الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيف نتعامل مع السيرة النبوية؟

27 ديسمبر 2015 21:49
في شهر ربيع الأول من كل عام هجري، يشهد العالم الإسلامي الكثير من البرامج المنوعة للاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف، حيث يتبارى الوعاظ في إلقاء الخطب بالمساجد والمراكز الدينية والنوادي الأدبية والثقافية لتذكير الجماهير الحاشدة من المسلمين بمكانة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وشمائله الكريمة، وبما يجب عليهم تجاهه من محبة وتوقير وطاعة.. الخ.. وتدبج أقلام الأدباء أروع المقالات وتتفتق قرائح الشعراء عن أرق القصائد في مديح الرسول، تزدان بها صفحات أو ملاحق خاصة من الجرائد والمجلات بهدف إتحاف القراء في هذه المناسبة العزيزة بباقة من أبرز جوانب العظمة في شخصية الرسول الفذة. وربما لا يختلف اثنان على أن الهدف الرئيس من الاحتفاء بمناسبة المولد النبوي الشريف هو التنويه بضرورة تجديد إيمانه بالله وعهده باتباع الرسول، مشفوعاً بالسعي الجاد إلى إعادة هندسة ذاته فكراً وسلوكاً على طراز أسوته الحسنة، حتى تشع حياته نوراً وهدى ورحمةً وسلاماً لكل ما حوله، ولمن يتعايش معه تماماً كما كانت حياة الرسول الأكرم وصحابته الكرام. إن «الشخصية المحمدية» نجحت منذ ما يربو على 14 قرناً بدرجة غير مسبوقة وخارقة للعادة في كافة المجالات المادية والمعنوية، إذ تحولت جزيرة العرب بقوة أفكارها وأقوالها وأفعالها إلى «مصنع الأبطال» على حد تعبير المستشرق فيليب حِتّي، وتحول أتباعها من «رعاة الإبل» إلى «بناة حضارة إنسانية عالمية» سادت وقادت معظم شعوب الأرض قرابة ألف عام أو أكثر، لِم لم تعد هذه السيرة تلهم اليوم أتباعها المتجاوز عددهم المليار نسمة بما يرفعهم فكراً ويميزهم سلوكاً عن غيرهم ويجعلهم سباقين إلى فعل الخيرات وصنع أنبل البطولات مثل أسلافهم؟! إن السبب وراء هذا البون الشاسع بين «الأمس» و«اليوم» يرجع في رأيي إلى أن غالبية المسلمين بعد خير القرون الأولى تناولوا السيرة النبوية بمنظار «العظمة المحمدية» التي صارت من الحقائق المسلم بها لدى كل المؤرخين.. إذ يبدو وكأنهم بمجرد حكم الانتماء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، باتوا يعتبرون أنفسهم، بوعي أو دون وعي، ورثة كل أمجاده ومنجزاته العظيمة كما لو كانوا هم شركاء فاعلين فيها وبهذا المنظار الذهني، أصبح التفنن في الحديث عن «عظمة الشخصية المحمدية» في شتى المناسبات، يعطيهم كأمة شعوراً «مخدّراً» بالتفوق على الشعوب والأمم المتقدمة فعلاً في معترك الحياة الحقيقي.. ما جعل منهم في الأعم الأغلب أمة خاملة قولها أكثر من فعلها وأملها أكبر من عملها وأمانيها أضخم من مساعيها وتلك هي الحالة النفسية التي وصف الله أصحابها في القرآن الكريم بقوله: (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا...)، «سورة آل عمران، الآية 188». أبو صالح أنيس لقمان الندوي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©