الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحمقى الجدد

الحمقى الجدد
16 ديسمبر 2011 22:44
لا أدري من الذي أغلق علينا باب التعرّف إلى الناس وطبائعهم وصفاتهم، فمن يريد أن يعرف الشجاعة فليس أمامه إلا الرجوع إلى الكتب القديمة، فيسمع صرخات أبا زيد الهلالي ويرى زبد الغضب من فم عنترة العبسي، وكذلك في الكرم والبخل والحكمة والسُفه والحيلة والغباء.. والحماقة. ولا أدري لم أُحب أن أقرأ في حكايات الحمقى والمغفلين، ومنذ القرن الماضي وأنا أبحث عن الجديد في عالم الحمقى، وإن كان لدى بعض القرّاء الجواب على سؤالي فأرجو أن يحتفظوا به لأنفسهم. لكن للأسف الشديد، أغلب الموجود في الأدب العربي القديم من حكايات للحمقى وعلامات وأصناف وطبقات، لا يمكن الاعتماد عليها لمعرفة حمقى هذا الزمان، ولو خُضع السبعة مليارات آدمي الحاليين لاختبار الحُمق استناداً إلى المعطيات القديمة، فإن الجميع سيفشل، أي لن ينجحوا في الحماقة، وهذا غير معقول. السبب في ذلك أن معايير أيام زمان تختلف عن معايير زماننا هذا، فنحن لا نشبههم، لا في الأسماء، ولا في الأزياء، ولا في الأدوات، ولا في الوسائل، ولا في الأفكار، ولا في طريقة الحديث، ولا في العادات أو التقاليد، ولا في طرق العيش، ولا في أي شيء آخر. فمثلاً يُروى أن معاوية سأل أصحابه: بأي شيء تعرفون الأحمق من غير مجاورة؟ فقال بعضهم: من قبل مشيتهِ ونظرهِ وتردّدهِ، وقال بعضهم: لا بل يعرف حُمق الرجل من كنيته ونقش خاتمه. وبينما هم يخوضون في حديث الحمقى إذ صاح رجل لرجل: يا أبا الياقوت، فدعا به معاوية، فإذا رجل عليه بزّة، فحاوره ساعة ثم قال: ما الذي على فُصّ خاتمك؟ فقال: «ما لي لا أرى الهدهد أم كان مِن الغائبين»، فقالوا: يا أمير المؤمنين، الأمر كما قلت. وسنلاحظ أن المعيارين المستخدمين في «اكتشاف» الأحمق وفق هذه الحكاية لا يمكن اعتمادهما اليوم، فالكنى عندنا في الخليج ليست اختيارية، فمن كان اسمه خالد كُني بأبي الوليد، سواء أعجبه أم لم يعجبه، ومن كان اسمه أحمد كُني بأبي شهاب. فإذا جاءه مولود، كُني بأبي فلان، وبالطبع لا يستطيع أحمد، وإن كان أحمقاً، أن يسمّي ابنه «الشمقمق» ليُكنى به، لأن الموظف المختصّ بإصدار شهادات الميلاد ليس «هبنقه». هذا لا يمنع وجود أشخاص يطلقون على أنفسهم ألقاباً غريبة، كـ«عصام دنجور، و»علي واندو»، لكنها ألقاب لمراهقين يعيشون في عالم الأفلام الأميركية ولا أهمية لهم في عالم الحمقى والمغفلين. كما أن المعيار الآخر، نقش الخاتم، لا يصلح معياراً لحماقة العصر الحديث، لأن الغالبية الساحقة من الناس لا يتختّمون. ومن يرتدي خاتماً فإنه في الغالب خالٍ من الكتابات، لكن يمكن مساواة الفصوص الكبيرة للخواتم الحالية بالكتابات الغريبة في ذلك الزمان، كما أن الهاتف المتحرك يصلح أن يستخدم كمعيار مشابه لمعيار الخاتم، سواء بلونه، أو بغطائه، أو بكميته، كمن يملك خمسة هواتف متحركة يستعملها في وقت واحد، فهو إما بدّالة متحركة وإما هو أحمق، ولا شيء ثالث. وما دام الأمر كذلك، فإنه ينبغي أن نفتح باب الاجتهاد على مصراعيه في موضوع الحمقى. ونضع قائمة بالتصرفات الحديثة للحمقى الجدد، والتي يصير مرتكبها أحمقاً. والقائمة التي سأضعها ليس عليها إجماع بين العقلاء، ولم يعترف بها أي أحمق على وجه الأرض، لكن من حقي أن أعرض وجهة نظري، فنحن في زمن الحرية والرأي والرأي الآخر. من تصرفات حمقى القرن الحادي والعشرين السهر لأيام متواصلة أمام الهاتف ومحاولة الاتصال ببرنامج ما يطلبه المستمعون، إلى أن يحظى صاحبنا بثوانٍ على الهواء مباشرة، يقول فيها: ألو.. صباح الخير.. برنامج الأغاني؟ ممكن أطلب أغنية «عاشت الوحدة العربية»؟ مع السلامة. لكن للأمانة، فإن حياة هؤلاء سبب لحياة غيرهم، فلولا المتصلين ما كانت الإذاعة، ولولا الإذاعة ما كانت الأغاني ولا التكنولوجيا ولا الاتصالات ولا الأقمار الاصطناعية، ولما كانت هناك وظائف في كل هذه القطاعات التي تخدم بطريقة أو بأخرى ذلك المتصل كي يجري اتصاله المهم في جوف الليل ليطلب أغنية مثل وجهه، ولولاه ما كانت هناك رواتب تنزل، وأسر تأكل، وبيوت تفتح، ونسل يتكاثر، وأرض تُعمّر. ولا يجوز أن تخلو القائمة من أولئك الأشخاص الذين يخصّصون ساعات من يومهم لحصر الرسائل التي تصلهم على هواتفهم النقّالة، وتصنيفها، وحفظ بعضها، وإرسال الكثير منها إلى الآخرين، كمن يتخصص في إرسال النكات برغم ثقل دمه. ومن يرسل الشائعات برغم أنه شعره أبيض، ومن يستميت في الرد على أي رأي أو خبر يصله كأنه المتحدث الرسمي لمؤسسة الردّ الدولية. وبشيء من التردّد سأضع في القائمة مئات الملايين من الناس الذين يتعصّبون لكرة خرقاء يجري خلفها واحد وعشرون لاعباً، هم الذين يلعبون بمتعة ويكسبون الملايين بسرعة، وليس للملايين البشرية إلا شدّ الأعصاب والفرح بأهداف لم يحرزوها، والحزن لأهداف لم تدخل مرماهم. والقائمة تطول، لكن لابد لهذا المقال من نهاية، لكن يرجى ملاحظة أن للمتصلين والمشجعين وسعاة البريد الهاتفي كامل الحق في وضع ما يشاؤون من قوائم للتصرفات الحمقاء. وأخشى أن أجد قائمة تعتبر أن من يشغل باله على مدار قرنين من الزمان يفكّر في الحمقى هو أكبر أحمق في العالم. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©