السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطين ما بعد العضوية الأممية

3 ديسمبر 2012
خالد الجندي مستشار سابق في مفاوضات الوضع الدائم مع إسرائيل بين 2004 و2009 فيما يُقلب سكان غزة بين ركام الدمار الذي خلفه الهجوم الإسرائيلي على القطاع طيلة ثمانية أيام من القصف المتواصل قبل إعلان الهدنة الأسبوع الماضي، ينقل الفلسطينيون أنظارهم إلى حدثين جديدين مثيرين للجدل برزا خلال الأسبوع الجاري. إذ في الوقت الذي كان فيه عباس يستعد لتقديم طلبه التاريخي بعضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، شرع العمال في نبش قبر عرفات لاستخراج عينات من رفاته، ورغم ما قد يبدو من انعدام الرابط بين توجه عباس إلى الأمم المتحدة واستخراج رفات عرفات، إلا أن الحدثين معاً يكشفان الكثير من الأمور حول القيادة الفلسطينية الحالية. فبعد أكثر من عام على تقدم عباس بطلب الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية إلى مجلس الأمن الدولي تعطل الطلب في دهاليز بيروقراطية الأمم المتحدة منذ ذلك الوقت. ومع أن عباس عاد مرة أخرى إلى الجمعية العامة لترقية وضع فلسطين إلى دولة مراقب غير عضو، وهذا ما تحقق قبل يومين. فبعدما رهن «عباس» مصيره السياسي بسفينة عملية السلام الغارقة التي ترعاها أميركا، لم يعد أمام رئيس السلطة الفلسطينية ملاذ آخر، ذلك أن عقدين من عملية السلام المتواصلة لم تفشل فقط في جلب الدولة الفلسطينية، بل كرست الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وأضعفت مؤسسات السلطة. وتركت الفلسطينيين أكثر انقساماً من أي وقت مضى، وجاءت أحداث غزة الأخيرة لتلقي الضوء على عجز عباس وتلاشي أهميته في القطاع وذلك في الوقت الذي تترنح فيه السلطة على حافة الانهيار المالي. فعباس عندما قدم إلى السلطة في يناير 2005 كان مصمماً على توحيد الفصائل الفلسطينية المتنازعة تحت قيادته وتأمين اتفاق سلام ينهي عقوداً طويلة من الصراع مع إسرائيل ويقيم دولة فلسطينية، لكن اليوم يرأس «عباس» حكومة فلسطينية منقسمة وغير فاعلة تضم غزة المدمرة، بسبب الحرب والفقر والبعيدة جغرافياً، والضفة الغربية التي احتُلت وقُسمت حتى لم يعد بالإمكان التعرف عليها. وكان بمقدور عباس التخفيف من الضرر الذي تعرضت له قيادته لو أنه نجح في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، الذي انقسم على نفسه منذ الحرب الأهلية القصيرة في 2007 ومكنت «حماس» من السيطرة على غزة فيما تواصل فتح غير المنتخبة إدارة الأمور في الضفة الغربية. ورغم الاتفاقيات العديدة التي وقعت بين الأطراف الفلسطينية لإقرار المصالحة التي كانت مطلباً فلسطينياً رئيسياً منذ اندلاع أحداث «الربيع العربي»، فإنها ظلت مجرد حبر على ورق. وبدلاً من ربط جميع الخيارات المطروحة مثل التفاوض مع إسرائيل والمصالحة الوطنية والبحث عن دولة في الأمم المتحدة ضمن استراتيجية متماسكة اختار عباس المراوحة بين الخيارات الثلاثة دون الالتزام بأي منها. بيد أن قرار التوجه إلى الأمم المتحدة ليس الحدث الوحيد على الساحة الفلسطينية، بل جاء في أعقاب قضية أخرى مثيرة للجدل، فقبل يومين فقط على ذهاب عباس إلى نيويورك كان العمال قد شرعوا في استخراج رفات عرفات لتحديد أسباب وفاته، علماً أن ما يربط الحدثين هو أكثر من مجرد التوقيت. ففي أواخر 2004 عندما كان عرفات محاصراً من قبل الجيش الإسرائيلي في مقر المقاطعة برام الله، أصيب فجأة بالمرض ليموت في السنة نفسها بأحد المستشفيات العسكرية الفرنسية، بحيث تحولت وفاة عرفات إلى موضوع تتقاذفه نظرية المؤامرة. وقد عاد الموضوع مجدداً إلى السطح بعد تحقيق قناة «الجزيرة»، الذي قال بأنه كشف دلائل جديدة تدعم رواية تسمم عرفات. وبالطبع أي تأكيد لتسمم عرفات سيؤجج جدلاً كبيراً ما دامت الشكوك ستتوجه إلى إسرائيل التي تجر وراءها سجلاً طويلًا في اغتيال القادة الفلسطينيين. ومهما يكن الموقف من عرفات كان الرجل رمزاً كبيراً باعتباره مهندس منظمة التحرير الفلسطينية وزعيماً سواء في السلام أو الحرب، لذا يحظى عرفات بتقدير فلسطيني كبير كونه عراب الحركة الوطنية الفلسطينية، والأهم من ذلك أن استخراج رفات عرفات وتحمس الفلسطينيين لذلك هو في حد ذاته حديث عن رئيس السلطة الفلسطينية الحالي بما ينطوي عليه الحدث من حنين واضح للقيادة السابقة، والحقيقة أن الفارق بين القيادتين يصعب تجاهله، فعرفات الذي غاب عن الساحة ما زال إرثه حياً ومستمراً، فرغم كراهية إسرائيل والولايات المتحدة له، إلا أنه كان محط إعجاب وحب الفلسطينيين، الأمر الذي لا ينطبق على عباس، إذ رغم اعتدال عباس ومقبوليته لدى إسرائيل والمجتمع الدولي، لا يوجد في جعبته ما يقدمه كإنجازات لحكمه عدا سلسلة من المفاوضات، وسلطة محدودة، وانقسام غير مسبوق في الحركة الوطنية الفلسطينية. لذا تبقى الورقة الوحيدة المتاحة أمام عباس هي الأمم المتحدة؛ وكما يقول المقربون منه، لم يعد من خيار أمام رئيس السلطة الفلسطينية سوى التوجه إلى الجمعية العامة، أو الذهاب إلى البيت، واليوم وبعد التصويت على قرار انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة كدولة مراقب بأغلبية كبيرة في الجمعية العامة، يواجه عباس تهديدات أميركية وإسرائيلية بمعاقبة السلطة، وهو ما يهدد بانهيارها ومن ثم القضاء على حل الدولتين. وبالطبع يمكن قراءة توجه عباس إلى الأمم المتحدة على أنه محاولة لإنقاذ تركته بنفس قدر إنقاذ حل الدولتين، وبإصرارهما على حرمانه من تلك التركة تجازف الولايات المتحدة وإسرائيل ليس فقط بإضعاف عباس، بل بنسف إمكانية الوصول إلى حل الدولتين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©