الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أخلاق «التورنت»

أخلاق «التورنت»
13 ديسمبر 2013 20:17
لا أتحدث هنا عن القرصنة، فقد حاولت جاهداً ألا أحمّل إلا تلك الأفلام التي يستحيل أن تراها في التلفزيون أو تبتاعها. عندما تسمع عن فيلم «المدرعة بوتمكين» الذي أنتج عام 1925 ولا يمكن أن تراه معروضاً في أي مكان، فإن السبيل الوحيد لرؤيته هو أن تحمّله من الإنترنت. هكذا اكتشفت أن هناك عدداً هائلاً من الأفلام النادرة التي يمكنك أن تراها.. بالطبع لم أحاول تحميل أفلام حديثة أو متوافرة في السوق، لأن هذا ببساطة ذبح للدجاجة التي تبيض ذهباً.. تدمير لصناعة السينما بلا شك. وأنت تعرف ما يحدث اليوم، عندما يكتشف منتج الفيلم أن كل شاب لديه نسخة من فيلمه على جهاز الكمبيوتر، قبل أن يعرض الفيلم بشهر كامل! تعلمت الطريقة من صديق لي، وبدأت في تجربتها.. لو لم تكن تعرف طريقة التحميل بالتورنت، فلتعرف أن هناك من يضع الفيلم على الإنترنت على شكل ما يسمى «تورنت»، ويقوم عدد من المستعملين في كل مكان من العالم بالتحميل. الفكرة هنا تكافلية تماماً لأنك تأخذ أجزاء من الفيلم من واحد ياباني مثلاً، وهو يأخذ أجزاء أخرى منك.. من يقوم بتحميل 100% من الفيلم يسمى «بذرة» أو Seed وعليه أن يبقى على الإنترنت لفترة حتى يقوم الآخرون بالتحميل منه.. إنه كالقطة التي تنام على جنبها تاركة الهرر الصغيرة ترضع منها.. التورنت الموجود بينما لم يحمّل أي واحد 100% منه، هو تورنت محكوم عليه بالموت.. تورنت انتهى أمره.. بضعة أيام ثم يختفي ويُنسى، لهذا يكتب كثير ممن يضعون التورنت على النت مذكرة قصيرة تقول: «فكر في الآخرين ولا تكن جحشاً». هناك كذلك تورنتات لها بذور فعلاً.. لكنها ليست كثيرة.. يعني التورنت قد يعتمد بالكامل على رحمة شخص واحد قد يمل اللعبة ويرحل في أي لحظة.. بينما هناك تورنتات مليئة بالبذور.. لو ذهب مئة واحد فلسوف يبقى عدد هائل. هذا هو حال الأفلام الجديدة غالباً، وكما قلت فأنا لا أحمّلها.. أنا أدمن التورنتات المنسية العتيقة التي لا يحملها سوى شخص أو اثنين. هنا يمكنني كتابة عدة كتب عن سلوك الحضارات.. من الظريف أن ترى أن هناك من يحمّل في هذه اللحظة في إيطاليا مثلاً. لابد أنه يلتهم البيتزا واللازانيا ثم يشرب كأساً من النبيذ، ثم يطلق السباب وينهض. هناك من يحمّل في هذه اللحظة في الأرجنتين.. يحتسي التاكيلا ويلتهم شطيرة من اللحم ثم يشعل سيجاراً غليظاً. ذات مرة لم يكن هناك واحد سواي وواحد ياباني، وقد أتم هو 100% من الملف بينما كنت أحمّل أنا.. هكذا صار هو أملي الوحيد.. لو أغلق جهاز الكمبيوتر وانصرف لضاعت فرصتي في التحميل للأبد. ما حدث هو أنه ظل فاتحاً جهاز الكمبيوتر يومين متواصلين إلى أن قمت باستكمال الفيلم. فلو كانت هناك طريقة للاتصال بيننا لأرسلت له برقية شكر على تحضره وصبره. يمكنني رؤيته يحني رأسه ويقول: «سايونارا أيها الرفيق.. كانت صحبتك ممتعة» جربت نفس الشيء مع الأميركيين. رغم أنهم لا يكفون عن أكل الهامبرجر والبطاطس واحتساء المشروبات أثناء التحميل، فهم أشخاص شديدو الظرف. العرب والهنود يتصرفون بطريقة مختلفة.. عندما ينتهي أحدهم من التحميل يكتفي ويغلق الكمبيوتر على الفور، لتكتشف أنك واقف وحدك ولا تحمّل أي شيء.. تفكيرهم عملي جداً.. مصلحتي أولاًَ وبعدها فليذهب الباقون للجحيم.. الإيطاليون كذلك يحمّلون ما يريدون ثم يغلقون الكمبيوتر ويرحلون. كان ابني المراهق يحمّل أحد تلك الأفلام ذات البذور النادرة.. كان هناك مستخدم من روسيا ومستخدم من الدانمارك، ومستخدم من إنجلترا استطاع تحميل 100% ولحقنا نحن به.. ثم اختفى.. لابد أنه كان وغداً.. وهكذا اكتشفت أنني أنا الوحيد الذي يسيطر على مصائر هؤلاء.. أنا الوحيد الذي يملك الملف كاملاً.. أنا البذرة! هكذا ظللت صامداً إلى أن يفرغ الروسي والدانماركي من التحميل. انتظرت نصف يوم ثم خرجت لبعض شأني وعدت للبيـت، فاكتشفت أن ابني أغلق الكمبيوتر. جن جنوني واتهمته بالأنانية وعدم التحضر.. كان عليه أن ينتظر.. قال ابني في كياسة: «لا تنس أننا بصدد عملية قرصنة.. عملية غير أخلاقية أصلاً، فلا معنى لأخلاق الفرسان والإيثار والتضحية.. هذه عملية سرقة!» بدا لي كلامه منطقياً فعلاً.. ما معنى أن يتبادل اللصوص الإتيكيت، أو يظهر السفاحون فضيلة الإيثار، أو يظهر القتلة رقياً في الإمساك بالسكين؟.. لكنها الحقيقة.. كل طبقة في العالم لها تقاليدها، ولا شك أن طبقة قراصنة النت صار لها الأتيكيت الخاص بها. هذه نبذة قصيرة عن أخلاق التورنت.. ربما أقدم لك المزيد فيما بعد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©