الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"كاميرات الوب" وسيلة لاستغلال الأطفال

"كاميرات الوب" وسيلة لاستغلال الأطفال
31 مايو 2007 22:23
الانترنت سلاح ذو حدين حقا، وهي بحر المعلومات الذي لا ينضب إن أحسن استخدامها، وهي مصدر فساد ودمار خلقي واجتماعي إن أسيئ استخدامها· في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الاميركية تجربة حقيقة لطفل وقع ضحية الكبار الذين جروه إلى عالمهم الدنيء، ولكن هذا الطفل كان الوسيلة التي استطاع من خلالها المحققون ورجال مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي، القبض على عصابات من المتاجرين بأجساد الأطفال· أما الطفل نفسه، فقد أخذ يستعيد صحته النفسية، والبدء من جديد في بناء حياته ومستقبله· كان عمره 13 عاما فقط، حينما دهش ''جستين بيري'' بشبكة الانترنت التي من خلالها استطاع كسب مئات الآلاف من الدولارات صدفة، ولكن الصدفة لم تكن بريئة· قبل ذلك بأسابيع قليلة، اشترى ''جستين'' كاميرا وب، وربطها بالكمبيوتر، آملا أن يلتقي من خلالها بأصدقاء في مثل سنه، ولكنه بدلا من ذلك، لم يستطع الاتصال والدردشة إلا مع رجال يكبرونه سنا بكثير، فوجدوا في صورته المنقولة عبر الانترنت وسيلة دنيئة، ولكنهم كانوا في البداية بالنسبة إليه، بمثابة الأصدقاء الذين أمطروه بعبارات الإطراء والهدايا· قصة ''جستين'' السوداء هذه، هي واحدة من القصص الأخرى التي لعبت فيها التكنولوجيا لعبتها· فهناك العديد غيره من المراهقين القصر الذين يفترض فيهم أن يكونوا تحت وصاية الكبار، ولكنهم أصبحوا ضحايا المواقع الخطرة التي تغريهم بالمال، وتنشر صورهم الخاصة على الانترنت· إنهم يقومون بذلك، وهم يعيشون في كنف أهاليهم الذين لم ينتبهوا لأطفالهم المدمنين على الإنترنت، بعد أن أوصدوا أبواب حجراتهم ليلا· خلال ستة شهور من التحقيقات التي قامت بها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، اكتشفت بأن تلك المواقع الإباحية قد انتشرت بشكل كبير دون أن تنتبه لها الجهات القضائية أو منظمات حماية الصغار في الولايات المتحدة الأميركية· وبينما يقول ناشطون في هذه المنظمات بأنهم شهدوا طوفانا من الصور الإباحية المحرمة الملتقطة بكاميرات الوب، فإنهم لم يكونوا على علم بالتطور الهائل في المواقع التي يبيع فيها الصغار صورهم مقابل المال· رغم ذلك فإن عالم ''إباحية الأطفال'' ليس معروفا تماما، لأنه ملفوف بالسرية المطلقة، ولكن إحدى البوابات الالكترونية التي تسوق لمواقع ''كاميرات الوب الإباحية'' كشفت عن 585 موقعا أقامه الأطفال المراهقون· حين بلغ ''جستين'' الثامنة عشرة من عمره، صرح لصحيفة نيويورك تايمر التي حاولت إقناعه للإقلاع عما يقوم به، والرجوع إلى القضاء لمعاقبة المتاجرين بالأطفال، فقال إنه يعرف بوجود مجموعة من أكثر من 1500 رجل كانوا قد دفعوا إليه مالا مقابل صوره عبر الانترنت، كما قال بوجود أطفال آخرين غيره تم استغلالهم في هذا الصدد أيضا· أما رجال القانون فيقولون إنهم بالتعاون مع ''جستين'' استطاعوا الوصول إلى دليل نادر عما يحصل في العالم الالكتروني من استغلال للأطفال· يقول ''جستين'' الذي أصبح الآن شاهدا في التحقيقات التي تجرى حول الجريمة: لا أريد أن يؤذي أولئك الرجال مزيدا من الأطفال ولا أريد أن يعيش أحد الحياة التي عشتها أنا''· يقول جستين: لم يكن لدي اصدقاء كثر، وفكرت في اقتناء كاميرا وب لعلي أتعرف على اصدقاء فوريين، وربما على فتيات في مثل عمري''· لم يكد يوصل كاميرا الوب بالكمبيوتر داخل غرفة نومه، حتى أصبحت صورته منشورة على الموقع ''···'' وهو دليل الكتروني لجميع مستخدمي كاميرات الوب في الولايات المتحدة الأميركية، جنبا إلى جنب كافة المعلومات الشخصية الأخرى، ولكنه بقي ينتظر أولئك الاصدقاء الجديد الذين كان يسعى إليهم· لم يتصل به أحد في مثل سنه، ولكن، في غضون دقائق، ظهر أحد ''الصيادين'' الذين يتربصون بالصغار، ثم تبعه شخص ثان، فثالث· يتذكر ''جستين'' أولئك الرجال في بادئ الأمر· كانوا لطيفين وغير خطرين، رغم وجود بعض السلبيات كادعاء البعض بأنهن فتيات مراهقات، ولكن الأمر لا يطول حتى يكشفوا عن حقيقة أمرهم، ولكنه كان سعيد بالأصدقاء الجدد· الاضطراب العاطفي الذي عانى منه الطفل في كنف والده، جعله يبحث عن الحب في مكان آخر، وهو الانترنت، وقد وجده في البداية لدى الرجال البالغين، إذ يقول: كانوا يبادلونني كلام لطيفا طيلة الوقت وأخبروني أني ولد ذكي وحاذق! لم يكن يعلم في حينها أن طريقة البالغين هذه معروفة، ومقصودة لاصطياد الأطفال وهو أسلوب يتبعونه جميعا لدى الاتصال بضحاياهم عبر الشبكة· أما والدة ''جستين'' كارين بيج فتقول إنها لم تلاحظ أي شيء غير عادي، وأن ابنها بدا وكأنه يتمتع بموهبة حقيقية في استخدام الكمبيوتر، ويجد متعة في التواصل مع أصدقائه، وأن كاميرا الوب مجرد وسيلة أخرى تزيده معرفة وإلماما بالانترنت، وفي تطوير موقعه الشخصي·كل ما أعرفه هو أن الأطفال يجب أن يتعاملوا مع الكمبيوتر وأن تتاح لهم الفرصة التعلم· أحد الأطفال الذي ضاق ذرعا بالمطالب الكثيرة، قام بإغلاق موقعه الشخصي، ونشر عليه ما يلي: أريد أن أعيش حياة طبيعية، أنا آسف··علي أن أفعل ذلك· لم يكن الفتيان القصر الذي يديرون مواقعهم الإباحية ''التجارية'' وحدهم الذين عانوا من رعونة زبائنهم، ففي مطلع العام الجاري، قبضت الشرطة على رجل حاول تهديد ضحيته وهي فتاة مراهقة، إذا لم تلب مطالبه· كان هذا الرجل قد طلب من ضحيته الظهور بمظهر غير لائق أمام الكاميرا، وقد فعلت ذلك في البداية معتبرة أن الطرف الآخر هي فتاة مثلها· وعندما فوجئت بالأمر، وحاولت التخلص منه، بعث إليها بشريط يحتوي على صور لها، وهي في أوضاع غير عادية، وكتب عبارات تهديد لها باللون الأحمر·· وفي مناسبة أخرى، حاول الرجل استدراجه للسفر إلى ميتشيغن حيث رتب له لقاء مع فتاة، وفي كلتا المناسبتين تعرض ''جستين'' للتحرش من قبل هذا الرجل، وقد أثبتت صحة ذلك المحادثات المسجلة بينهما، وكذلك فيلم الفيديو··إلخ· في مطلع عام 2003 بدأت حياة ''جستين'' تهتز، فقد قام أحد زملاء الدراسة بنسخ بعض صور الفيديو من موقع ''جستين'' الالكتروني، ووزعها على زملائه الآخرين، وعرفت المدينة كلها بالأمر، فشعر بأنه قد أهين وهزم· تحت وطأة الإحراج وعدم قدرته على الاستمرار في المدرسة، توسل إلى أمه طالبا منها أن تسمح لها بإكمال دراسته من خلال برنامج الكتروني عبر الانترنت، فوافقت· وفي فبراير من العام نفسه، حلت به حادثة مؤلمة أخرى، فأخذ يتقرب من والده لعله يصلح ذات الود معه، ولكن سوء الحظ كان له بالمرصاد، حيث اتهم والده قضائيا، بتزوير بوليصة التأمين على الصيدلية التي يعمل فيها· في خريف عام 2003 أخذت الأمور تنحو منحى آخر، حين طلب منه أحد زبائنه ويشغل منصب مدير مطعم، الحضور عنده، فوافق ''جستين''، وقد تعرض خلالها للتحرش··· وقد ثبتت على الرجل التهمة من خلال اشرطة الفيديو· وفي العام التالي، حاول الطفل أن يتحرر من حياته المقيدة، فتنقل بين الولايات الأميركية، كما حاول الانتحار، وفي إحدى المرات حاول تدمير موقعه الالكتروني، ولكن ذلك لم يدم، لحاجته إلى المال وإرضاء حاجاته الأخرى، فعاد إلى تجارته القديمة من جديد· أخذ ''جستين'' يتصل عبر الانترنت بشخص لم يسبق أن أرسل له رسائل فورية، وتضمنت الأحاديث أسئلة كثيرة، فخشي أن يكون ذلك الشخص أحد أفراد مكتب ا لتحقيقات الفدرالي الأميركي· عندما طلب منه لقاءه، وافق ''جستين''، وكان في قرار نفسه يتمنى لو يتم اعتقاله، لكي يضع حدا لحياته التي كان يعيشها· التقيا في لوس انجلوس وقد علم ''جستين'' أن الرجل كان مراسلا صحفيا (نيويورك تايمز)، ويريد أن يناقش معه عالم ''الخلاعة'' الالكتروني، وبعد تردد قصير، وافق ''جستين''، وفي سياق الحديث سأله المراسل عما يريد أن يكون في حياته، فأجابه بأنه كان يتمنى لو يحقق شيئا يجعل والديه وجدته فخورين به· في اليوم التالي، أخذ ''جستين'' يكشف للرجل ما وراء كواليس عالمه الالكتروني، وباستخدام كمبيوتر لاب توب، قام بالدخول إلى الانترنت، وسرعان ما تلقى عشرات الرسائل من رجال يتوسلون إليه أن يتعرى أمام الكاميرا· وسط صحوته هذه، أخذ ''جستين'' يبوح للمراسل بالمزيد من المعلومات عما يعرفه عن عالم ''كاميرا الوب''، وخلال أسبوع واحد أعلن عن أسماء جميع الأطفال الذين يعملون في هذه التجارة، والذين تعرضوا للاستغلال من كبار الرجال البالغين، وعن أماكن تواجدهم· طلبت منه صحيفة نيويورك تايمز أن ينقل هذه المعلومات كلها إلى المحققين القضائيين فوافق، وهكذا كان· أخيرا، التقى ''جستين'' في واشنطن بمكتب التحقيقات الفدرالي والمحققين، وحدد لهم أسماء الأطفال الذين يعتقد بأنهم وقعوا ضحايا للاستغلال، كما أعطاهم أسماء المسوقين لهذه التجارة القذرة، والشركات المالية التي تتعامل ببطاقة الائتمان، وغيرهم· لم يمض وقت طويل على الاجتماع الأخير، فقد قبض على ''جريج ميتشيل''، 38 عاما، في منزله في ''دبلن'' بولاية فرجينيا، وهو الشريك التجاري لجستين· ألقي القبض عليه وهو يدردش عبر كاميرا الوب مع ضحاياه· بعد مضي أسابيع قليلة على اعتقال ''جريج'' تابع رجال التحقيقات القضية، وألقوا القبض على مجرمين آخرين، وعثروا على آلاف الملفات المختزنة في أجهزة الكمبيوتر، والرسائل الالكترونية وكميات ضخمة من الصور التي كان الأطفال يتبادلونها· أما ''جستين'' نفسه، فقد أفاق بعض الشيء من الصدمة، وأصبح أكثر تحكما في مجرى حياته الشخصية، واعترف بكل شيء لعائلته، وعن المرات التي كذب عليهم في السابق· يخضع ''جستين'' الآن للعلاج لإعادة تأهيله نفسيا، ويبدو أن حياته أخذت تسير على الطريق الصحيح· قالت أمه والدموع تنهمر من عينيها: لا أزال فخورة بابني!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©