاحتكام إلى الأنسنة في أزمة يدّعي فيها الجميع أنّه يمتلك الحقيقة المطلقة، مشيرًا إلى أن المتشدّدين موجودون في كل الأطراف، فكما يوجد هناك متشدّدين دينيين كذلك هناك متشدّدين علمانيين. وتوقف السفير السعودي لدى اليونسكو زياد الدريس في مداخلته عند عدم وجود موقف فكري للذين قاموا بالثورات، مؤكّدًا على بديهية إعادة تشكيل النخب في كل عصر بحسب المتغييرات “ففي عصر الإتصالات، النخب التي تؤثّر في الجماهير تتشكّل من الذي لديهم حسابات تويتر وفايسبوك والناشطين الإلكترونيين بحكم قدرتهم على التأثير والتغيير”. ووافق الدريس مع لبيب في أنّ “الثقافة الربيعيّة” تأتي خلال عقود لا خلال أشهر، لافتًا إلى أن التغيير هو الذي يشكّل ثقافات جديدة. الإعلام الجديد أجمعت آراء المحللين المتابعين للحراك العربي، على وجود أدوات فاعلة في تسعير أواره، تتمثل في الحضور القوي للشباب، والدور الفاعل للمرأة، والتأثير المباشر للفضاء الإلكتروني، وهذا ما نقشته جلسة متخصصة من جلسات مؤتمر الفكر العربي، بيّن فيها الإعلامي الإماراتي سلطان سعود القاسمي، إنه اذا كان من الصحيح القول ان الاعلام البديل أحدث الثورات، فإن “الشبكات الاجتماعية هي وسيلة فقط استخدمها الشباب العرب للوصول الى غاياتهم، فهم من قاموا بالثورات وليس وسائل الإعلام”، مستبعدا فكرة ان تكون هذه الوسائل هي المسؤولة عن انتاج “الربيع العربي”، لا سيما وان 20 في المئة من عدد سكان العالم العربي يستخدمون شبكة الإنترنت فقط. واشار الكاتب والباحث في الاعلام الجديد من المملكة العربية السعودية، فايز الشهري الى ان نسبة عالية من العالم العربي هي من فئة الشباب، موضحا اننا “استقبلنا الانترنت في العالم العربي استقبالا مشبوها”. ولفت الشهري الى ان “الشباب العربي عاطفي، والاعلام الجديد سمح له بالتعبير عن مشاعره”. كما نوّهت الباحثة في العلوم الجنائية والنائب في البرلمان العالمي للشباب من أجل المياه في تونس اسماء الهادي النعيري، بأن الـ”فايسبوك” والـ”تويتر” استطاعا ان يقوما بما لم تقم به الوسائل الاعلامية التقليدية، لافتة الى ان هناك الكثير من الحوادث التي حصلت في تونس في السنوات العشر الأخيرة لم تحظ بتغطية وسائل الاعلام التقليدية، فلجأ الشباب الى المواقع الاجتماعية لملء هذا الفراغ. وفي سياق حديثه عن دور كل من الاعلام القديم والجديد، لفت سامر يونس، وهو مدرب إقليمي وناشط اجتماعي من الأردن الى ان “السؤال عن مدى وجود المصداقية في كل منهما يحتمل جوابين: نعم او لا”. اما مدير تحرير جريدة النهار اللبنانية، غسان حجار فتكلّم عن “تحالف قسري بين وسائل الاعلام التقليدية والجديدة”، فمثلا تنقل بعض وسائل الاعلام صور عن اليوتيوب تعكس حوادث سوريا، في ظلّ غياب لوسائل محلية تقوم بهذا العمل، لافتا الى ان الاعلام الحديث متحرر من القيود. ماذا بعد؟ ويبقى بعد كل ذلك السؤال الأساس وهو “ماذا بعد الربيع؟”، وهو ما حاولت جلسة أخيرة تلخيصية الإجابة عنه. فقال عبد الإله بلقزيز أستاذ الفلسفة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الحسن الثاني في المغرب، إن “المرحلة العاتية الأهم في تاريخ كل نظام سياسي هي لحظة الإقتراع، ونحن اليوم أمام تحديين، الأول هو إستعادة ثورة مسروقة، أما التحدي الثاني فهو بناء الفاصل الضروري بين معركتنا من أجل سلطة عادلة ديموقراطية ومعركتنا من أجل صون الدولة كلقاء جماعي للأمة والمجتمع”. وقالت الصحافية والسفيرة السابقة لمؤسسة الفكر العربي رغد عبد الهادي، “إعتقدنا كشباب مصريين أنّه وفي غضون شهر بعد إنتهاء الثورة سيتغير كل شيء وأننا سنبني بلدا جديدا وسيكون باستطاعتنا تحقيق كل ما نتمناه ليس فقط كشباب بل أيضاً كقوة شعبية، لكنّ الواقع يقول أنّه لا يمكن لبلد إستمر فيه الحكم ثلاثين عاماً أن يتغير فيه كل شيء في شهر أو شهرين. عبد الهادي رأت “أنّ ما حصل فعلاً في مصر هو إسقاط رؤوس النظام وأنّ النظام بحد ذاته لم يسقط بعد”، مؤكدةً “انّ الطريق لا زالت طويلة أمامنا لإزالة جذور النظام السابق وأننا حتماً لسنا في آخر الطريق”. وفي وصف لواقع الشباب المصري اليوم، قالت رغد “إنّ في مصر اليوم تيارين: الأول ثوري يؤمن بضغط الشارع كوسيلة أساسية للتغيير، أما التيار الثاني فيتمثل بالمتوازنين الذين يجمعون بين اللعبة السياسية والضغط الثوري”. أما الكاتب السعودي حمود أبو طالب فأشار إلى أنّه “لا يجب أن ننظر إلى الربيع العربي ونأخذ المعنى الرومنسي الجميل لكلمة ربيع، والاهم هو الإنتصار الكبير الذي حققه الشباب العربي في التغلب على حاجز الخوف والإنتصار على الذات”، مؤكداً أنّه من المبكر جداً وضع معايير لقياس الإنجازات الإيجابية للثورات في العالم العربي، فبعد تراكمات عقود طويلة جداً ليس من المنطق أن يحدث كل ما نتمناه في يوم وليلة.” رئيس مركز أسبار للدراسات البحوث والإعلام فهد الحارثي سأل: من منا كان يتصور اننا نستطيع العيش من دون القذافي وزين العابدين بن علي وحسني مبارك؟ معتبراً “المهم أن العرب بدأوا يؤمنون بصناديق الإقتراع وبلعبة الديموقراطية ودولة القانون”. وفي حديثه عن الشباب العربي قال الحارثي “نحن بنينا ديكتاتورياتنا والشباب صنعوا ثورتهم، إذاً لندعهم يختاروا مستقبلهم، فيكون ذلك بمثابة مكافأة نقدمها لهم”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©