الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تجربة الفنان التشكيلي الإماراتي تشهد انتقالات فنية نوعية مؤثرة

تجربة الفنان التشكيلي الإماراتي تشهد انتقالات فنية نوعية مؤثرة
4 ديسمبر 2012
لم تكـن الأعـوام الـ 41، التي هي عمر دولة الإمارات العربية المتحدة، هي أيضا عمر الحركة التشكيلية فيها. لقد كانت الدولة والمجتمع سابقين على نشأتها بالتأكيد، بل إنه ما من مبالغة في القول بأن الدولة، ممثلة بمؤسسات معنية فيها، هي التي أسهمت في بلورة حركة تشكيلية في الإمارات بالمعنى الحديث للكلمة. أي بعيدا عن تلك الممارسات الفنية الشعبية والفطرية التي تمارسها شعوب الأرض جميعا لأهداف تزيينية وتجميلية في العمارة واللوازم والأدوات، دون أن تكون هذه الممارسات فردية قائمة على موقف جمالي من العالم ومن المعرفة. قدمت الدولةُ البنيةَ التحتية اللازمة لخلق أجيال متعاقبة من الفنانين الإماراتيين، وأمدتها بما يلزم لخلق مناخات مواتية تعليمية وتدريبية بالأساس وليست منهجية، وباستعانة بخبرات عربية وأجنبية باتت الآن في أغلبها محلية. أليس الكثير من الفنانين التشكيليين هم نتاج خبرات اكتسبوها من فنانين إماراتيين وغير إماراتيين، وهم الآن في عين المشهد التشكيلي، كما أن العديد من بينهم بات علامة من علامات الحركة التشكيلية الإماراتية؟ ربما من الممكن في هذا السياق اختيار لحظة تأسيس جمعية الفنون التشكيلية الإماراتية نقطة التحوّل الأبرز التي تمكن أي متابع للفنون التشكيلية، وفقا للإيقاع الخاص بها، بدءا من تلك اللحظة بحيث يُشار إلى الروّاد بأنهم الذين قدموا أعمالا فنية تمتلك شروطها الفنية الخاصة، بالتزامن مع تلك اللحظة وما سواء قبل أو بعد. هذا أمر قد يحتاج إلى الكثير من الجهد في قراءة الحراك التاريخي للفن في الامارات؛ هذا الفن الذي رغم حداثة سنّه، مقارنة بسواه في أي من البلدان في منطقة الخليج العربي يبدو أنه الأكثر حداثة وحيوية وتجددا، ومع ذلك لم يجزم أحد بعد بتاريخ صريح لأول معرض تشكيلي في الدولة، وما عنوانه إنْ وُجد، ومًنْ صاحبه أو أصحابه، وأين أقيم، وما هي أوّل لوحة يملكها فنان إماراتي قد بيعت بثمن ما، وما العنوان الذي حملته أو ما زالت تحمله وهل هي على قيد الحياة أم امتدت إليها يدُ الجهل فتعرضت للتلف لتدرك الدولة، أو المؤسسة أو الفرد الذي اشتراها أي حداثة أدخل بها حركة الفن التشكيلي في الإمارات. في ظلّ غياب جزم من هذا النوع أو مساع حقيقية للبحث في تحديده، فإن لحظة ولادة الجمعية تبدو الأكثر منطقية لتقديم دراسة تاريخية بشرط علمي صريح حول نشأة الفنون التشكيلية في الامارات، من أجل استيعاب أعمق للتحولات السريعة التي مرّت بها والتي منع إيقاعُها السريع هذا مواكبتَها نقديا، فضلاً عن أن متابعيها لم يكونوا سوى صحفيين أو كتّاب مقالات وغير محترفين، أو متخصصين في كتابة النقد التشكيلي للصحف، على الأقل، إلا في ما ندر. في هذه المناسبة، مرور واحد وأربعين سنة على نشأة الاتحاد، ليس السؤال تاريخيا عن الحركة التشكيلية في الامارات ونشأتها، إنما عن التحولات التي تحدث فيه (الآن، وهنا)، في زمن الفن هذا. والحال أن الإجابة عن مثل هذا السؤال لا تحتاج إلى يقظة الذهن في الرصد والمتابعة وحدها، إنما أيضا إلى أن تكون هناك اتجاهات فنية متبلورة وناجزة، سواء في جماعات تشكيلية أو أساليب وطرائق في معالجة العمل الفني، أو وجود موقف جمالي محدد بين مجموعة من الفنانين الذين ينتجون أعمالهم بناء عليه. يبدو أن هذا المدخل لرصد تلك التحولات قد بات كلاسيكيا تماماً، أو غير مفيد. ذلك أن الفنان التشكيلي الاماراتي تشهد تجربته أساليب متعددة وانتقالات من اتجاه فني إلى آخر، في فترة زمنية واحدة واستخدام لتقنيات حديثة وخامات غير متوقعة في إنتاج العمل التشكيلي وارتحالات من اللوحة المسندية الكلاسيكية ثم العودة إليها، والاستفادة من برامج الكمبيوتر في خلق مؤثرات لونية وإيقاعية على السطح التصويري، ثم الرجوع ثانية إلى الألوان الإكريليك غالبا أو الزيتية بدرجة أقل، أو ينزع الفنان إلى أن يحمل العمل الفني على جسده، أو على أجزاء منه مثلما فعلت كريمة الشوملي في معرضها “أقنعة” الذي استضافته مطلع هذا العام جمعية الفنون الاماراتية، والذي اشتمل على مجموعة من اللوحات والأعمال التركيبية والمفاهيمية إلى حدّ الجنون، بالمعنى الجمالي لهذه الكلمة. ووسط هذا التنوع الحداثي والتجريبي، فإن اللوحة المسندية لن تختفي، هي التي بدأت واقعية أو تسجيلية في الامارات، حيث من الواضح أن هذا الاتجاه التسجيلي سيبقى له حضوره، على الأقل في سياق نقل تفاصيل الحياة التقليدية الاماراتية، سواء لأسباب الحفاظ على الهوية الوطنية أم لأسباب جمالية محضة. أيضا هنالك فنانون إماراتيون هجروا اللوحة تماما، لكنهم عادوا إليها بعد سنوات طويلة. لكن في بعض الأحيان ثمة معارض جماعية أو فردية، تهتم كثيرا بالاشتغال على التجريب في المادة الخام لإنتاج العمل الفني، حيث تختلف المواد الخام في طاقتها التعبيرية من مادة إلى أخرى، وكذلك تختلف في طواعيتها لمخيلة الفنان وما يريد الوصول إليه. إنما بعيدا عما يريده الفنان من عمله، فإن هذه الأعمال التي تكون نتاج ورشات عمل أو ورشات تدريبية خارجية أو داخلية، فإنها بالأساس استجابة لدعوة من مؤسسة حكومية أو إنسانية تدعو إلى الحفاظ على البيئة، مثلا لا حصرا، الأمر الذي يشتت سياق تطور تجربة الفنان ذاته، وكذلك التجربة الجمالية لقراءة تطور منجزه من قِبَل المتابع لهذه التجربة، أضف إلى ذلك أن هذه الأعمال، إذ تنتمي غالبا إلى الأعمال المفاهيمية أو التركيبية، فإنها تبدو للناظر إليها مغرقة في الغموض وعصية على التأويل، إذ تقوم بكسر هذا التطور والنأي بالتجربة إلى سياق آخر. ولعل معرض “تواصل” الجماعي في دورته الثانية يُعتبر نموذجا على ذلك، وكذلك بعض الأعمال التي عُرضت في بينالي الشارقة الأخير. ومن الممكن القول أيضا إن هناك تجاورا بين الأجيال من الفنانين الاماراتيين، بالمعنى الفني للكلمة. يجد المتابع تقنيات وأساليب متجاورة خاصة في توظيف فنَّيْ الفيديو آرت والصورة الفوتوغرافية أو النزعة إلى إنشاء عمل فني من خامات من غير المتوقع استخدامها من فرط ما أنها عادية وذات حضور يكاد يكون غير مرئي، وفي بعض الأحيان من الممكن عرضها بأكثر من طريقة في أكثر من مكان، وكأن العمل إذ يحتفظ بفكرة ذاتها بوصفها الرسالة التي تعبّر عن مقاصد الفنان، فإن العمل من السهولة الإنشائية بحيث يُعاد تركيبه في مكان آخر مرة أخرى. قدّم المعرض العام الثامن والعشرون لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية نماذج مكتملة فنياً. واللافت في هذه الأعمال أنها كانت تضع الأعمال الفنية الإماراتية على مسافة من الأعمال التي تعود لفنانين عرب. ليس هنا الأمر من باب المفاضلة، إنما للقول بأن العديد من الفنانين الإماراتيين على اتصال حقيقي بما يحدث راهنا في أفق الفن التشكيلي عربيا وعالميا، أي أن هناك نوعاً من التصادي بين ما يقوم به الفنانون الإماراتيون ويتأثرون به في أفق حداثة العمل التشكيلي، وما بعد حداثته عربيا وعالميا. خاصة جيل ابتسام عبد العزيز وخليل عبد الواحد ومنى عبد القادر العلي، وهم كُثر ومن مختلف أنحاء الإمارات، بما يمتلكونه من وجهة نظر تجاه العمل الفني وحضوره في المحيط والبيئة ومحاولاتهم نقل معارفهم إلى جيل لاحق من الشبان والشابات الذين يصبون إلى أن يكونوا فنانين يوما ما، من طلبة مدارس وطلبة جامعيين. والملاحظ، ختاما، أن واحدا من أسباب حيوية المشهد التشكيلي إماراتيا هو الرغبة العالية لدى الفنان الإماراتي في نقل خبراته ومعارفه إلى الأجيال الشابة. ثمة حماسة على هذا الصعيد وجهد حقيقي يبذله الفنان كما لو أن كل واحد منهم يبحث عن استمرارية للفن الاماراتي، وإصرار على حضوره في مجتمع يتغير باستمرار، ويشهد تحولات لا يبدو أنها سوف تبطئ من سرعتها.
المصدر: دبـي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©