الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حينما ينام العقل تصحو الشياطين

حينما ينام العقل تصحو الشياطين
27 ديسمبر 2015 21:43
محمد عبدالسميع (أبوظبي) ضمن فعاليات المؤتمر العام السادس والعشرين للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب عقدت أمس الأول الجلسة الثانية لندوة «أزمة المفاهيم حول الحريات وحقوق الإنسان» بقاعة الماس بفندق روتانا بيتش أبوظبي بمشاركة: الناقد الباحث علي حسن الفواز (العراق)، والأكاديمي د. مسعود عمشوش (اليمن). وأدار الجلسة الكاتب عبدالفتاح صبري. تناول الفواز في ورقته موضوع «الحريات وحقوق الإنسان الثقافية، السلطة وأزمة تداول المفاهيم»، أشار فيها إلى أن حديث المثقفين عن حقوق الإنسان سيظل مشغلا ثقافيا أكثر من كونه مشغلًا حقوقياً. وأن الربيع العربي كشف حجم الهشاشة التي يتكئ عليها المثقف العربي. وأن المثقفين غير قادرين على حماية الثورات وبالتالي سرقت الثورات وتحولت إلى ما نراه الآن. وأوضح أن أزمة المفاهيم في مجال الحريات حقوق الإنسان تعكس إشكالات وعيها، وهشاشة نظامها المؤسسي، وغياب آليات تنظيمها وقوننتها في النظام السياسي. وذكر إن العلاقة ما بين الحرية والوجود، هي ذاتها العلاقة ما بين الحرية والإنسان، لأن الإنسان هو جوهر هذا الوجود أولا، وهو مصدره وغايته ثانيا، لكن هذه العلاقة تظل ملتبسة وغائمة إن فقدت أطرها القانونية والأخلاقية. وأوضح أن النظرة التاريخية لمفاهيم الحقوق والحريات ارتبطت بحراك فكري وبمعطيات ثقافية واسعة، وعبر مواجهات وصراعات واجهت تحدياتها الكثير من الحضارات الإنسانية وذلك ضمن منظور الصيرورة والتحول في سياق التاريخ. كما أن تاريخ حقوق الإنسان في التاريخ العربي ارتبط أيضا بأعراف الأمة، وبالنظام القبلي الأخلاقي بقيمه وأعرافه، وبطبيعة منظورها الثقافي والاجتماعي لإجراءاته في البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، كما أن النظرة الاستشرافية للدين الإسلامي وتوصيفها لمفهوم الحقوق وحريات التنوع الثقافي أكدت عمق النظرة الأخلاقية والشرعية للقرآن الكريم، وارتباط الرسالة الإسلامية بجوهر القيم الإنسانية والثقافية. وأشار إلى أن هذه المعطيات التاريخية والروحية عززت إلى حد كبير أهمية التعرّف على المواثيق والمعاهدات التي تخص حقوق الإنسان وشرعيتها وقيمتها، مثلما أبرزت أهمية التعرّف على تاريخ الثقافات والحضارات الإنسانية، وما شرعنته الأديان السماوية والفلسفات من حقوق ومعارف عظمّت معنى الوجود الإنساني. وذكر أن ما تعيشه اليوم مجتمعاتنا العربية يعكس الكثير من تلك التحديات، وما تعيشه من صراعات ظلت مصدرا للعزل عن مسار الحضارة الإنسانية، ولصناعة العديد من النظم السياسية ذات التوجهات الاستبدادية، والتي يتعرض فيها المواطنون للكثير من إجراءات المهدِدة للحقوق الثقافية والهوياتية للمكونات الأثنية والدينية. وأكد أن النظرة السياسية القاصرة هي المسؤولة عن صناعة الكثير من التشوهات في النظام الثقافي والحقوقي العربي. وأضاف: لابد أن ندرك أنه حينما ينام العقل تصحو الشياطين، ومن أجل أن نوقظ العقل هناك مجموعة من الإجراءات يجب أن نتبعها ونفعلها، منها ما يتعلق بالتعليم وتعزيز القيمة التعليمية لتتحول لدرس ثقافي لمواجهة هذا العنف، التعليم رافد مهم في التحول الاجتماعي والثقافي والسياسي. أيضاً توجيه مسارات التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والتي تحتاج إلى مجموعة من القوانين لوضعها في الإطار الصحيح. وإعادة تشكيل الخطاب الإعلامي، إضافة إلى إعادة توصيف بعض القضايا التي تتعلق بمفهوم الحقوق، وإعادة توصيف للنخب الثقافية وخلق ثقافة التعدد والحوار، وإيجاد ديمقراطية تفاعلية، ودور حقيقي للاتحاد العام للأدباء من خلال جامعة الدول العربية. والأهم أن يصبح رأس المال العربي فاعلًا في تعزيز التنمية على كافة مستوياتها. وتابع: لم يعد هناك فصل بين ماهو سياسي وما هو ثقافي وعلى المثقف أن يعيد إنتاج مفهوم الثورة، ونقد العقل العربي، ونقد المؤسسات الفكرية، والسلطة، والمؤسسات التعليمية والأكاديميات فهي كلها كانت سبب في ضياعنا القومي ومن ثم الحقوقي. المعركة بيننا وبين الإرهاب والاستبداد معركة ثقافية بالأساس لا سيما أن الإرهاب أصبح قوى سياسية. من جهته تناول دكتور عمشوش موضوع «المفاهيم الفرنسية لحقوق الإنسان والحريات العامة ومدى تطبيقها تجاه العرب» مشيراً إلى أن معظم الأسس التي قامت عليها الحضارات القديمة، والمبادئ التي جاءت بها الأديان السماوية، وفي مقدمتها ديننا الإسلامي الحنيف، تؤكد على ضرورة احترام الحقوق الطبيعية للإنسان وحرياته العامة التي تضمنها له مختلف الأعراف والقوانين. موضحاً أن: مفاهيم الحقوق والحريات، التي تمّ إقرارها في الدساتير ولوائح المنظمات الدولية في مرحلة كانت معظم شعوب الشرق والدول النامية تخضع سياسياً وعسكرياً لهيمنة الغرب هي في الحقيقة صناعة غربية شارك الفرنسيون كثيراً في صياغتها وقولبتها وتحويرها وفق تطور معتقداتهم ورؤاهم ومصالحهم الاقتصادية والسياسية. وقال: إذا كانت حقوق الإنسان يمكن أن تكون ذات أبعاد عالمية فمحتوى مفهوم الحريات العامة، المرتبطة بالقوانين التي تضمنها، يمكن أن يتغير وفق القوانين التي تضعها كل دولة لتحديد تلك الحريات وطرق حمايتها. وأضاف: أن الصياغة الفرنسية الأولى لمفاهيم الحقوق والحريات كانت إفرازاً للظروف الخاصة التي أحاطت بظهورها في فرنسا والغرب بشكل عام، وإنها قد استبعدت في الغالب الخصوصيات الحضارية والعقائدية التي تقع خارج دائرة الحضارة والمصالح الغربية. وأن تلك المفاهيم التي تضمنتها الدساتير والإعلانات الفرنسية قد ظلت في كثير من الأحيان بعيدة عن التطبيق، لا سيما حينما يتعلق الأمر بحقوق العرب في فرنسا نفسها، أو في بعض مناطق الوطن العربي كالجزائر وبلاد الشام. وأكد أن الجانب الأهم من الأزمة التي تمر بها الحقوق والحريات ليست دائما أزمة في المفاهيم المدونة في دساتير الدول الغربية ولوائح المنظمات الدولية، وإنما في التحوير الدائم من قبل الغربيين لتلك المفاهيم عند الممارسة، وذلك بطرق تسمح لهم استخدامها وفق تطور مصالحهم الاقتصادية والسياسية في العالم، إلى درجة أنهم لا يترددون في جعل تلك حقوق الإنسان وحرياته العامة وسائل لممارسة الابتزاز والضغط على كثير من الدول الصغيرة والكبيرة، في الوقت الذي يسكتون فيه على ما يقومون به هم وما تقوم به ممثلتهم في أرض العرب: إسرائيل. وأشار إلى أن طريقة تعامل فرنسا قانونيا مع بعض رموز الدين الإسلامي، وعقب أحداث الاعتداء على صحيفة (شارلي إيبدو) في باريس في يناير 2015، أدت إلى زيادة ظاهرة (الإسلاموفوبيا) في فرنسا.. وأضاف: الأزمة الراهنة لحقوق الإنسان والحريات العامة ليس في بعدها الإبيستومولجي المفهومي، بل في الهوة الكبيرة بين نصوص الدساتير والأنظمة واللوائح التي تتضمن تلك الحقوق والحريات وبين طرق ممارستها وتطبيقها من قبل الدول الكبيرة والصغيرة. واختتم ولا شك أن التطبيق المزدوج والمتحيّز لنصوص حقوق الإنسان والحريات العامة من قبل فرنسا يسلب تلك النصوص مصداقيتها، ويجعلها مجرد أدوات إيديولوجية. لكن ذلك لا يلغي حاجتنا لتلك النصوص التي ينبغي أن تظل قائمة بأبعادها العالمية بهدف الحفاظ على السلم المحلي والعالمي. فمن المؤكد أن «التناقض بين الخطاب والممارسة، وبين الشعار والواقع في التجربة الأوروبية لا يلغي البعد الكوني لمفهوم حقوق الإنسان. وأشارت المداخلات التي أعقبت الندوة إلى: ضرورة المشاركة في حل القضايا المجتمعية وعدم ترك الساحة للمؤسسات الدينية والسياسية في التعامل مع المواقف والقضايا. وأيضاً علينا أن نقف على بوابة الواجبات مثلما نقف على بوابة الحقوق. والحذر قبل أن نستخدم مفاهيم الخصوصية، والاعتراف بأن الأزمة في العالم العربي ليست أزمة سياسية ولكنها أيضاً أزمة مثقفين في الأساس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©