الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدستور أولاً

16 ديسمبر 2011 22:43
هناك حالة من القلق تنتاب الكثيرين لما يحدث في مصر حالياً من استقطاب بين من يطالبون بوضع الدستور أولاً ومن يطالبون بالانتخابات قبل وضع الدستور. وما يزيد هذا القلق تحوله من اختلاف في وجهة النظر بين القوى السياسية إلى اختلاف ذي استقطاب ديني خاصة وأن أحد طرفي الاستقطاب تجمعهم الشعارات والمسميات الدينية الإسلامية. ورغم خطورة هذا الاستقطاب فإنه لم يسلم من فوائد، حيث ظهر من خلال النقاشات الحادة المرتبطة به الكثير من التعبيرات الكاشفة التي يطلقها أنصار كل فريق، إلا أنه يبقى أبرزها تعبير "الخروج عن الشرعية" في حالة الإتيان بالدستور قبل الانتخابات ليكون له رنين خاص ليس لأن من يرفعونه هم "الإخوان المسلمون" فقط، وإنما لكون هذا الشعار طالما استخدم من قبل كهنة النظام السابق لتبرير إفسادهم للحياة السياسية، وكأن الشرعية بالنسبة لهم تعني الهيمنة والسيطرة وليس العمل بحكم القانون. وهذا الاستقطاب بتحوله من اختلاف في وجهات النظر إلى إعطائه صبغة دينية، يعيد ما حدث أيام الاستفتاء الأخير. ويمكن تلمس هذا النهج في خطاب هذه القوى بتدشين الاتهامات والتوصيفات التي تحمل إهانات للآخرين ممن يطالبون بالدستور أولاً في كونهم ليسوا فقط خارجين على الشرعية وإنما هم علمانيون ضد الدين على حد فهم هذا الفريق... وهذا أمر متوقع من هذه القوى والجماعات الدينية. ومن هنا فقد أظهر هذا الجدل مجموعة من الحقائق، أولها أن الثورة المصرية كانت ثورة مدنية للطبقة الوسطى التي التحمت مع أبنائها بعيداً عن التوظيفات الدينية، وهو ما أدهش هذه القوى الدينية نفسها قبل النظام مما جعلها تلتحق بالثورة كجزء من الكل وليس ككل، خلافاً لما كانوا يتوهمونه من أنهم المهيمنون على الشارع، وهذا يفسر تشويههم بعد ذلك لكل تجمع أو تحرك منفصل بدونهم، مثلما حدث في جمعة الغضب الثانية بترديدهم الشائعات حولها. ثاني هذه الحقائق أن الجماعات الدينية سلكت سلوكها الطبيعي بعد التنحي بخروجها عن مسار الثورة، وهو أمر طبيعي لكونها منذ البداية لم تكن فيها، حيث أخذت تبني قواعد قوتها استناداً إلى تاريخها، وإن كان في ذلك ظلم كبير لشباب "الإخوان" الذين يقتربون في أفكارهم من شباب الثورة. والثالثة عجز هذه القوى عن العيش خارج إطار المعارضة وتلفيق الاتهامات للمخالفين لها في الرأي، فما من حديث لرموزها بمن فيهم المرشد العام، إلا ويؤكد على ذلك. وهي تستند هنا إلى قاعدتها الدعوية التي تنطلق من امتلاك الحقيقة الدينية في كل أنحاء المجتمع وعلى أن ما يقوله الإسلاميون هو الدين وغير ذلك ليس بصحيح! وإن امتلاك مثل هذه الأدوات يجعلها تنجح نسبياً في تعبئة مجتمع بطبيعته متدين ويتردد كثيراً في الاعتراض على المقدس حتى لو كان موظفاً بشكل سياسي كما يحدث الآن. رابعة الحقائق أن هذا الاختلاف أعاد الثورة لأصحابها الحقيقيين قبل التفاف المنتفعين عليها، فسقوط النظام السابق كانت فوائده كثيرة للكثيرين حتى ممن لم يشاركوا فيها مثل السلفيين وغيرهم، لكن هذا لا يمنع أنهم وجدوا فيها فرصة لإثبات وجودهم، وهو حق مشروع لهم، مادام ذلك يتم في إطار دستور يضمن حقوق الكل المختلف بمبادئه التي تعلو على كل أصحاب الأيدلوجيات والقوى السياسية ليكون في النهاية الحكم بينهم. وبالنسبة لي فالقضية الرئيسية اليوم هي: هل ننجح بالفعل في بناء الإطار الدستوري والمؤسسي للدولة المصرية في شكل قواعد وقوانين حاكمة عادلة في المجتمع؟ هذا هو التحدي الأساسي الذي ينبغي أن تكون له الأولية، أما تصارع القوى الدينية للفوز بالنصيب الأكبر من التورتة، فليس له ما يبرره. فلماذا هم خائفون؟ وهل مصر الديمقراطية سوف تكون ضدهم؟ لقد عاشوا تحت نظام استبدادي، فماذا لو جاء نظام ديمقراطي سوف يحترم وجود الجميع ويقر قواعد الاحترام والتفاعل ما بين القوى المختلفة؟ ليس هناك سوى جواب واحد هو أنهم يريدون ديمقراطية على مقاسهم، وأن المطلق الديني لديهم يتعارض مع القيم الدستورية التي تحمي التعددية والاختلاف. عزمي عاشور - كاتب مصري ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©