السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الكتاب نقلوا الأنماط والسلوكيات والعادات الجديدة في نسيج المجتمع المحلي

الكتاب نقلوا الأنماط والسلوكيات والعادات الجديدة في نسيج المجتمع المحلي
3 ديسمبر 2012
إذا كان رصد التحولات الاجتماعية لصيقا بفن الكتابة الأدبية عموما، وإذا كان تتبع الانعطافات الثقافية وحتى الذاتية هو تقليد رصين ومقترن بفن القصة القصيرة بشكل خاص، فإن المجتمع الإماراتي الذي شهد تبدلات هائلة في المنظومة العمرانية والاقتصادية والسكانية يعتبر مثالا صارخا ونموذجا ساطعا إذا تحدثنا عن عمق وتأثير هذه التبدلات. فبعد الطفرة النفطية ودخول أنماط جديدة من السلوكيات والعادات في نسيج مجتمع محلي محافظ وشديد الخصوصية، فإن الجيل المؤسس من كتاب القصة القصيرة في الإمارات أمثال عبدالله صقر وشيخة الناخي، ومحمد المر وناصر جبران وعبدالحميد أحمد وإبراهيم مبارك وسلمى مطر سيف، ومريم جمعة فرج وناصر الظاهري وعبدالرضا السجواني وغيرهم، هو جيل واكب هذه النقلة الحادة نحو الحس المديني المعاصر والذي ارتبط مع قيام الاتحاد ــ أي قبل 41 عاما من الآن ــ بحسّ مقرون بالبساطة والعفوية والشراكة الاجتماعية محدودة المعالم والصفات، ومن جهة أخرى فإن ترسيخ هذا المفهوم “المديني” وطغيانه في زمننا الراهن، فرض تقنيات جديدة في أساليب السرد القصصي لدى الجيل الشاب أمثال روضة البلوشي ومحسن سليمان وصالحة عبيد وفاطمة المزروعي وعائشة عبدالله وغيرهم، وهو جيل يبدو منتميا لإيقاع متسارع ولاهث ولا يتقاطع مع زمن البدايات الأولى سوى في الحضور الضبابي والغائم للذاكرة الصافية والمتخلصة من أسئلة الهوية الملحّة، والتي وجد الجيل الجديد نفسه محاصرا بها، ومهموما بتفكيك جوهرها أو جذرها المتصل به ضمنا والمغترب عنه عيشا وحضورا واشتباكا. في التحقيق التالي، يتعرض عدد من كتاب القصة القصيرة الإماراتية المنتمين للجيل المؤسس، والجيل الآخر الشاب لتوصيفات وانعكاسات وأصداء هذا التحول الاجتماعي الهائل والملحوظ في أساليبهم السردية، وفي استدعاء المقارنات والمقاربات الفنية والموضوعية لهذا السياق الأدبي المستقل النابع من الحكاية الفطرية ببعديها الشفهي والشعبي، والمفتونة أيضا بمغامرة التنقيب والإيغال نحو أقاصي التجريب والرمزية والحداثة وما بعدها. جذور التحول فالقاص إبراهيم مبارك الذي عاصر وعاين الشرارة الأولى لهذه التبدلات السوسيولوجية في مناخها البكر والحائر أيضا، يرى أن جذر هذا التحول أو التبدل نشأ من انتقال القضايا والإشكالات الاجتماعية من حيزها البسيط واللحظي والآني، إلى حيز آخر أكثر تعقيدا والتباسا وتشعبا بعد ظهور النفط والاشتباك المفاجئ مع الحياة المدنية وصدمة التركيبة السكانية، ولذلك ــ كما أشار مبارك ــ فإن كتاب القصة القصيرة في تلك الفترة اتجهوا مباشرة لنقل وتوثيق أثر وانعكاس هذه الصدمة الاجتماعية، التي تجاوزت أحلامهم في التغيير والتطور، ووضعتهم وسط حالة ملتبسة تجمع بين الذهول والانكسار في ذات الوقت. وحول المعالجة القصصية التي انتهجها للتعبير عن هذه الحالة المتناقضة، أوضح مبارك أنه لجأ إلى استدعاء الموروث الحكائي الشعبي وشخصيات: “الفريج” و”الحواري” القديمة كنوع من المقاومة الذاتية والأدبية أمام هذا التغير الصادم والمفاجئ، وأضاف مبارك أن هذا الرصد أو هذا الاستدعاء الشعبي الخالص كان سمة بارزة لدى جل كتاب القصة في فترة السبعينيات والثمانينيات، بينما غلب على كتاب الجيل اللاحق ــ كما قال ــ الهاجس الذاتي والفردي في مناخ اجتماعي جديد فرض شروطه وهيمن على الحالة العامة التي غلب عليها الترف والتسطيح، فكانت العزلة والعودة إلى الداخل والقراءة النفسية والتحليلية سمة بارزة لكتابات الجيل الثاني والثالث في المشهد القصصي المحلي، ودعا مبارك كتاب الجيل الحالي إلى عدم الانقطاع الكلي عن الذاكرة الأولى التي خبر فيها الأجداد صنوف التعب والشقاء والشظف، وهي ذاكرة أو حياة ــ كما وصفها مبارك ــ انطوت على تحديات كبيرة ومكابدات صعبة، يجب استعادتها والنبش في تفاصيلها المدهشة والمغرية، لإعادة قراءتها وإعادة إنتاجها في الكتابات القصصية المعاصرة. مسؤولية ذاتية وترى القاصة مريم جمعة فرج ــ المتوقفة مؤقتا ولظروف خاصة عن الكتابة بعد فترة خصبة ومتميزة ومشتعلة بصهيل الذات وأسئلتها الحارقة في المشهد القصصي المحلي ــ أن القصة القصيرة، هي ابنة الزمن أو الظرف الاجتماعي المحيط بها، وقالت إن الزخم الأدبي والإعلامي الذي حظيت به القصة في الإمارات في بداياتها ارتبط بحراك داخلي وإقليمي وعربي متأجج بالمشاعر الوحدوية والقومية، وبطموحات كبيرة نحو الاستقلال والحرية والتغيير بعد فترة طويلة من الاستعمار وإرث التخلف والجهل والتبعية التي أسس لها الاستعمار، وأشارت إلى أن كتاب القصة الإماراتيين في تلك الفترة كانوا يمتلكون عدة كافية من الوعي والتأني والاستبصار والإحساس بالمسؤولية الذاتية فيما يختص بالكتابة الأدبية وتأثيرها. وأكدت مريم فرج أن كتاب القصة في الإمارات أثناء التحولات الأولى منذ بداية الستينيات وحتى أواسط الثمانينيات كان همهم رصد آثار وانعكاسات النهضة العمرانية والاجتماعية وما أفرزته من ظواهر جديدة في المكان. وحول رؤيتها لنتاجات الجيل الجديد من كتاب القصة الشباب، أوضحت فرج أن معظم هذه النتاجات تتوافر على الحماس والرغبة في تنمية القدرات الإبداعية وتطوير الأدوات والتقنيات السردية، وأوضحت أن الواقع المعاصر فرض على هؤلاء الكتاب الجدد التعاطي مع مواضيع ومحاور وأفكار تختلف كثيرا عن تلك التي تعاطى معها كتاب الجيل الأول أو المؤسس للقصة القصيرة، وأضافت أن إيقاع الحياة السريع والخاطف المحيط بالجيل الجديد جعل من الصعوبة بمكان الإمساك باللحظة والتأمل في تراتبية الزمن وتحليل الواقع ونقده بشكل دقيق ومعمّق، وقالت إن هذا الرتم المتسارع والهائج وضع الكاتب في قلب الحيرة والمتاهة عند التصدي لمفاهيم كبرى مثل الحداثة أو الذاتية أو تيار اللاوعي، وبالتالي ظهرت مجموعة من الكتابات التي تخلو من التألق اللغوي والإدهاش السردي والمكابدة الفكرية والاستقصاء والبحث، ولكن وبالمقابل هناك أقلام وكتابات وإسهامات ــ كما أشارت فرج ـــ تحمل تباشير لتقديم نصوص واعدة ونتاجات متمكنة من أدواتها وقارئة بوعي وتبصر لتحولات المكان والزمان المحيطة بها. وأشادت فرج بالكتابات النقدية لكتاب محليين باتوا يقرأون وبمنهجية عالية تفاصيل وأبعاد هذه النتاجات القصصية الجديدة، وذكرت من هؤلاء النقاد أمينة ذيبان ومريم خلفان وغيرهما من الذين انتبهوا لقيمة وفحوى وبواعث الكتابة اليافعة والمتميزة في الإمارات. ملامح التغيير أما القاص الشاب محسن سليمان الذي ينتمي للجيل الجديد من كتاب القصة القصيرة في الإمارات، فيرى أن مجمل ما تناولته كتابات الجيل المؤسس للقصة في الإمارات انحصر في تتبع الظواهر اللافتة، ورصد البيئة الخارجية والظروف الاجتماعية المحيطة، فكانت هذه الكتابات ــ كما أشار ــ أقرب إلى توثيق ما هو سائد ومتداول في تلك الفترة المنتمية لزمن ما قبل الاتحاد وما بعده بقليل. وأضاف سليمان أن ملامح التغير في أساليب الكتابة القصصية بدأت مع الكاتب عبدالحميد أحمد الذي منح الواقع بعدا أسطوريا خاصا، بينما كانت كتابات القاص محمد المر تتلمس نبض هذه التغيرات بواقعية تجمع بين السخرية والسودواية وبين اللغة السهلة والمضمون الوعر. وحول طبيعة المواضيع وأساليب وتقنيات السرد الغالبة على كتابات الجيل الجديد، أوضح سليمان أنها مواضيع وأساليب باتت تنتصر لمفردات جديدة فرضتها التقنية المتطورة وتقاطع الكتابة مع أنساق فنية أخرى مثل التشكيل والسينما والمسرح، وسهولة الترحال والسفر والتداخل مع أجناس وجنسيات متعددة، وهناك كما أضاف كتابات اتجهت نحو مناخات العزلة والتجريب والتكثيف، مع وجود كتابات أخرى انتصرت للأسلوب التقريري الأشبه بالخواطر التي يكتبها الشباب في وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة كما في صفحات التويتر والفيسبوك. تحولات متسارعة بدورها، ترى الكاتبة الشابة صالحة عبيد حسن أن فن القصة القصيرة في الإمارات نشأ بداية في مناخ تقليدي شبه مغلق، ولذلك كانت عوالمه ومعالمه ومواضيعه محدودة ومرتبطة بمحدودية البيئة والمكان، وأضافت أن الطفرة الاقتصادية والعمرانية التي شهدتها الدولة بعد قيام الاتحاد خلقت نماذج اجتماعية جديدة بعضها إيجابي والآخر سلبي، وتعددت ــ كما قالت ــ الأنماط السلوكية التي أفرزتها التركيبة السكانية الوافدة واختلاط الهويات، والتي أثرت على الترابط الاجتماعي والأسري الذي كان سائدا، وبالتالي تعاطى كتاب القصة الجدد من هذه الأنماط والتغيرات، فكانت الحصيلة متراوحة بين نصوص مميزة ومكثفة ومتعمقة في قراءة هذا الواقع، وبين نصوص متسرعة وتفتقد لآليات الكتابة الناضجة وتفتقر لمخزون ثقافي متعدد المشارب والمنابع، وأكدت صالحة عبيد أن الغنى والتنوع في المشهد الحياتي المعاصر في الدولة خلق قاعدة جديدة من الكتاب والقراء الذين باتوا يبحثون عن نمط ثقافي يتلاءم مع نوعية ونمط الإيقاع البصري والسمعي المتسارع من حولهم، وبالتالي ــ كما أوضحت ــ ازدادت الهوة بين الكاتب النوعي والمستقل، وبين شريحة واسعة من القراء الباحثين عن الترفيه والتشويق اللحظي لا أكثر.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©