الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحكومة التركية... هل تضيق ذرعاً بالانتقادات؟

15 ديسمبر 2013 23:04
يبدو أن «إريتان إيدين»، كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوجان، لا يأخذ الانتقادات التي يوجهها الإعلام الغربي لحكومة «العدالة والتنمية» الحاكمة على محمل الجد، بل يعتبرها نوعاً من التحامل على التجربة التركية، فقد أشار «أيدين» في مقال نشره بموقع يوم الأربعاء الماضي إلى مجموعة من المقالات التي ظهرت في «نيويورك تايمز» للكاتبين «تيم أرجانو» و«سيلان يجنيسو»، فضلا عن مقال آخر كتبته أنا في الصحيفة نفسها باعتبارها دليلا ساطعاً، على «البعد الاستشراقي» الكامن في الكتابات التي تنتقد الحكومة التركية، والحال وإنْ كنت لا أنفي تماماً دور الاستشراق في تشكيل تمثلات خاطئة عن الشرق عموماً، إلا أن ذلك لا ينطبق على ما كُتب من انتقادات موجهة للحكومة التركية، والتي تبقى أبعد ما يكون عن الاستشراق، فلسنوات طويلة وعلى غرار معظم الصحفيين الغربيين الذين عملوا في تركيا، أو اشتغلوا على موضوعاتها، دافعت بشدة عن «أردوجان» وحكومته ضد المخاوف المبالغ فيها وغير المؤسسة على حجج صلبة التي كان يبديها العلمانيون الأتراك من أن الحكومة الإسلامية تسعى إلى فرض أجندة متشددة على الأتراك وإرجاع البلاد إلى القرون الوسطى. لكن يشتكي «إيدين» من غياب النظرة الموضوعية في تناول الصحافة الغربية للشأن التركي، لا سيما عدم إشارتها إلى إنجازات حكومة «العدالة والتنمية» في مجال الديمقراطية. وهي ادعاءات غير صحيحة فحتى سنوات قليلة ماضية كانت تركيا محط ثناء وإشادة من الغرب لإنجازاتها التي يقول «إيدين» إن الإعلام الغربي ينكرها، وإلا لما حازات في الإعلام نفسه على وصف «النموذج التركي» باعتباره جديراً بالاحتذاء في المنطقة. وإذا كانت الإشادة قد قلت اليوم وتراجع الاحتفاء بتركيا فذلك لإن الإصلاحات الليبرالية توقفت منذ سنوات، لا سيما في ميادين مثل حرية الصحافة التي تقهقرت إلى الوراء. وفيما تواصل الصحافة الغربية على سبيل المثال الإشارة إلى الجهود الحميدة التي تبذلها حكومة أردوجان للتوصل إلى سلام مع الأقلية الكردية المطالبة بالانفصال، إلا أنه سيكون من المستحيل بالنسبة للصحفيين الأجانب عدم الانتباه إلى مشاعر الخيبة المتفشية حالياً بين فئات واسعة من الأتراك الذي يتخوفون من إضاعة أردوجان لفرصة تكريس الديمقراطية، والانجرار أكثر إلى نموذج سلطوي في الحكم ينقلب على الإنجازات التي قطعتها تركيا على درب الديمقراطية، ويبدو أن الحكومة الحالية تدفع في اتجاه تكريس أيديولوجية حزبية لأسباب مرتبطة في مجملها بتعزيز قاعدته الحزبية استعداداً للانتخابات المقررة في السنة المقبلة، ومع ذلك يسعى «إيدين» دائماً إلى مواجهة بعض المؤاخذات والانتقادات الموجهة للحكومة التركية مثل التدخل العنيف للسلطة لفض اعتصام حديقة «جيزي»، حيث يقول إن الوفيات الخمسة التي تسبب فيها التدخل الأمني هي خاضعة للتحقيق، مضيفاً أنه لا أحد من المتظاهرين يتم محاكمته حالياً. غير أن هذه الدفوعات لا تستقيم إذا نظرنا إلى الواقع، فالضحايا الستة-إذا أضفنا رجل الشرطة-الذين سقطوا كان حادثاً غير مبرر بالمرة، وكان نتيجة القبضة العنيفة للسلطة التي لم تبدِ تسامحاً تجاه مظاهرة تدافع عن قضايا بيئية، كما أنه ما لا يقل عن 40 محاكمة لحوالي 300 شخص تجري حالياً، وفقط خلال الأسبوع الجاري تمت إدانة 255 شخصاً على خلفية المشاركة في المظاهرة؛ وعندما يتعلق الأمر بموضوع تشديد قوانين الإجهاض التي تسعى الحكومة الحالية لإقرارها، يبرر «إيدين» هذا المسعى بكون المجتمع التركي محافظاً في الأساس، ولا يريد «أردوجان» اعتماد الإجهاض كوسيلة لمنع الحمل، لكن الإجهاض لم يكن موضوعاً يحظى بالأولوية في الساحة التركية، بل كانت معدلاته آخذة في التراجع دون الحاجة إلى تقييد، وهو لم يطفُ إلى السطح كقضية للنقاش إلا بعدما استخدمه أردوجان لصرف الانتباه عن انتقادات أخرى مرتبطة بمقتل 34 من المدنيين الأكراد بإحدى القرى شرق البلاد بعد الاشتباه في أنهم إرهابيون، حيث وصف الإجهاض بأنه قتل للأرواح البريئة مثلما حدث في القرية الكردية، وهو استغلال واضح للإجهاض لتحقيق أغراض سياسية. والأكثر من ذلك لا يثير «إيدين» الموضوع الرئيسي الذي يشغل الصحفيين الغربيين والمتمثل في التوجه القمعي المتزايد للسلطة ضد الصحافة المحلية، لتصبح تركيا أحد البلدان الأكثر سجناً للصحفيين، وهو ما أكده تقرير أصدره حزب «الشعب» الجمهوري المعارض قال فيه إنه ما لا يقل عن 77 صحفياً تركياً فقد عمله بسبب تغطيته لمظاهرة «جيزي». ومع أن أردوجان ما زالت أمامه فرصة ليصبح أحد القادة العظام في تركيا ويحوز فضل تقدم البلاد ووضعها على سكة الديمقراطية، إلا أن وصف مستشاره، «إيدين»، للانتقادات على أنها جزء من الاستشراق يندرج فقط في محاولة تسفيه المعارضين والتمسك بادعاءات المؤمرات الخارجية في محاولة لنزع الشرعية عن الانتقادات الموجهة للحكومة، ولعلنا ما زلنا نذكر كيف ادعى مستشار آخر لأردوجان في عز أزمة حديقة «جيزي» أن المظاهرات هي من تخطيط شركة ألمانية، والحال أن التهديد الأخطر على حكم أردوجان لا يأتي من الإعلام الغربي بقدر ما يكمن في الشباب التركي المتعلم الذي خرج للتظاهر ووصفه «أردوجان» بالإرهابي، كما يكمن الخطر أيضاً في معارضي أردوجان السياسيين وجزء مهم من مناصريه السابقين، بل حتى في زملائه مؤسسي حزب «العدالة والتنمية» مثل الرئيس عبد الله جول ونائب رئيس الحكومة، «بولنت أرنيك»، فهل نرمي كل هؤلاء بتهمة الاستشراق أيضاً!؟ مارك تشامبيان صحفي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©