الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفنون تجتمع في بلاط ملوك الدولة الإسلامية

الفنون تجتمع في بلاط ملوك الدولة الإسلامية
13 ديسمبر 2013 20:13
حفل بلاط كل دولة من دول الحكم الإسلامي بجملة من الأنشطة التقليدية، التي اعتبرت من الرسوم الدالة على قوة الدولة وأبهتها وثرائها. ووردت في المصادر التاريخية عبارات تحمل قدرا كبيرا من التنميق اللغوي والمبالغات، عما كان يشهده بلاط هذه الدول من مجالس العلم والحفلات الموسيقية والاستقبالات الرسمية وما كان يجري من مجالس العلم والترفيه، وما يقوم به رجال الحكم من رحلات للصيد والقنص. حفلت منتجات الفنون التطبيقية بمناظر تصور أنشطة البلاط أشهرها مناظر الصيد البري ومجالس الطرب الخاصة بالحكام ولحقت بها، أيضا المخطوطات المصورة التي حفلت بصور تعكس ما يجري بالبلاط حتى لو تناولت حوادث تاريخية أقدم، فإن المصور يقوم برسمها وفقا لما يراه في بلاط الحكم في عصره. وهو ما نراه في صورة من مخطوط من كتاب الشاهناما تصور السلطان محمود الغزنوي، وهو يشجع الشاعر الفردوسي على استكمال أبيات الشاهناما إذ نجد أن الصور تعبر عن ملابس رجال البلاط الصفوي وما كان يشهده من مجالس. مشاهد من الحياة ظل الأمر على ذلك المنوال إلى أن لجأ بلاط العثمانيين في إسطنبول وبلاط مغول الهند في دهلي وأجرا إلى اعتماد طريقة منتظمة لتسجيل أنشطة البلاط المختلفة، تمثلت في مخطوطات عثمانية خاصة بالاحتفالات تعرف المخطوطة منها باسم السورنامه، وظهرت في الهند على هيئة صور أو لوحات تسجيلية مصورة تجمع في ألبومات خاصة بالأباطرة. وإذا كانت خزائن العثمانيين في طوبقابي سراي تحتفظ بتلك المخطوطات، وأشهرها سورنامه وهبي فإن لوحات ألبومات أباطرة المغول قد فرقتها أيدي تجار العاديات بين متاحف أوروبا وأميركا، التي تعرض بعض الصور الخاصة ببلاط المغول التي يحتفظ بها متحف الفن الإسلامي ببرلين. ومن أقدم هذه الصور المغولية واحدة تمثل بلاط الإمبراطور جلال الدين أكبر، وهو يتشاور مع رجال دولته مستعرضا تقارير بعضهم، ويبدو واضحا أن السلطان كان يعقد جلساته النهارية خلال أيام الصيف بحديقة القصر أسفل مظلة خاصة، فيما يقف خلف الإمبراطور الشاب من يقوم بدفع الهوام بعيداً عنه، مستخدما قطعة من قماش الحرير المزخرف، بينما يقوم أحد الخدم بتقديم قوارير تحتوي غالبا على ماء الورد الذي كان يستخدمه الإمبراطور بين الفينة والأخرى ليحافظ على انتعاشه بقيظ الصيف، وفي أسفل الصورة نلمح بعضا من مظاهر بلاط أكبر ومنها قيام شخص بأسفل يمين الصورة بتجهيز الأشربة وأمامه عبر فوارة ماء موسيقيان يعزف أحدهما على آلة وترية تشبه القانون والآخر يعزف بالمزمار بينما يقف آخران خلفهما في هيئة المنشدين. ولما كانت الصورة تمثل لوحة مستقلة بغرض ضمها لألبوم أكبر فقد عني الفنان بإطارها الزخرفي الفخم فجعل حول الصورة إطارا ضيقاً به زخارف من أوراق نباتية على أرضية حمراء، وإطارا مماثلا بنهاية الورقة بينما الإطار العريض بينهما حافل بالزخارف النباتية المرسومة على أرضية باللون الأزرق. حادثة تاريخية من عصر الإمبراطور شاه جيهان توجد صور عدة معبرة عن أنشطة بلاطه منها واحدة تمثل خضوع أحد الحكام الهندوكيين له، وتسجل الصورة حادثة تاريخية بعينها ضمن معارك شاه جيهان لإخضاع أمراء الهند لسلطانه؛ فبعد معركة هزم فيها هذا الأمير الذي رسم ببشرة داكنة، وهو ينحني أمام الإمبراطور ضربت خيمة بالخلاء جلس تحتها شاه جيهان، بينما يحيط به حراسه من جهة اليسار في صفوف متتالية حاملين أسلحتهم المختلفة، وفي يسار الصورة كبار رجال الدولة وكما هي العادة وقف شخص خلف الإمبراطور حاملا ريش النعام ليذب عنه الهوام. ومن أجمل التعبيرات التي حرص المصور على توضيحها أن خضوع الأمير الهندوكي لشاه جيهان لم يكن يستوجب الركوع أمام الإمبراطور أو حتى تقبيل يده وإنما فقط طرف ثوبه. وقد احتوت ألبومات شاه جيهان عدة صور لأبنائه منها واحدة تمثل ابنه خسرو، وهو يشاهد صراع الديكة قبل أن يقوم السلطان بمعاقبته جزاء تمرده عليه، وواحدة أخرى لابنه دارا شكوا وهو يمتطي فيلا أبيض نادرا، وكان ولي العهد يفضل دائما ركوب الفيلة في المواكب بحيث يعلو حشود العامة، ويتراءى لهم من على البعد ليتعرفوا عليه بوصفه صاحب الجلالة القادم. وقد سجل بالمداد الأحمر على تلك الصورة أنها تمثل فيلا أبيض يمتطيه الأمير دارا شوكوا، وقد صبغ الفيل الأبيض بلون قرنفلي وزين بكثير من الحلي، بينما يظهر الأمير فوقه وقد اعتمر عمامة ملوكية وتاجا من الأحجار الكريمة. وكان بلاط أباطرة المغول بالهند حريصا على تزويد إسطبلاته الخاصة بالفيلة بيضاء اللون التي كانت معروفة في شمال شرق الهند وحسب الروايات التاريخية، فإن هذا الفيل بالذات قد وصلت قيمته إلى نصف مليون درهم فضي. تسجيل مناظر حرص أباطرة المغول على تسجيل مناظر مختلفة للصيد البري الذي كان يعد نشاطا ملكيا محببا لأصحاب العروش في الشرق والغرب على حد سواء. ومن أجمل الصور التي رسمت لوحة مفردة تصور الإمبراطور أورانكزيب وهو يصوب ببندقيته على الغزلان، ويجلس السلطان على سجادة صغيرة الحجم بأحد المروج واضعا أصبعه على زناد البندقية، التي ترتكز ماسورتها الطويلة على أكتاف مساعديه، ويظهر خلفه مباشرة أحد أبنائه يجهز بندقية ثانية للرمي، وفي خلفية الصورة خيول وفيلة لحاشية أورانكزيب. وتبين الصورة الكيفية التي كان يصطاد بها أباطرة المغول الغزلان، وتتلخص في قيام الصيادين بربط حيوانات الماعز الجبلية الأليفة إلى الأشجار كطعم للغزلان، التي تقبل بأعداد كبيرة غير منتبهة للفخ المنصوب لها، وتجمع حول الماعز لتفاجئها طلقات الرصاص الملكي. وتمتاز اللوحة بإطارات زخرفية تحتوي على رسوم زهور في شريط عريض له أرضية زرقاء، وعلى جانبيه شريطان ضيقان بهما رسوم نباتية على أرضية حمراء. ومن المعروف أن الغزلان التي يتم اصطيادها كانت لحومها ترسل إلى أقرب مزار ديني لإطعام الزوار والضيوف في بلد كان أهله من الهندوس يمتنعون عن أكل لحوم الأبقار. وتناولت صور الألبومات الخاصة بالأباطرة أيضا توضيحات لما كانت تحتويه القصور من حدائق صغيرة للحيوانات؛ فنرى في بعضها رسوما لأسود وأخرى لغزلان، فضلا عن رسوم للعشرات من الطيور النادرة التي كان يقتنيها الأباطرة. وهذه التقاليد الراسخة في بلاط مغول الهند انتقلت أيضا للممالك الصغيرة المحيطة بالدولة المغولية والمعروفة بملوك الطوائف، ومنها بلاط دولة العادل شاهات في بيجابور قبل أن يسقطها الإمبراطور أورانكزيب في قبضته. سيدات القصور لم تخل ألبومات أباطرة المغول من صور لسيدات البلاط وحياتهن المترفة، فنرى في واحدة منها سيدة تجلس مرتدية الجواهر الثمينة وأمامها خادمة ممسكة بقنينة بيضاء تصب منها الشراب في كأس تناوله للأميرة، بينما تقوم اثنتان من الجواري بأنشطة معتادة في البلاط فالتي على يمين الصورة تعزف على آلة وترية طويلة العنق، بينما تقوم الأخرى بصب الشراب في كأس. وتظهر ذات الآلة الموسيقية في صورة أخرى لسيدات البلاط مع جارية في يمين الصورة بينما تقوم الخادمة بتقديم بعض الفواكه والشراب للأميرة، وفي الخلف جاريتان تحملان الزهور والمنظر كله تجري وقائعه في حديقة القصر الغناء.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©