الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاختناق المروري يحوّل 7,3 مليون سيارة إلى نقمة على الجزائريين

الاختناق المروري يحوّل 7,3 مليون سيارة إلى نقمة على الجزائريين
15 ديسمبر 2013 21:51
حسين محمد (الجزائر) - حوّل الاختناق المروري المتصاعد في الجزائر حياة مواطنيها إلى جحيم وبخاصة في العاصمة والمدن الكبرى كوهران وقسنطينة وعنابة وسطيف؛ في حين بدأت الظاهرة «تزحف» باتجاه بقية المدن نظرا لكثرة السيارات بالبلد وتزايد أعدادها بوتيرة سريعة من سنة إلى أخرى. ويشكو السائقون من أن كل الطرق المنجزة لا تكفي للقضاء على ظاهرة الاكتظاظ المروري التي تسبّب لهم الكثيرَ من المتاعب يومياً وتجعلهم يتأخرون عن عملهم، بينما تردّ السلطات بأنها أنجزت الكثير من الطرق، وبرمجت طرقاً أخرى للإنجاز، لكنها ألحت على ضرورة تكثيف استعمال وسائل النقل العامة، وتخفيف الاعتماد على السيارات الشخصية للتنقل داخل المدن. جحيمٌ يومي بدأت ظاهرة الاختناق المروري تبرز في الجزائر منذ نحو عقد من الزمن، بفعل تزايد عدد السيارات والمرْكبات المختلفة دون أن يرافقها إنجازُ شبكة طرقات واسعة وحديثة لضمان استمرار السيولة في حركة المرور. وزاد الطينَ بلَّة قرارُ الحكومة بمنح قروض بنكية استهلاكية للمواطنين لاقتناء سيارات بالتقسيط المريح، وهنا شهد سوق السيارات حركة كبيرة، حيث قفزت مبيعات مختلف الماركات العالمية من نحو 140 ألف سيارة سنوياً إلى أكثر من 350 ألف سيارة. ومع استفحال مشكلة الاكتظاظ المروري، أقدمت الحكومة على إلغاء القروض الاستهلاكية منذ 4 سنوات، إلا أنّ ذلك لم يُفض إلى تراجع مبيعات السيارات، بل إنها ارتفعت إلى نحو نصف مليون سيارة سنوياً، في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وهي مرشحة لبلوغ 600 ألف سيارة في نهاية العام الجاري بفعل تحسّن القدرة الشرائية للجزائريين بشكل ملحوظ بعد إقرار زيادات كبيرة في مجمل أجور الموظفين، ومنح مئات الآلاف منهم متأخرات الزيادات في أجور 3 إلى 4 سنوات، وهذا لامتصاص توتر الجبهة الاجتماعية بعد تصاعد الإضرابات للمطالبة بتحسين الأجور. وبلغ عدد السيارات السياحية والمرْكبات النفعية المختلفة، نحو 7,3 مليون سيارة ومرْكبة، بحسب رابح زواوي، مسؤول بالمديرية العالمة للأمن الوطني بالجزائر. ونجم عن هذا الوضع اختناقٌ مروري رهيب لاسيما وأن الطرقات المنجَزة لم تستطع امتصاص هذه الزيادة غير المتوقعة في عدد السيارات، وأصبح الموظفون والطلبة الجامعيون وغيرُهم من القاطنين بضواحي العاصمة مجبرين على قضاء ما بين ساعة إلى ساعتين كل صباح لدخولها والالتحاق بمؤسساتهم، لاسيما وأن معظم المؤسسات الاقتصادية والمصالح الإدارية والوزارات والسفارات الأجنبية والجامعات والمستشفيات الكبرى تتمركز بالجزائر العاصمة. ويقترح سيدي بومدين رشيد، وهو مختص في التخطيط العمراني «توزيع هذه النشاطات والمرافق المختلفة على محيط العاصمة بدل بقائها في قلب المدينة لتخفيف الازدحام المروري فيها». تفاقم الوضع أدى تفاقم الوضع والبقاء 3 ساعات إلى أربع يومياً في الطرقات، بجمع الفترتين الصباحية والمسائية، إلى تزايد القلق والعصبية لدى الجزائريين، فضلاً عن زيادة أمراض القلب والضغط الدموي والسكري، إلى ذلك، يقول حسان منوار، مسؤول في اتحادية حماية المستهلكين «لقد فقدتُ خالي في اختناق مروري بين الجزائر العاصمة ومدينة تيزي وزو، العديدُ من الجزائريين توفوا بسبب الاختناق المروري الذي سبّب تصاعد حالات الضغط الدموي والقلب والسكري والقلق». ونبَّه أطباء مختصون عديدون إلى تصاعد عدد المصابين بهذه الأمراض المزمنة بفعل شدة القلق الذي يتسبب فيه الاكتظاظ المروري، إلا أنه لم تصدر إلى الآن دراسة علمية ترصد هذه الظاهرة بالأرقام. مغالطة وبالنسبة لبعض المحللين، فإن الحديث عن تسبّب كثرة السيارات في الاكتظاظ المروري، يُعدّ «مغالطة وتهرّباً من المسؤولية»، يقول محمد غربي، وهو مهندس معماري «الحديث عن كثرة السيارات مغالطة، فرنسا تجوب شوارعَها أكثرُ من 22 مليون سيارة ولم يسبِّب ذلك أي اختناق مروري فكيف تسببه 7 ملايين سيارة في الجزائر؟» وبرأي غربي، فإن المشكلة تكمن في «عدم مواكبة حركة التنمية لارتفاع عدد السيارات، وضعف التخطيط، وعدم التنسيق بين مختلف الوزارات لحل المشكلة حيث يعمل كل قطاع وزاري بمعزل عن الآخر». وفي انتظار تجسيد هذه الاقتراحات والحلول وتخفيف حدة الظاهرة، يفضل الكثيرُ من الموظفين والطلبة القيام باكراً جداً للالتحاق بمؤسساتهم قبل الثامنة صباحاً تفادياً للمزيد من المتاعب؛ إذ تشهد حركة المرور انسيابية مقبولة قبل السابعة صباحاً وبعدها يبدأ الجحيمُ اليومي. مرضٌ عضال ينظر كثيرُ من المواطنين، سواء الذين يملكون سياراتٍ أو يعملون بمختلف المدن ويضطرون إلى دخولها يومياً بالحافلات، إلى اختناق حركة المرور بشوارع الجزائر العاصمة والمدن الكبرى، على أنه أضحى بمثابة المرض المزمن الذي لا شفاء منه، بالنظر إلى الارتفاع المستمر لعدد السيارات وقلة الطرق المنجَزة والمشاريع المُبرْمجة لإنجاز طرقات أخرى، وقد بدأ الكثيرون يتقبَّلون الواقع المرير كمن يتقبل مرضه المزمن طيلة حياته، إلا أن الحكومة والعديد من المختصين لا يزالون يطرحون حلولاً عديدة للقضاء على الظاهرة، أو على الأقل التخفيف منها. إلى ذلك، حث وزير النقل عمار غول يوم 3 ديسمبر الجاري إطارات الوزارة وخبراءَ النقل على إيجاد حلول للظاهرة، بعد أن جمعهم في «جلسات وطنية للنقل» دامت يومين، واقترح غول مبدئياً تعزيز النقل البحري بين الجزائر العاصمة ومدينتيْ بومرداس والبليدة القريبتين منها لدفع السائقين إلى تخفيف الاعتماد على سياراتهم لدخول الجزائر العاصمة يومياً للعمل أو قضاء حاجيات أخرى ملحّة. كما اقترح الوزير تعميم النقل البحري بين 14 ولاية ساحلية. وهي تجربة جديدة تماماً وغير مسبوقة. من جهته، اقترح رشيد وازن، مدير النقل العمومي لولاية الجزائر، «تعزيز مشاريع الترامواي والميترو إلى مختلف بلديات مدينة الجزائر، فحينما تكون هناك شبكة واسعة لهاتين الوسيلتين، سيترك آلاف الموظفين سياراتهم ويستعملونهما لتفادي الازدحام المروري». وفتحت الجزائر خطين للميترو والترامواي منذ نحو 3 سنوات، لكنهما لا يزالان محدودين. ويقترح وازن أيضاً إنجاز العديد من المواقف الكبرى للسيارات في ضواحي مدينة الجزائر وتوفير النقل العمومي انطلاقاً منها باتجاه قلب المدينة، لدفع السائقين إلى ركْن سياراتهم في الضواحي وعدم دخول العاصمة إلا بالحافلات لتخفيف الازدحام المروري، لاسيما وأن نحو 1,5 مليون سيارة تدخلها يومياً. ظاهرة مستمرة أما وزارة الأشغال العمومية فترى أنها أنجزت الكثير من الطرق، لكن حِدّة الظاهرة لم تخفّ، يقول مدير الأشغال العمومية للمدينة، عبد النور رابحي «لقد تمّ إنجاز طرق عادية، وأخرى سريعة، ومحوّلات وجسور وأنفاق كثيرة للقضاء على النقاط السوداء المعروفة في الطرق، وهناك مشاريع أخرى لفك الخناق عن العاصمة، ولكن ذلك يجب أن يُرفق بحلول أخرى للظاهرة وفي مقدمتها تفعيل مشاريع النقل العمومي وخطوط السكك الحديدية والترامواي والميترو، ومواقف السيارات بالضواحي، وإلا فإن الظاهرة لن تنتهي». دواع أمنية السائقون يشكون من كثرة الحواجز الأمنية المنصَّبة ليلاً نهاراً بمختلف المداخل المؤدّية إلى الجزائر العاصمة لدواعٍ أمنية، ويؤكدون أنها أحد الأسباب الرئيسة في تفاقم الازدحام المروري، إذ يتعين على كل سائق انتظار ما بين ربع ساعة إلى 45 دقيقة لاجتياز أي حاجز أمني. ويقوم رجال الشرطة بالوقوف وسط الطريق السريع وفحص السيارات والمرْكبات المختلفة واحدة تلو الأخرى عبر جهاز الكشف عن المتفجرات، ما يجعل حركة المرور بطيئة وثقيلة أمام حواجز الأمن، ويردّ المسؤول بالأمن الوطني رابح زواوي على هذه الانشغالات قائلاً «الحواجز الأمنية ضرورة لاغنى عنها للحؤول دون مرور الإرهابيين والسيارات المفخخة، وبالتالي الحفاظ على أمن الوطن والمواطن الذي يجب أن يتفهم احتياطاتنا الأمنية ويصبر أقل من ربع ساعة قبل اجتياز الحاجز».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©