الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اغتراب.. الحاضر

اغتراب.. الحاضر
6 ديسمبر 2012
ثمة الكثير مما يمكن ان يثير المرء أو يستوقفه حين يزور، للمرة الأولى، وفي هذا التوقيت بالتحديد، مقر مركز مرايا للفنون المكون من ثلاثة طوابق في بناية قناة القصباء بالشارقة؛ ففيما يبدو إن إدارة المكان شاءته مختلفا ومتميزا عن كل المحال والأماكن الملفتة التي تنتشر في تلك المنطقة السياحية، فمدخل المركز، على ضيقه، صُمم بطريقة فنية موحية، شكلاً ولوناً، ولعل الملمح الأبرز فيه هو الجدار الموازي لباب المدخل؛ فلقد توزعت على سطحه تعبيرات ورسومات “غرافييتي” دالة على ما يضمه المكان بأكمله، وهي ليس فقط ملفتة ولكنها ايضا جاذبة. ما ان تتقدم في المكان وتدلف إلى الطابق الأول تجدك امام مكتبة للقراءة هي الاخرى صُممت بحساسية فنية معاصرة؛ حيث توزعت مقاعدها وأرففها في صورة تكوينية مغايرة للصورة النمطية لهندسة المكتبات العامة، وعلى نحو لعله الأبسط أو الأقل كلفةً؛ وسيبدو لك، للوهلة الأولى، ان إدارة المكتبة انشغلت أكثر بشكل المكان وليس محتواه، فالأرفف لا تضم إلا القليل من الكتب العربية والغربية وتغلب عليها العناوين المتعلقة بالفنون البصرية. ملجأ الكتاب لكن، سرعان ما تكتشف ان هذه المكتبة قيد التأسيس أو جاري تأسيسها؛ وبمقدورك ان تدخل قائمة مؤسسيها ببساطة، أو ان تكون من المساهمين فيها، وذلك من خلال تبرعك ببعض الكتب من مكتبتك الشخصية أو عبر استعارتك كتبها. ثمة مكتبات مماثلة في بعض البلدان العربية ولكنها غالباً ما تكون وسط الحارات الشعبية والجمعيات الطلابية، وليس في مكان عمومي وبارز كهذا؛ حيث يتحرك الكتاب “المستعمل” في نطاق ضيق وسط ثلة من أصدقاء القراءة، بأسعار رمزية أو بدون أية رسوم. على ان ما يبدو محفزا على طرح الاسئلة في “ملجأ الكتاب”، إلى جانب الشكل المميز للمكان، التعبير المجازي المستخدم للتعريف بالمكتبة: نعمل من خلال مكتبة افتراضية على احتضان الكتب والاهتمام بها وتوزيعها على أفراد المجتمع الإماراتي.. تبرع، إعادة استخدام، إعادة تدوير، إعارة كتب مجانا، هناك قرابة 150 كتاب يتيم بحاجة إلى التبني”! فهل بات الكتاب يتيماً فعلاً؟ اما ان مصيره غدا كارثياً يقتضي إنشاء مثل هذه “الملاجئ”؟ أهو يعاني قلة القراء ام ضعف التوزيع، اين بؤسه وتعاسته؟ إذن، ما تسعى إليه هذه المكتبة ليس فقط إتاحة الكتب لقراء من المحتمل ان لهم شغفهم الخاص بالقراءة أو لهواة اقتناء الأشياء القديمة أو المستعملة، انما ايضا لفت نظر المجتمع وإرهاف حساسيته تجاه المخاطر التي تواجه سيرة ومسيرة الكتاب في هذا الوقت تحديداَ. ولعل مما يجدر ذكره، في هذا السياق، إن هذه المبادرة لم تصدر عن مؤسسة أو إدارة حكومية أو مدنية ولكن من سيدتين إماراتيتين: مريم الخياط وشيخة عبدالرحمن الشامسي؛ وفي ذلك دلالة على إن من بين أفراد المجتمع من لا زال يهتم بالجليس الخيّر؟! حاضر الفن الإماراتي يعمل مركز مرايا للفنون، بصفة موسمية، فهو ينشط في هذا الفترة الشتوية أكثر من أي وقت آخر ويستضيف تيارات فنية مختلفة في معارضه، وفي هذا الموسم شاء ان يفسح المجال واسعا لمقاربة الدلالات المختلفة المرتبطة بمفردتي “الحاضر” و”الاغتراب”، عبر أعمال فنية متنوعة لفنانين محليين وعرب. معرض “الحاضر.. الفن الإماراتي المعاصر” ضم أعمالا إماراتية شابة لكل من: فرح القاسمي، شما العامري، شريفة حريز، خولة درويش، هند مزينة، حمدان بطي الشامسي، خالد البنا، زينب الهاشمي، شيخة المزورعي، وعليا لوتاه. وقامت على أعداد هذا المعرض نور السويدي وهي فنانة إماراتية ايضا. إذن، بحسب كتيب المعرض؛ فلقد قصدت الأعمال المعروضة الإجابة على أربعة أسئلة هي: ? ما هو الحاضر بالنسبة لك؟ ? ما هو العنصر المهم في الحاضر بالنسبة لك؟ ? وماذا تعني كلمة الحاضر بالنسبة لك؟ ? وكيف يبدو حضورك في المشهد الراهن؟ وتبرر القيّمة على المعرض اختيارها “الحاضر” كثيمة لمقاربات الفنانين الشباب في كلمتها بكتيب المعرض؛ قائلة: “مع السعي الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لإعادة اكتشاف ذاتها يأتي معرض الحاضر ليشمل مفهوم التغيير والحاضر ونحن هنا لا ننكر أهمية الماضي بل نقوم بتبني الحاضر في كل معانيه والذي هو نتيجة لانصهار الحاضر مع تقاليدنا وتراثنا..”. وقد تنوعت آداءات الفنانين بين التلوين والتصوير والتجهيز أو التركيب على الفراغ كما ان إدارة المعرض تبرعت بقدر كبير من النصوص السيّرية والنقدية التي تسعف المتلقي على تدبر معاني الأعمال ومصادر أو خلفيات أصحابها؛ والأمر ذاته نجده في معرض “اغتراب”! لكن، إلى أي حد يمكن أن يعطينا ذلك فكرة وافية عن الأعمال المعروضة؟ لعل من المفيد هنا أن نشير إلى ان ثمة نقاشات تتجدد منذ وقت ليس بالقصير، وخصوصا في الساحة التشكيلية العربية، حول تسمية أو عنونة اللوحات الفنية؛ فبعضهم يرى ان في ذلك الكثير مما ينقص قيمة العمل الفني فهو يؤطر ويحصر رؤية المتلقي على نطاق محدود؛ كما انه ليس دائما ما يكون الفنان بليغاً في اختيار “العناوين” أو “التوصيفات”، على الأقل ليس بقدر مهارته في الرسم أو التشكيل ام التصوير، كما ان رؤية أي شخص سواه ـ أي الفنان ـ قد تختلف عن رؤيته ناهيك عن رؤى جمهور المتلقيين. من هنا، يفضل أغلب الفنانين عدم الاستجابة لطلبات إدارات المعارض والغاليرهيات في هذا الجانب، ويكتفى البعض منهم بتلك المعلومات التقنية المتعلقة بنوعية الألوان المستخدمة أو مقاس اللوحة.. إلخ.. كما هي الحال مع خالد البنا في هذا المعرض والتي قدمها كتيب المعرض بالعبارة التالية: غالبا ما تترك أعمال البنا للتأويل الشخصي للمشاهد، حيث يعمل البنا خارج إطار الأشكال التقليدية أو التصوير أو الرسم.. وعمل البنا هنا هو قطعة قماش دائرية متعددة الألوان على نحو دقيق وتبدو على الجدار بارزة وحادة، ومما يقدمه النص المرافق للعمل نقرأ: في عمله 2012 يلتقط خالد البنا سكان الإمارات في الوقت الراهن عبر أقمشة مختلفة حيث يعكس كل لون من القماش جنسية ويرمز إلى نسبتها بالعدد.. إذاً، لم تكتف إدارة معرض “الحاضر..” بمسميات الأعمال بل قدمت ما يشبه القراءات النقدية الوصفية الشارحة، إلى جانب السير الذاتية الخاصة بالفنانين المشاركين والتي كُتبت بطريقة مكملة أو مستلهمة للملاحظات الجمالية ذاتها المضمنة في القراءات، كما انها في ما يبدو طلبت من الفنانين المشاركين ان يجيبوا على تلك الأسئلة رسما وتصويرا.. وكتابةً أيضا. من ذلك، ما نجده صحبة عمل فرح القاسمي الموسوم “بصمات”، إذ يرد في قصاصة ورقية مرفقة جانب العمل “تخرجت فرح القاسمي من جامعة بيل مؤخرا حيث حصلت على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة بتخصص في فن التناظر والتصوير الفوتغرافي الرقمي.. وتتعامل صورها الفوتغرافية مع فكرة الحاضر عبر فن تصويري لا يستخدم الأشخاص بشكل فعلي بل المساحات التي يشغلها الأشخاص بدلا من ذلك.. فالغرفة أو المنزل الأكثر اكتظاظا بالسكان دائما ما تحتوي على علامات ودلائل”. وفي النص ذاته ثمة مقتبس لفرح القاسمي حول عملها “يتم تعريف الحضور بأنه الشخص أو الشيء الموجود في مكان ما ولكنه غير مرئي”. هكذا تجد أنك امام نص ارشادي، تقريباً، يوجهك ويضبط طريقتك في النظر إلى العمل الفني وقد يشغلك بتعبيراته أو معلوماته بأكثر مما تفعل عناصر العمل في حد ذاته، أو العكس.. أي أن تنشغل بالعمل الفني ولا تنتبه للنص، أو قد تنشغل بالاثنين معاً ويشوشك ذلك في الغالب!؟ من حق المتلقي أن يستجيب بطريقته الخاصة لأي عرض فني، أي من دون مؤثرات نقدية يختلف أو يتفق الناس مع أصحابها، بخاصة في تجربة مهمة كهذي التي تهدف إلى اختبار رؤى ثلة من الفنانين الشباب حول حاضر بلادهم، مع الأخذ في الاعتبار الإشكاليات المتعلقة بتدبر الفنان هذا “الحاضر”، المنفلت والذي لا يمكننا ان نبلوّر تجاهه رأياً محدداً، فنياً أو فكرياً، لأنه قابل في كل لحظة للتبدل وغير مستقر ومن الصعوبة بمكان إحاطته أو إمساكه بصورة نهائية؛ وهو ما تعبر عنه شما العامري في نصها المرافق عملها القائم على وسائل إعلام متنوعة والمعنون “بين الأوقات المثالية وأوقات اليأس” حيث تقول: “اذا عشتُ بحنين محض إلى الماضي أو بتطلع بحت إلى المستقبل فأنا عندها أسعى إلى استعادة وقت مثالي أو بائس، إلا ان الحاضر، كحالة، هو على خلاف دائم مع نفسه باستمرار..” اما شريفة حريز فتقرأ “الحاضر” في شغلها المعنون “تفتح الأزهار” في علاقته بالماضي والمستقبل: فكرة وعنوان هذا المعرض هي الحاضر، والذي أخترتُ تفسيره كلحظة حاضرة وهنا أردت تسليط الضوء على هذا المنزلق العابر من الزمن والذي يشبه الماضي ولا المستقبل والذي يمتد في الاتجاهين إلى ما لا نهاية”. وتجمع خولة درويش الصوت والضوء في عملها التركيبي المكون من غرفة ضيقة شديدة الإضاءة تتردد في نطاقها دقات القلب وثمة قطعة نحتية في هيئة قلب وسط الغرفة، ويشعرك هذا العمل بالقلب وشغله، صوتاً وصورة، إن جاز القول، لكنه يلفتك أيضا باقتراحه اللون الأبيض للقلب! وحول فكرة السفر عبر الصور جاء عمل حمدان بطي الشامسي؛ فلقد عرض مجموعة من الصور الدالة على أمكنة واسماء في دول مثل الجمهورية اليمنية وبنغلاديش إلخ.. وقد بدت كل صورة وكأنها لافتة لمحل تجاري ام لتصليح الهواتف أو لبيع السلع؛ وعلى هذا النحو جاءت بقية الأعمال المعروضة. اغتراب.. أو تأثيرات الحروب اما معرض “اغتراب” فهو يبدو للوهلة الأولى كأنه أراد أن يجمع كل فناني البلاد العربية التي واجهت ظروفا سياسية طاردة أدت إلى نزوح أو لجوء أو هجرة الناس إلى بلاد أخرى؛ فثمة أعمال من العراق ولبنان وفلسطين ومصر.. وكل هذه الدول عانت ما عانت بسبب الحروب؛ كما هو معلوم، كما أن أعمال الفنانين المنتسبين لتلك البلاد في المعرض جاءت بالفعل متناولة لقصص وتأثيرات الحروب، لكن ما يلفت ان المعرض ضم أعمالا لفنانين من الإمارات والسعودية أيضا. تقدم الفنانة الإماراتية لطيفة بنت مكتوم صورة فوتغرافية لغابة نخيل جفت وتدهورت أشجارها ويبدو أنها أرادت بذلك ان توحي بالتغيير الذي طرأ على بيئتها؛ هذا إذا أخذنا في الاعتبار عنوان المعرض “اغتراب”! أما الفنان السعودي عبد الناصر غارم فلقد قدم في عمله “الرجال يعملون” صورة لجندي يحمل سلاحا وقد أحاطت به قماشة تنتشر عليها أشكال هندسية مختلفة في دلالة ربما على فقدان الاتجاه؛ وينطلق غارم في عمله الفني من خلفيته العسكرية، بحسب ما يرد في الدليل، فهو ضابط برتبة رائد في الجيش السعودي. وضم المعرض أعمالا فنية أخرى لكل من رأفت اسحاق من مصر، وليد سيتي العراق، كميل زكريا كندا، سماء الشعيبي العراق، لاريسا صنصور وبشار حروب من فلسطين، جعفر الخالدي، شوقي يوسف وأكرم زعتري لبنان ، فيصل بغريشي الجزائر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©