الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المغامرون الثلاثة يرسمون مشهداً استثنائياً على كورنيش أبوظبي

المغامرون الثلاثة يرسمون مشهداً استثنائياً على كورنيش أبوظبي
16 ديسمبر 2011 15:35
مرة جديدة يشهد كورنيش أبوظبي حدثا وطنيا مبهرا يستحق أن يدخل به التاريخ. فقد استقبل يوم الثلاثاء الفائت الرحالة الثلاثة الذين عبروا صحراء الربع الخالي على جمالهم، قاطعين مسافة 1500 كيلومتر في خلال 45 يوما. والمغامرون الذين انطلقوا من مدينة صلالة في عمان وصولا إلى العاصمة أبوظبي، شكلوا برحلتهم “غير العادية” في عصرنا هذا، نموذجا حيا للإرادة الصلبة. ورسموا على وقع خطواتهم على الرمال الذهبية مشهدا مشرفا لاستعادة الرحلة القديمة التي قام بها مبارك بن لندن ورفاقه من مواطني الدولة قبل 65 عاما. وبهذا تمكنت “هيئة أبوظبي للثقافة والتراث” الجهة المنظمة من إهداء نجاحات الحدث إلى “روح الاتحاد” في الذكرى 40 لقيام الدولة. (أبوظبي) - بمواكبة حثيثة من شرطة أبوظبي اجتاز البريطاني أدريان هايز والمواطنان سعيد المسافري وغافان الجابري جسر المقطع في سابقة لافتة. والرحالة الذين غادروا مدينة العين، محطتهم ما قبل الأخيرة يوم السبت الفائت، استغرقت وجهتهم الختامية إلى العاصمة 3 أيام أخرى اتسمت بطابع خاص. فالجمال وهي وسيلة النقل الوحيدة التي اعتمدوها منذ اليوم الأول لرحلتهم الشاقة، معتادة على الدروب الصحراوية وحسب. ولم يكن من السهل توجيهها للسير بمحذاة السيارات وعلى الطرق التي تنبض بإيقاع الحياة المدنية، من أصوات أبواق ومبانٍ شاهقة وأضواء مشعة من كل صوب. حفاوة الاستقبال مع كل التناقضات التي تجتمع في مشهد واحد، وصل فريق الرحالة أخيرا إلى عاصمة الإمارات، حيث مظاهر الحداثة تفرض نفسها بقوة ومن كل اتجاه. أما المغامرون فكانت ملامح التعب والإرهاق بادية على وجوههم. فيما أثار الأسابيع السبعة التي أمضوها وسط ظروف الحياة البدائية القاسية، تركت بصماتها على كناديرهم المعتقة برائحة البر. وكان اللقاء المنتظر وسط حضور المهتمين والفضوليين ممن استوقفتهم الجمال الستة المتكئة على رمال الشاطئ العام في منطقة الكورنيش. وقد برز الاستقبال الشعبي من خلال خيمة بدوية نصبت خصيصا في الموقع احتفاء بعودة الرحالة بعد أيام وليالٍ طويلة من الإصرار على مواجهة التحديات وقهر المتاعب. البريطاني هايز، الذي يعيش في الإمارات منذ 20 عاما، كان يتصرف داخل الخيمة تماما كالبدو العارفين لأصول الضيافة وحفاوة الاستقبال عند العرب. فقد أفرط في الترحيب بنا وأسرع لتقديم الماء الباردة وأنواع التمور. وفي كل مرة يدخل ضيف إلى الخيمة، كان لا يتردد في النهوض ومصافحته باليد مكثرا من عبارات “السلام عليكم، أهلا وسهلا”. ومع أدبيات الاستقبال والوداع، لم يكن من السهل مجالسته لفترة طويلة، وكانت سلوكياته مع الآخرين أبلغ تعبير عن تأثره بالعادات والتقاليد في المجتمع المحلي والبيئة المحيطة. ندرة المياه يذكر الرحالة هايز، الذي ترك العنان للحيته حتى تأتي منسجمة مع زيه من الكندورة إلى الغترة والعقال، أن اليوم لا يشبه نفسه من قبل. ويقول “لا شك في أن الرحلة طبعت في وجداني الكثير من الأمور التي لم أكن لأتعرف إليها إلا بالتجربة. وأكثر ما لفتني خلال هذه الفترة حجم الكرم الذي تتمتع به القبائل العربية التي صادفتها على طول الطريق”. ويشير إلى أنه أكثر من المقارنة بين طبيعة العلاقات في بلاده وما شهده عند البدو، إذ أنهم كأوروبيين بالكاد يبتسمون في وجه جارهم. أما العرب بحسب تعبيره، فهم يبالغون في احتضان الضيف وإحاطته بالرعاية وتقديم وسائل الراحة له. ويقول “أدهشني أسلوب البدو في تمضية الوقت بالحديث فيما بينهم وأداء الواجبات. وهذا ما لم أكن أتوقعه بهذا الحجم على الإطلاق”. ووسط الحديث تناول هايز مسندا من داخل الخيمة العربية، واتكأ عليه لمزيد من الراحة في المجلس العربي. فبدا تصرفه تلقائيا كما لو أنه عايش حياة البدو لفترات طويلة. ويتابع حديثه “مع أنني كنت قائد الرحلة وكانت مهمتي وضع الخطة ونظام السير ومواقع المبيت وتحديد أوقات الراحة، غير أنني لم أتفرد بالرأي أبدا. والمرافقان المواطنان اللذان تحملا معي المتاعب نفسها، كانا الدليل المساعد بالنسبة لي. وهذه الرحلة ما كانت لتتكلل بالنجاح لولا تعاونهما وصبرهما وقوة الإرادة التي يتحليان بها”. ويورد هايز أنه كان أمينا جدا خلال هذه الرحلة الصحراوية في السير “على خطى بن لندن”. ومع اعترافه بأن مهمة فريق الرحالة هذه الأيام لا يمكن مقارنتها بصعوبة المشقات التي تكبدها الرحالة الأوائل في الأربعينيات، يشدد على أن ندرة توافر المياه في الصحراء هي التحدي الأكبر الذي واجهه ورفيقيه. ويقول “من مظاهر الأمان التي كانت موفرة لنا كرحالة، المواكبة اللوجيستية والمتابعة الأمنية. وهذا ما لم يحصل عليه “مبارك بن لندن” ورفاقه. وعلى سبيل المثال، فإنه قبل 65 عاما كان لا بد من تحميل 50 جملا المعدات التي يمكن أن تقلها سيارة واحدة اليوم”. يتحدث سعيد المسافري الذي بدت على وجهه أثار حرارة الشمس أن من أجمل المواقف التي مر بها خلال الرحلة، اللقاء الذي جمع فريق الرحالة بشيخ طاعن في السن في “وادي غدون” أحد أودية محافظة “ظفار”. ويقول “الرجل يناهز التسعين من العمر، وقد حدثنا عن ذكرياته مع مبارك بن لندن الذي أكد أنه كان قد التقى به قبل ما يزيد على 6 عقود من الزمن”. مساندة البدو ويذكر المسافري أن البدو في المنطقة قاموا بإرشادهم إلى الدروب التي سلكها الرحالة الأوائل في الأربعينيات تسهيلا لإتمام مهمتهم على الدرب نفسها. ويتابع “من هناك تابعنا طريقنا باتجاه وادي “مرعيت” عند أطراف الربع الخالي بعد مرورنا بوادي “بن كوثر” في طريقنا إلى “مغشن”. ولم يكن عبور الأودية والمشي على التضاريس المعقدة، سهلاً على الإطلاق، حيث وصلت الحرارة إلى 35 درجة مئوية ظهراً. والأمر نفسه أثناء الليل إذ تسبب هطول الأمطار بتراكم الوحول، ما أدى إلى إبطاء سيرنا، وأجبرنا على مضاعفة المجهود في النهار في سباق مع الوقت”. وبين اختلاف مفردات البيئة بين الأمس واليوم، يؤكد غافان الجابري أن جماليات الرحلة تتلخص في اعتمادها على الطبيعة. ويقول “خضعنا منذ بداية المشوار إلى تجربة عيش مغايرة عزلتنا عن الحياة المدنية. كنا نقطع الصحارى ونجتاز التلال، معتمدين في ذلك على 7 جمال. اضطررنا للاستغناء عن واحد منها خلال الثلث الأخير من الرحلة، والذي أعتبره الأكثر إرهاقا بعد تعب أيام طويلة”. ويورد الجابري أن مغامرة فريق الرحالة لم تكن عادية، وقد اعترضتهم الكثير من التحديات. ويقول “عدا عن قلة المياه، فقد واجهنا أصعب التضاريس الصحراوية في العالم، وقد اجتزنا التلال الرملية التي ترتفع لما يزيد على 250 مترا، حيث تصل الحرارة إلى 50 درجة مئوية”. ويشير الجابري إلى خطر العواصف الرملية والرياح العاتية التي ترافقت مع ضرورة الانتباه إلى الجمال والحفاظ عليها حية. وكذلك إلى صعوبة المشي على الرمال المتحركة والسهول الحصوية والمسطحات المالحة. مفاجآت الظروف اليومية التي يمر بها المغامرون لم تخل من المفاجآت غير المتوقعة. وخلال مرور الفريق بأحد الوديان المتعرجة صودف وجود جمال برية تسببت مواجهتها بالكثير من المتاعب. وبالرغم من شعور الرحالة بالتعب والإرهاق مع حر النهار وبرد الليل، حيث الحرارة تتدنى حتى 13 درجة مئوية، كانوا يواصلون مسيرتهم بثقة وثبات. وكانوا يجتازون يوميا مسافة تتراوح ما بين 40 إلى 45 كيلومترا بمعدل 11 ساعة مسير على الجمال في اليوم. وكان دليلهم في وجهات العبور الخريطة والبوصلة من دون الاعتماد على أي نوع من الأجهزة الأخرى. مغامرات عمل الرحالة أدريان هايز في الجيش البريطاني، وهو يعيش في الإمارات، ويحترف القيام بالمغامرات على أنواعها. وكان دخل كتاب “جينيس” للأرقام القياسية عن رحلة “اكتشاف جرينلند” عام 2009. وصل إلى المنطقة للمرة الأولى قبل 20 عاما عندما عمل في سلطنة عمان، حيث تعلم القليل من اللغة العربية. ومع أنه لا يتحدث بها، لكنه بمجرد أن يستمع إلى بعض كلمات منها، يستعيد جزءا كبيرا من ذاكرته عنها. وقد عاشر البعض من أهل البادية وتربطه بهم علاقات وطيدة. وكان قد اجتاز مسافات بعيدة ووعرة في القطب الشمال. وقد خضع قبل انطلاق الرحلة إلى تمارين مكثفة للتعامل مع الجمال التي لم يسبق له أن ركبها من قبل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©