الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطين بين النضال والمفاوضات

29 ديسمبر 2015 00:28
في نظرة متعمقة في تاريخ الشعوب وأوطانها المتناثرة على هذه الأرض، سنجد أن مساحات بشرية واسعة في هذا العالم وقعت ضحية كارثة واحدة مهما تعددت أشكالها ومبرراتها مرتبطة بجشع إنساني متجذر، كارثة اسمها الاحتلال. ولأن هذه الكارثة لحقت بوطننا فلسطين منذ عقود يجدر بنا أن نولي اهتماماً بحثياً في قراءة تجارب كثيرة مشابهة لتجربتنا، فالتجارب كثيرة ونجاحاتها في كسر قبضات الاحتلال ماثلة أمام أعيُننا وفي ذاكرة من سبقونا. وأبرز ما سوف تأخذنا إليه هذه القراءات استنتاج تفرضه الحقائق لا التمنيات، وهو أن سلوكيات الاحتلال عبر التاريخ هي ذات لون واحد تفرز آلاماً إنسانية ومجتمعية ذات نكهة واحدة أيضاً، ولأن هذه الإفرازات إنسانية وجدانية بالمقام الأول، فدوافع مقاومة مُسببها ومحرضها هي ذات الدوافع التي أخرجت من رحمها كل مبررات قيام الثورات وحركات التحرر على مر التاريخ. ومن هنا سوف نجد أن لحركات التحرر على مدار التاريخ مساراً متشابهاً بمراحله النضالية في مواجهة غطرسة القوة والمادة، والتي تستهدف دائماً الأرض والسيادة والمجتمع. وعليه فإنه من الطبيعي أن يأخذ رد الفعل شكلاً واحداً بدءاً من المناخ الشعبي الرافض لهذا الاحتلال، ومروراً بالنخب السياسية والثقافية التي تقوم باستنهاض حالة الرفض الشعبي، وترتقي به إلى حالة مقاومة قد تكون سلمية أو مسلحة تقوم بمراكمة إنجازات متعددة في مواجهة الاحتلال. في فلسطين الأمر مختلف.. فعلى الرغم من وجود حالة شعبية في فلسطين رافضة لهذا الاحتلال والتي بزغت منها طبقة سياسية شكلت بدورها فصائل اتخذت من كل أشكال المقاومة السياسية والإعلامية والكفاحية نهجاً لها، من المبكر أن يمارس البعض على الساحة الفلسطينية دور الاستثمار السياسي لهذا النضال، لأن الوضع الفلسطيني لم ينضج بعد لحالة تؤهله الدخول في دهاليز المفاوضات، فلا أحد يستطيع الإنكار بأن المقاومة الفلسطينية استطاعت وبطاقات هائلة إفشال الكثير من التكتيكات الإسرائيلية وعلى مدى سنوات طويلة، لكن هناك عوامل عديدة تجعل من هذه المقاومة بعيدة عن حالة الاستثمار السياسي من أبرزها: أولاً- افتقار المفاوض الفلسطيني إلى حالة إجماع وطني بخصوص نهج التفاوض، بل وأكثر من ذلك فهناك فئات فلسطينية واسعة لا تعترف بمبرر وجود هذه السلطة التي يمثلها المفاوض، مما أدى إلى حالة واسعة من الانقسام السياسي في الشارع الفلسطيني. ثانياً- غياب الدور العربي الرسمي المساند للقضية الفلسطينية، وحضور الدور الوسيط والذي تمثله دول عربية، تسمى بالمعتدلة، تقوم برسم أدوارها الولايات المتحدة وإسرائيل حسب ما تقتضيه الحاجة، وقد برز عجز هذا الوسيط في مراحل عديدة عن القيام حتى بدور الوسيط النزيه، وتكلل هذا العجز والتواطؤ في حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات. ثالثاً- الاصطفاف الدولي الكبير وراء إسرائيل وتغطية كل جرائم هذا الاحتلال، وغياب أي دور دولي مساند لقضيتنا في ظل خضوع المحافل الدولية لسيطرة الولايات المتحدة، مما وفر فرصة ذهبية لإسرائيل في خلق واقع جديد على الأرض يقوض الحلم الفلسطيني في قيام دولته، لذا فإن الدور الدولي بات مقتصراً بالضغط على الجانب الفلسطيني لتقديم المزيد من التنازلات عبر الوسطاء العرب. رابعاً- ظهور تداعيات اتفاقية أوسلو المريرة، فقد أثبتت هذه التجربة الطويلة من التفاوض العبثي أن المستفيد الوحيد من هذه الاتفاقية وما تلاها من اتفاقيات هو العدو الذي قام ببيعنا حزمة كبيرة من أوهام السيادة والاستقلال وأخذ بمقابلها وقتاً كافياً لابتلاع أرضنا. وفي حضور هذه العوامل لا أعتقد بأن للمفاوض الفلسطيني مصلحة وطنية بالاستمرار بهذا النهج، لأنه ليس هناك من تفاوض، بل هي عملية استجداء سياسي قزّمت المشروع الوطني وحوّلته إلى قضية حواجز ومعابر في غياب أي أفق سياسي يعالج القضايا الأساسية والمحورية. محمد أسامة - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©