الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقدة «السامية»

29 ديسمبر 2015 00:29
اليوم، كلما تم توجيه الانتقادات إلى الطبيعة الهمجية الإجرامية للأفعال التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، تنبري الحناجر الصهيونية لاتهام الجهة المنتقدة بمعاداة السامية، في محاولة للإيحاء أن اليهود الصهاينة هم قوم يسمون بعرقهم فوق جميع البشر بلا استثناء، ولا يحق لكائن من كان أن يعترض على ذلك، حتى لو كان من أقرب حلفائها. فما هي السامية وما هي صلة اليهود بها؟ الساميون، كلمة اصطلحت لتشمل الشعوب الأساسية التي هاجرت ابتداء من سنة 3500 ق.م. من الصحراء العربية إلى ضفاف نهري دجلة والفرات، حيث الحضارات المزدهرة. فالأكاديون الذين سكنوا سومر دعيوا بالساميين، كذلك العرب الذين سكنوا الجزيرة العربية، بالإضافة إلى شعوب المنطقة التي اعتنقت الديانة اليهودية آنذاك. لم تكن الميزة المشتركة لهذه الشعوب عرقية بقدر ما كانت خصائص لغوية متشابهة أساسها تقاربهم اللغوي، حيث كانت هذه اللغات غنيّة بالأصوات النابعة من أعماق الحنجرة ومنها الآرامية والأمهرية والعربية والعبرية والأكادية. بما يعني أن العرب وخاصة الفلسطينيين الذين تضطهدهم إسرائيل هم ساميون أيضاً. وجاء في معجم المعاني الجامع، (معجم عربي عربي) أن معنى السامية هو: مجموعة من اللُّغات كانت شائعة منذ أزمان بعيدة في بلاد آسيا وأفريقيا سواء منها ما عفت آثاره، ومنها لا يزال باقياً حتى الآن، ومن أشهر لغاتها: العربيّة والأكاديّة والفينيقيّة والعبريّة والآراميّة. المعنى الحرفي أو اللغوي لمصطلح «معاداة السامية» هو«ضـد السامية»، وتُترجَم أحياناً إلى «اللاسامية». وقد تم استعمال المصطلح لأول مرة من قبل الباحث الألماني فيلهم مار لوصف موجة العداء لليهود في أوروبا الوسطى في أواسط القرن التاسع عشر. فمع تولي الحزب النازي السلطة عام 1933، أمر الحزب بالمقاطعة المعادية لليهود وسن القوانين المعادية لهم. وفي عام 1935، حددت قوانين نورمبرغ اليهود حسب دمهم وأمر بالفصل الكلي بين «الآري» و«غير الآري» حسب مبدأ التفاضل العنصري، وأصبحت الإبادة الجماعية لليهود هي الشغل الشاغل للنازية. كرد فعل مباشر للعداء النازي لليهود في المانيا تبنى الفكر الصهيوني في العصر الحديث أيديولوجيته الخاصة بكره «كل من كان غير يهودي» وأضاف لها أبعاداً سياسية. وفي الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، شكل هرتزل ومجموعة من العنصريين اليهود المتطرفين الحركة «الصهيونية» التي اتهمت الأحزاب السياسية المتواجدة في ألمانيا وفرنسا والنمسا آنذاك بما اسمته «معاداة السامية»، وهو أول ظهور لهذا المصطلح الذي تبنته بعد ذلك أدبيات الحركة مثل بروتوكولات حكماء صهيون التي تمخض عنها أو أيدت نظريات المؤامرة اليهودية الصهيونية الدولية التي دعت إلى إقامة وطن بديل «لجميع» اليهود في العالم. ولعبت النزعة القومية لهذه الحركة دوراً قوياً في ظهور «معاداة السامية السياسية». ولقد أدت إقامة دولة إسرائيل العنصرية في فلسطين وطرد أبناء البلد الأصليين وتشريدهم، وهم من أصول سامية، بعكس اليهود الذين تدفقوا إلى فلسطين من شتى أرجاء أوروبا، إلى تزايد المشاعر المعادية لليهود بشكل عام في الدول العربية والإسلامية. واليوم تتوسل الحركة الصهيونية بحجج ذات طابع معين وتلجأ إليها في معرض الدفاع عن أطماعها والتأكيد على صحة ما تدعيه من الحقوق في فلسطين ومن الملاحظ عبر تاريخ الصهيونية الحديثة أن التشديد على حجة من تلك الحجج وإبرازها دون ما عداها تتنوع وفقاً للظروف السائدة والاعتبارات الخاصة التي تمليها تلك الظروف وكل هذا لتبرير أطماع الحركة الصهيونية ورؤوس أموال يهود أوروبا، بالاستيلاء على فلسطين وجعلها وطناً للشعب اليهودي على حساب سكانها الأصليين من العرب. بعد قيام دولة إسرائيل العنصرية، وبغياب الفكر السياسي العربي الموحد، تمكنت الحركة الصهيونية من إقناع العديد من سياسيي العالم الغربي بأن العرب، «وهم ساميون أصلاً»، يعادون السامية ويضطهدون «اليهود» ويحرمونهم حقهم في الوجود. فاصبح مصطلح «معاداة السامية» بمثابة مسمار جحا الذي تتحجج به الصهيونية. نصَّار وديع نصَّار
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©