السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صور العثمانيين.. شوائب وتغييرات

25 ديسمبر 2014 23:48
لم يشأ «أندرو ويتكروفت» لكتابه «العثمانيون.. تفكيك الصور»، والذي نعرضه بإيجاز هنا، أن يكون تأريخاً عاماً للإمبراطورية العثمانية، لذلك لم يحاول شرح تعقيدات الدبلوماسية ودهاليز السياسة الدولية والعثمانية، أو الاستفاضة في الوضع الاقتصادي للإمبراطورية العثمانية، بل ركز اهتمامه حول فكرة العثمانيين، وكيف أصبحت في الغرب فكرة مفصولة عن الواقع. لكن مَن هم العثمانيون؟ إنهم أفراد أسرة آل عثمان والمنحدرين من سلالتهم، علاوة على مَن شاركوا في إدارة الإمبراطورية، لاسيما الطبقة الحاكمة من مسؤولين وضباط وإداريين. غير أنه مع مرور الوقت وبحلول القرن التاسع عشر، كما يوضح المؤلف، أصبحت العثمانية اتجاهاً عقلياً تجلى في أسلوب الحياة، من خلال اللباس واللغة والتقاليد الاجتماعية.. حيث باتت كلمة «عثماني» ذات طابع ثقافي أكثر منها ذات طابع سياسي أو عرقي. لم تكن الإمبراطورية المتربعة على جانب الطريق البرية الطويلة بين أوروبا وآسيا الصغرى تنتسب تماماً إلى أي منهما؛ فهي بالنسبة للأوروبيين، كما يقول ويتكروفت، كانت تجسيداً لكل الصفات السلبية التي اعتادوا على إلصاقها بالشرق؛ من غرابة وفجور وقسوة وخداع وإباحية. كما مثلت الدولة العثمانية لجيرانها المباشرين شرقاً وجنوباً قوةً غريبة وضعت سلطتها وسيطرتها المركزيتين في مواجهة الطموحات والرغبات المحلية، بغية إقامة «سلام عثماني» يحل محل سلطة روما السابقة. ومنذ قدوم العثمانيين إلى القسطنطينية، وهي نقطة البداية الزمنية لتأريخ الكتاب، كان لهم وجهان؛ وجه للشرق وآخر للغرب، لكن ما يشغل ويتكروفت في كتابه هذا هو ذلك الغموض الكثيف الذي صبغ الفهم الغربي للإمبراطورية العثمانية طوال قرون عمرها، ولا يزال متواصلا حتى وقتنا الحاضر؛ إذ بحلول القرن التاسع عشر كوّن الغرب آراء نمطية حول العثمانيين تندرج في موقفين؛ أولهما «التركي الشهواني»، وهو عنوان رواية إباحية معروفة نشرت أول مرة عام 1828، وثانيهما هو «التركي الرهيب»، والذي يشير إلى «الشجاعة الشريرة». ولعل العنوان الفرعي للكتاب، «تفكيك الصور»، يدل على المشكلة وعلى المنهج الذي أخذ به معاً، إذ يعترف ويتكروفت أن الحقائق أو الصور الأصلية التي بدأ بها كتابه «لم تصمد تحت ثقل الأدلة»، وأن جهود العلماء الذين عملوا خلال العقود الثلاثة الأخيرة على استخراج مكنونات الأرشيف العثماني، أحدثت تغييرات دقيقة في الصورة. والحقيقة أن كتاب ويتكروفت لا يعنى بالحديث عن العثمانيين بقدر ما يهتم بصورتهم، وكيف أن هذه الصورة تلاشت وتشكلت مجدداً على مدى أربعة قرون، وربما تتحلل الآن وتعود للتشكل، لأن العلاقة بين تركيا الحديثة وأوروبا الغربية لا تزال أسيرة مخاض القرن التاسع عشر. وربما بالتوازي مع تشكل الصورة على هيئتها «الأخيرة»، كما يقول الكتاب، أصبحت الحقيقة الثقافية العثمانية في مستهل القرن الماضي موضع نفور شديد لدى أوسط القوميين الأتراك الذين أسسوا الجمهورية التركية من بقايا الإمبراطورية القديمة، وعلى أيديهم -وخلال خمسين عاماً- ذوت الثقافة العثمانية. والآن فقط، وبعد نحو ثلاثة أرباع القرن على نهاية الإمبراطورية، تنظر تركيا الجمهورية بمزيد من الاحترام (والحنين أحياناً) إلى أسلافها، غير عابئة بصور المخيال الغربي وتنميطاته المعنية بالعثمانيين وما يشوبها من تحريفات ماكرة وغير ظاهرة. محمد ولد المنى الكتاب: العثمانيون.. تفكيك الصور المؤلف: أندرو ويتكروفت الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2014
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©