الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هل تتغير سياسة بريطانيا الخارجية برحيل بلير؟

3 يونيو 2007 01:38
غادة سليم: في الوقت الذي يقضي فيه رئيس الوزراء البريطاني المستقيل توني بلير وقته في القيام برحلات لتوديع أصدقائه في أوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا، يقوم خليفته المرتقب جوردون براون بجولة شاملة في مختلف أنحاء بريطانيا لسماع شكاوى الناس، والاطلاع على مخاوفهم قبل قيامه بتشكيل الحكومة الجديدة· وهذا التناقض يضع بريطانيا في حالة فريدة من نوعها تتمثل في رئيس وزراء خارج البلاد لا يمارس مسؤولياته، وآخر داخل البلاد يمارس مهام، ولكن مع وقف التنفيذ· وهذه الفترة الانتقالية الطويلة من المتوقع أن تمتد حتى نهاية شهر يونيو المقبل مما يعني استمرار وجود فراغ في السلطة، وتعطل الحكومة عن أداء وظيفتها، ومصير مجهول لوزراء لا يعرفون ما إذا كانوا سيستمرون في مواقعهم أم سيتم الاستغناء عنهم· دفعت هذه الأجواء الصحف البريطانية إلى عد تنازلي للأيام الثقيلة المتبقية لرئيس الوزراء توني بلير في السلطة، فالسياسيون في بريطانيا والمراقبون في أوروبا والمحللون في العالم يتعجبون من إصرار بلير على البقاء في موقعه بالرغم من تقديم استقالته، والانتهاء من إجراء انتخابات زعامة جديدة· فهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها انتقال للسلطة بمثل هذا البطء خلال فترة زمنية ممتدة مما يجعلها فترة قلق على المستويات الحكومية والسياسية كافة· صفحة جديدة تنشغل الصحف البريطانية هذه الأيام أيضاً بالمقارنة بين أحوال بريطانيا في عهد بلير وما سيطرأ عليها من تغيير في عهد براون، فعلى صعيد السياسة الداخلية مجرد تولي جوردون براون مقاليد الحكم في بريطانيا يبشر بعصر ذهبي لحزب العمال البريطاني· فانتخاب براون لتولي منصب رئيس الوزراء تم بالإجماع، وبنسبة وصلت إلى 90 بالمائة، مما يعكس رغبة شديدة لدى أعضاء حزب العمال البريطاني لرأب الصدع، وفتح صفحة جديدة من الوفاق الداخلي، وطي صفحة الصراع التي سادت في عهد بلير· وفيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة فلقد وصف براون الحكومة القادمة بالـ''متواضعة والداعمة للشعب''· وقال: ''إنه ملتزم بقيادة حكومة من ذوي الكفاءات، وإنه لا يستبعد تعيين وزراء من الأحزاب الأخرى، وإن حكومته ستكون أكثر عرضة للمحاسبة من قبل البرلمان عن أي حكومة سبقتها''· كما وعد بأنه سيحاول تقوية الدستور البريطاني، وإعادة الصلاحيات إلى البرلمان بهدف بناء الثقة بين البرلمان ومجلس اللوردات في بريطانيا· تصريحاته المفعمة بالأمل دفعت البريطانيون إلى انتظار يوم تسلمه السلطة، ويوم يفي بوعوده من أجل بناء مجتمع بريطاني قوي واقتصاد بريطاني أقوى، وأن يضع دستوراً مكتوب لبريطانيا يحدد حقوق ومسؤوليات المواطنين البريطانيين· وهذا لا يعني أن براون سيبدأ من الصفر، بل من المنتظر أن يستمر في دعم معظم السياسات العمالية الإصلاحية التي أطلقها بلير، إن لم يكن سيحرص على دفعها كثيراً إلى الأمام، فلقد أكد براون عزمه على الاستمرار في خطط بلير لإصلاح الخدمات العامة والصحة والتعليم، ونفى ما أشيع عن تحوله نحو اليسار· واعتبر رئيس الوزراء البريطاني المنتخب أن أولوياته تجاه الشعب البريطاني تتمثل في إصلاح التأمينات الصحية، وتوفير الضمانات الاجتماعية، ورعاية الفئات الأقل دخلاً، وهذا إن تحقق فسيكسبه شعبية لا مثيل لها· ردم الفجوة حول سياسة بريطانيا الخارجية صرح جوردون براون أثناء الإعلان عن إطلاق حملته الانتخابية وسط لندن للفوز بدعم حزب العمال الحاكم، بأنه سيقدم رؤية جديدة للحكم في بريطانيا تقوم على التوازن بين مصالح بريطانيا وبناء علاقات متينة مع الولايات المتحدة وأوروبا· وأنه سيركز على استرداد ثقة الشعب البريطاني في حكومته، وردم الفجوة التي اتسعت بينهما نتيجة الحرب على العراق· وذلك في إشارة إلى الخطأ الجسيم الذي وقع فيه توني بلير بتفضيله رضاء الشعب الأميركي عنه على رضاء الشعب البريطاني· وكانت صحيفة ''الدايلي تليجراف'' البريطانية قد نقلت عن براون عزمه اتباع سياسة أقل التصاقاً بالرئيس الأميركي جورج بوش نظراً للأضرار التي ألحقها تحالف بلير معه، وأنه سيتبع سياسةً مختلفةً تجاه الحرب على ما يسمى بالإرهاب· في إشارة إلى الإجراءات الصارمة التي كان بلير قد اقترحها لمكافحة الإرهاب في بريطانيا - بعد تفجيرات في شبكة القطارات بلندن في يوليو 2005 والتي تقضي باحتجاز المشتبه بهم فترة تصل إلى تسعين يوماً دون توجيه اتهام لهم، وهو ما اعتبره البريطانيون تعدياً على الحقوق المدنية، وترتب على ذلك أن أوقف البرلمان البريطاني بعض الإجراءات التي اقترحها بلير بدعوى أنها منتهكة للحقوق· تبقى أم ترحل؟! في هذه الفترة تحديداً لا يمكن تجاهل حجم الضغط الذي يتعرض له براون من داخل حزبه وخارجه لتحديد موقفه من بقاء القوات البريطانية في أفغانستان والعراق، وهي ضغوط عمقت مخاوف واشنطن من قيامه بسحب القوات البريطانية من العراق خلال تسعين يوماً من تسلمه السلطة، إلا أن براون حرص على طمأنة سادة البيت الأبيض، وأعلن أنه سيكون من الخطأ سحب القوات البريطانية فوراً من العراق، كما طمأن المطالبين بسحب القوات البريطانية بقوله إنه يحتاج إلى إعادة تقييم الموقف مع القيادات العسكرية فوراً، وإنه سيذهب إلى حيث تحارب القوات البريطانية في أقرب فرصة ممكنة· وحول السياسة المقبلة لحزب العمال في الشرق الأوسط يحرص براون دوماً على ألا تنزلق تصريحاته في اتجاه يجعلها تحمل في طياتها تغيرات جذرية في سياسات بريطانية الخارجية التي سار عليها بلير، فنراه في عدد من اللقاءات الصحفية أعلن تأييده لدولة فلسطينية كحل لإنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين· وأنه يدرك أهمية دفع مسيرة السلام في الشرق الأوسط ومعالجة الوضع الفلسطيني الذي يحتاج إلى دعم اقتصادي عاجل، لكنه لم يفصح عما إذا كان سيتفاوض مع حكومة ''حماس'' في الأراضي الفلسطينية، أو ما إذا كان ينوي بناء جسور تفاهم مع إيران· أما بالنسبة لأعمال العنف في غرب ''دارفور'' فيرى إمكانية فرض عقوبات قاسية على الخرطوم، ويؤيد نشر قوة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في الإقليم· وعلى الصعيد الدولي فإن براون كزعيم عمالي سيحرص على أن تربطه علاقات متينة مع نخبة صناع القرار في أميركا، فسواء كانت الإدارة القادمة للجمهوريين أو للديمقراطيين فستعيش العلاقات الأنجلوـ أميركية شهر عسل جديد· وهذا لا يعني أن براون لن يكون قادراً على ملء فراغ سلفه بلير في قلب إدارة بوش، لكنه ستكون لديه فرصة أكبر للدخول باعتباره رأساً وليس ذيلاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©