الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

‎ورحل مانديلا... الرجل العظيم

14 ديسمبر 2013 23:00
رحل عن دنيانا أحد أبرز الرجال القادة.. الزعماء الذين جملوا حياتنا.. ومنحوا وجودنا معنى.. ورفعوا أعلام الحرية والاستقلال في أوطاننا الأفريقية واستعادوا لقارتنا مكانتها الحقيقية في القرن العشرين.. وإذا كان في رحيل نيلسون مانديلا فقدٌ لأسرته الصغيرة وأسرته الأكبر (شعب جنوب أفريقيا) فإنه بلا شك، كما قال وكتب عنه الزعماء والقادة والرؤساء، فقدٌ للإنسانية جمعاء.. وكما قال عنه الرئيس أوباما قد غيّر صورة العالم، وقاد وناضل ونجح في آخر معارك البشرية التقدمية ضد الظلم والتخلف وسوء بعض الأنفس.. فقد كانت معركة ونضال شعب جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري بقيادته الشجاعة والحكيمة هي آخر المعارك التي تجلى فيها العقل البشري وحقق بعض أبرز قيمه المشتركة. رحل الإنسان والقائد والزعيم نيلسون مانديلا عن عالمنا مساء الخميس الماضي، وعندما أعلن نبأ رحيل مانديلا وقف العالم كله كما أن الموت هو أمر جديد عليه، وكأنه لم يكن يعلم فوق علم أن مانديلا الذي تكالبت عليه الأمراض وتقدم به العمر (خمسة وتسعون عاماً) كان في سنتيه الأخيرتين مستعداً لاستقبال الموت برضاء وقناعة، وهو القائل: «إن الإنسان عندما يدرك بوعي أن عليه مهمة ومسؤولية تجاه شعبه وبلده.. وعندما يبذل كل ما يستطيع من جهد لتحقيق تلك المسؤولية، وأرجو أن أكون قد بذلت جهدي وحققت مع شعبي مهمتنا، فإنه يصبح مستعداً للرحيل». وقد رحل نيلسون مانديلا جسداً عن أرض وطنه ولكنه سيبقى وستبقى مبادئه وسيرة حياته العامرة بحبه للبشرية، وقناعته بالأخوة الإنسانية، ونضاله ضد الظلم وحبه وعمله من أجل العدل والسلام، منارات تهدي البشرية التي تعلمت منه بالفعل وليس بالقول معاني التسامح والعفو عند المقدرة، وأصبح مثالياً في موقفه ومطلبه من شعبه ساعة الاستقلال أن يتجاوز ويرتفع عن الآلام وأحزان ومآسي حكم الأقلية البيضاء العنصرية، وقال كلمته الخالدة: «اليوم فإن جنوب أفريقيا هي وطن كل أهله السود والبيض المسيحيين والمسلمين واليهود وسنترك وراءنا كل مآسي وظلامات الماضي، ونطلب من الذين ارتكبوا تلك المآسي من أجل تطهير أنفسهم أن يعترفوا بها ويعتذروا عنها حتى يبدأوا حياتهم من جديد مواطنين أحراراً في وطن حر». رحل نيلسون مانديلا وستصدر عشرات -إن لم تكن المئات- من الكتب، وتكتب الآلاف من الكلمات عن سيرته وحياته ومعاني مواقفه الرفيعة، وكيف أنه أول -وأظنه سيكون آخر- رئيس أفريقي قاد بلده للاستقلال، وأصبح أول رئيس أسود لجمهورية جنوب أفريقيا. ونزل عن سدة الرئاسة التي انتخب فيها قبل أن يكمل دورته الرئاسية ليقدم بذلك مثلاً لمن سيأتون من بعده. ومنذ لحظة إعلان وفاته وأجهزة الإعلام وقادة العالم السياسيون والمفكرون يتبارون في إصدار الألقاب عنه، فهو أبو أفريقيا.. وهو مؤسس الجمهورية الأفريقية في بلده، وهو الداعية للسلام والعدل والتسامح والتصالح.. الخ، ولكن كلمة مختصرة صدرت عن طالب صغير في مدرسة مانديلا في تورنتو سئل عما يعرفه عن الفقيد الكبير، فقال كلمة حكيمة أكبر كثيراً من عمره «أعرف أنه كان يريد أن يكون العالم أفضل وأجمل من أجيالنا». إن بين كندا وشعب جنوب أفريقيا تاريخاً مشرفاً جعل الآلاف من الكنديين يقفون لساعات طويلة لتسجيل أسمائهم في دفتر العزاء في السفارة.. شعب وقيادة وضيوف يعرفون ويذكرون أن كندا قد خاضت معركة إدانة ومقاطعة وطرد حكومة الأقلية العنصرية البيضاء من المنظمات الدولية، وكانت بذلك أول بلد عضو في (نادي) السبعة الكبار يعلن سياسته الرسمية في مساندة حركة التحرير والمطالبة بإطلاق سراح مانديلا ورفاقه من سجنهم.. وفي ذلك قال الزعيم الراحل في زيارته التاريخية لكندا الكثير والكثير.. وسعد جداً عندما قرر مجلس العموم الكندي بالإجماع منحه الجنسية الكندية الفخرية، وطوال الأيام الماضية يلاحظ المرء في تورنتو وأوتاوا أنهما من مدن كندا، كما أن لكل منزل كندي فقيداً عزيزاً هو المواطن نيلسون مانديلا. إن العزاء الحقيقي في فقد الرجل والأب الكبير لشعب جنوب أفريقيا وبقية شعوب أفريقيا هو أن يتمسكوا ويلتزموا بمبادئه ومواقفه التاريخية الإنسانية.. إن جنوب أفريقيا -مثل معظم بلدان أفريقيا- تواجه بعض المشاكل التاريخية، الفقر والمرض والجهل وأضيفت إليها الخلافات السياسية والعنصرية.. ولكن العزاء -مرة أخرى- فيما قاله رفيق نيلسون وصديقه القس «توتو»: «إن علينا أن نتوحد في تحقيق أحلام نيلسون مانديلا مثلما توحدنا في الحزن والعزاء عليه.. فالوحدة هي ضمان استمرار مشروع مانديلا من أجل الوطن، ومن أجل القارة الأفريقية». عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©