الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تعزيز القطاع الخاص... لخفض العجز الأميركي

5 ديسمبر 2012
بيتر موريسي أستاذ الاقتصاد بجامعة مريلاند الأميركية على رغم أن الزيادة في الضرائب التي يقترحها أوباما لمعالجة الاختلالات المالية الكبرى في واشنطن لن تحل المشكلة، بل قد تلحق الضرر بالاقتصاد، إلا أن هناك مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أبدوا استعدادهم، في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل بشأن الهاوية المالية، لمساعدة أوباما في جعل الأغنياء يدفعون المزيد من الضرائب، رغم المعطيات والحقائق التي تذهب عكس هذا الاتجاه. ولئن كان العجز الحالي للموازنة العامة خارجاً عن كل سيطرة بعدما وصل إلى 1,3 تريليون دولار على مدى السنوات الأربع الماضية، إلا أنه ليس ناجماً عن سياسات إدارة بوش السابقة التي يعمل أوباما حالياً على قلبها، والدليل على ذلك أنه في عام 2007، أي قبل سنة على اندلاع الأزمة المالية العالمية وتداعياتها المستمرة، كان العجز في حدود 161 مليار دولار، علماً بأن بوش أقر خفضاً للضرائب ودعماً لقانون توفير العلاج لكبار السن، فضلًا عن تكاليف حربي العراق وأفغانستان اللتين كانتا في أوجهما. واليوم وبعدما استعاد الاقتصاد الأميركي بعض عافيته واجتاز المنطقة الصعبة من الأزمة الاقتصادية، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 1,8 تريليون دولار مقارنة بمستوياته ما قبل الأزمة، تكمن المشكلة في تراجع مداخيل الضرائب بسبب انكماش النشاط الاقتصادي بشكل عام مع ما يرافق ذلك من تزايد في الإنفاق العام الذي من المتوقع أن يرتفع في 2013 إلى حدود تريليون دولار مقارنة بالسنة المالية 2007. ولتحسين الأداء الاقتصادي بعدما وصلت الأزمة إلى مستويات مقلقة أقدم أوباما وإدارته على مجموعة من الإجراءات كان أهمها الخفض المؤقت للضريبة على الدخل بنقطتين في المئة، كما عزز بعض الإعفاءات الأخرى في قانون الضرائب، وإذا انتهت صلاحية هذه الإجراءات المؤقتة كما يفترض فيها مع الأول من شهر يناير المقبل، وعادت حصتها إلى خزينة الدولة، فإن من المتوقع أن ينخفض العجز بحوالي 214 مليار دولار. ومن بين النفقات الإضافية التي أُقرت منذ بدء الأزمة المالية لتفادي تداعياتها المؤلمة ذهبت فقط 360 مليار دولار لمواجهة فارق التضخم، فيما خصصت 660 مليار دولار للنفقات الجديدة التي رُوج لها في البداية على أنها مؤقتة، إلا أنها تبدو اليوم وكأنها دائمة. والحقيقة أنه بترك الإجراءات التي أقرها أوباما تنقضي مع حلول السنة الجديدة مثل خفض الضرائب على الدخل والعودة بالإنفاق العام إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية يمكن حذف 900 مليار دولار من إجمالي العجز الأميركي، أما خفض الضرائب على الأغنياء الذي أقره بوش فعليه ألا يُمس بأي حال من الأحوال، على الأقل ليس لحل مشكلة العجز الحالية. ذلك أن المعضلات الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن متعددة الأبعاد، فأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون مثل «ساكبي شامبليس» و«لامار ألكسندر» و«ليندزي جراهام» ممن أبدوا استعدادهم للموافقة على سياسة أوباما في رفع الإنفاق من خلال تحصيل المزيد من المداخيل الضريبية يريدون أن يظهروا أمام الناخبين على أنهم حريصون في النهاية على خفض العجز في الموازنة. والحال أنه لا قدرة لهم على الحد من موجة الإنفاق التي لا تستطيع أميركا مواكبتها، فيما تتمثل المعضلة الأخرى في الاعتماد المتنامي للولايات المتحدة على العجز الكبير في الموازنة الناتجة عن الديون لتحفيز نمو ضعيف لا يبرر الإنفاق ولا الاستدانة والهدف، كما يقول الديمقراطيون، هو الحيلولة دون ارتفاع كبير في معدلات البطالة وإبقائها تحت عتبة 8 في المئة، على رغم أن علاج هذه المشاكل يتطلب إصلاحات هيكلية في الاقتصاد الأميركي ومعاجلة الاختلالات البنيوية التي كانت وراء الأزمة المالية وتعيق حالياً النمو. ومن تلك الاختلالات القيود غير الضرورية المفروضة على عمليات تطوير حقول النفط في خليج المكسيك وقبالة المحيط الأطلسي، بالإضافة إلى موارد أخرى في ألاسكا وساحل المحيط الهادي، وهو الأمر الذي يبقي أميركا مرتهنة للواردات النفطية، على رغم الارتفاع الملحوظ في إنتاج النفط في الحقول البرية، ولاسيما في الولايات الجنوبية، ثم هناك مشكلة أخرى مرتبطة بضعف التنافسية مع المنتجات الصينية التي غزت السوق الأميركية وأثرت سلباً على القطاع الصناعي. وأخيراً تبرز مشكلة «وول ستريت» التي تواصل حجبها للقروض الضرورية للشركات الصغرى والمتوسطة، وفيما يقترح أوباما كجزء من استراتيجيته لخفض العجز زيادة الضرائب على الأغنياء، تبقى الحقيقة أن تلك الزيادة التي ستجني بموجبها الخزينة 160 مليار دولار سنوياً لن تكون كافية للحد من العجز. كما أن الزيادة في الضرائب المفروضة على الولايات بأكثر من 50 في المئة التي تدفعها حالياً سيضرب قدرتها على خلق الوظائف. وفي نهاية المطاف لن يقبل الجمهوريون برفع الضرائب إلا إذا قابلها خفض في بعض أوجه الإنفاق. والحال أن خفض العجز دون تبني سياسات موازية تحفز النمو سيقذف بالاقتصاد في أتون الركود للمرة الثانية، وحينها ستهوي المداخيل الضريبية بسبب انكماش النشاط الاقتصادي فيما ستواصل البرامج الاجتماعية ارتفاعها لمواجهة تداعيات الركود مثل التعويضات على البطالة والرعاية الصحية، وهي وصفة بالكاد تساعد على خلق المزيد من الوظائف. ولذا فإن ما يجب على أوباما وحلفائه الجدد في الحزب الجمهوري إدراكه هو أن الاستجابة السليمة على إشكالية العجز تتمثل في تعزيز نمو القطاع الخاص من خلال تطوير الموارد النفطية المحلية، والتصدي لسياسة التوسع التجاري الصيني، وحث «وول ستريت» على توفير القروض اللازمة للشركات الصغرى والمتوسطة وللبنوك الصغيرة التي تتعامل معها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©