الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

دمـاء في الوادي

دمـاء في الوادي
1 فبراير 2015 00:35
السيد حسن (الفجيرة) تسللا من بار الفندق متخفيين، وهما يمعنان التفكير، بما انتهت إليه ملذتهما الشخصية، بعد نفور الغواني من حولهما، وتركهما تائهين في سُكرى لحظتهما، مغيبان عن واقعهما الرديء وممسكان بشهوات لا حياة لهما فيها، بخلو جيبوهما من نقود بخسة تصرف في لهو ولعب الحياة.. إذ لا تزال الساعة الثامنة مساء والليل يتراخى أمامهما وقد ملأ سواده عقليهما ليطمس على بصيرتيهما، فيما اكتوى العقل بالمشروبات ولم يعد بعد هناك مكان لنور قد يسطع.. والنفوس غوتها جمال الحسناوات.. نفدت النقود منهما، ولكن لم تنفد المتع بعد، يشير أحدهما بيده المرتجفة من برد الشتاء، وقد لاذا في فناء الفندق، إلى سيارة الأجرة القادمة من الناحية الأخرى للطريق، وفي نفسهما حيرة من أمرهما، وتساؤلات عن باب لجلب المال، والعودة لقضاء أوقات أخرى في مراقص الفندق وأخذ كأس المشروب والخلود بالذهن لراحة مؤقتة، لا تحمد عقباها دائماً.. تقف السيارة ويترجل منها سائق متوسط القامة ومبتسم الوجه محيياً الشابين كعادته مع زبائنه، ويطلب منهما الصعود لإيصالهما إلى وجهتهما المفروضة.. وقد أذن للسائق بالتحرك وهو لا يعلم أي جهة يريدها الشابان.. يعود السائق ويلتفت بين الفينة والأخرى لهما في الكرسي الخلفي، سائلاً: إلى أين يا شباب؟ ولكن ما من مجيب، سوى أزيز محرك السيارة وإطاراتها تحك الأرض وصوت الهواء يلفح أطرافها، وداخلها يسود صمت طويل.. ويسأل السائق مرة واثنتين وثلاثاً: إلى أين الشباب؟، يهز أحدهما بإصبعه إلى مسافي.. تغير السيارة اتجاهها من شارع حمد بن عبد الله إلى شارع مكتوم بن راشد، حيث الطريق إلى مسافي، وفي الطريق لا شيء يبدو غريباً.. راكبان وسائق ومذياع السيارة يطلق أغانيه المسائية، فلا غريب هنا سوى الصمت الطويل، فالسائق معتاد على مثل هذه الطلبات، والطريق قد خبرها سهلة جداً، وما من قلق يعتريه، فالبلد آمنة ومستقرة، والجميع ينعمون فيها بالخير الوفير، إلا أن عقلي الشابين كانا يلهثان من شدة التفكير وأي حماقة يدبرانها، فلم ينطقا بكلمة واحدة أمام السائق، ونظراتهما المتبادلة بعيون جاحظة قد استقرت على أمر ما... عندئذ كان «التاكسي» قد قطع مجمّع الكليات على شارع مكتوم، وباتت الوجهة تقترب من مسافي، ليكسر الصمت صوت من الخلف «أدخل هنا لو سمحت»، فتمهل السائق ودخل طواعية، إلى طريق ترابية في وادٍ حالك الظلام، والسيارة تهتز على وقع الصخور المتناثرة على جانبي وادي «يبسه» الممتد، وما إنْ اختفت السيارة تحت جنح الليل حتى وجد السائق يداً تطوّق عنقه، وهي تحاول جاهدة ربطها بحزام الأمان الخاص به، ثم ركض من الخلف الشاب الآخر وأمسك بيديه سكيناً -كان قد أخفاه في ملابسه- ووجه طعنة إلى صدر السائق، مسدداً طعنة تلو الأخرى في بطنه وصدره حتى تركه جثة هامدة.. تنزف منها الدماء.. فزع الشابان من فعلتهما ولم يعتبرا، فبحثا عن نقود في السيارة وفي جيوب الضحية فلم يجدا إلا سبعين درهماً فقط.. لم يصدق القاتلان ما بيدهما، سبعون درهماً، حصيلة لبشاعة ما اقترفت أيديهما.. ماذا الآن؟ يتذمران فيما بينهما، وقد أسند أحدهم ظهره للسيارة والدماء تملأ المكان.. فالجثة لا تزال ساخنة لكن لا نبض فيها ولا حياة، وقد دس الآخر في جيبه ثمن الجريمة دراهم معدودات ممزوجة بدماء سائق بريء كان يبحث عن رزقه حينما قتل بدم بارد في الوادي المظلم.. هرب الشابان وتركا مكان الجريمة، والأرض لم ترتو بعد من دماء السائق، وآوى كل منهما إلى بيته يلاحقهما ذنب ليس بعده ذنب.. وفي ظنهما أنه الضمير وقد يخفت بعد حين، إلا أنه سرعان ما تبدد الوهم عندما داهمت شرطة الفجيرة بيتيهما وألقت القبض عليهما، وأمام النيابة العامة اعترفا بملابسات الجريمة التي ارتكباها في حق السائق..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©