الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رزان إبراهيم: أرفض «الواقعية القذرة»

رزان إبراهيم: أرفض «الواقعية القذرة»
6 ديسمبر 2012
رزان إبراهيم أستاذة جامعية وناقدة أدبية صاحبة رؤية ومدرسة نقدية لا تتباهى مستندة لنظريات غربية في النقد بترديد أسماء لامعة كدليل على سعة الاطلاع، أو الاستعراض على شريحة من الناس حضروا لتثقيف أنفسهم بعمل أدبي جديد. لا تجامل ولا تتغاضى عن الهفوات، بل تضع النقاط على الحروف بعملية نقدية تبرز الإيجابيات والسلبيات، وإذا تحدثت أسرت عيون وعقول مستمعيها لاقتحامها صناديق الأسرار في النص الأدبي.. تكشف المعلن والمضمر بعين ثاقبة لا تضل طريقها أبدا “ما يقوله السرد وما لا يقوله”. في حوار خاص مع “الاتحاد الثقافي” حذرت الدكتورة رزان إبراهيم من الدخلاء على الأدب والفكر وحالة الشعور بالإحباط لدى المثقف بالأردن، لكنها استدركت القول إن خيار المثقف هم الاستمرار في النقد والرفض كما قال الراحل إدوارد سعيد. وقالت: إن الثقافة ميدان للنضال، وهو أمر يؤكده اكثر من منجز أدبي وخاصة أدب المقاومة الفلسطينية مشيرة بهذا الخصوص للكاتب الجزائري كاتب ياسين الذي قال إن احداً لم يشجعه على الكتابة إلا الاحتلال الفرنسي. وطالبت بعملية نقدية تعيد كتابة التاريخ وقالت: يستفزني روائيون يغوصون في قضايا الجنس بغرض الإثارة، وأحبذ أدباً يرتقي بالذائقة الجمالية ويخاطب العقل والوجدان. وفيما يلي تفاصيل الحوار: ? المشهد الثقافي في الأردن موجوع ويعاني التهميش، هل من تشخيص؟ ?? ليست لدي أسباب كافية تدعوني إلى التفاؤل في الوضعية الحالية للمشهد الثقافي، وفي هذا السياق أسأل نفسي: إلى أي حد تمكن العاملون في حقل التعليم والثقافة والإعلام من تسخير الثقافة في عملية التوجيه الفكري والسياسي؟ وهو السؤال الذي يفرض نفسه على المؤمنين بقدرة المثقف على التأثير في مجرى الأحداث والكشف عما يسود في مجتمعاتنا بحرية. وأرى أن الدور الذي يلعبه الفعل الثقافي في الساحة الأردنية متواضع لأسباب: ? بعض ممن يحسبون على المشهد الثقافي الأردني دخلاء على الأدب والفكر ومنهم من يتم الترويج له في الصحافة والإعلام بسبب من علاقات ومصالح خاصة، وكثيراً ما أذهلتني حالة من التمجيد لقصص وروايات غاية في الفقر الفكري والفني. ? لدى المثقف إحساس بأنه يتعاطى مع نظام اجتماعي عاجز عن توفير ضمانات ثابتة له، ما يولد لديه حالة من الإحباط واليأس، فكل من يُرفض عمله لركاكته يبادر إلى اتهام مؤسسة ما أو نظام ما بدعوى أنها لا تُقدره كما يجب. وفي المقابل أجدني مضطرة إلى توجيه اللوم إلى مؤسسات بعينها تتبنى من لا يجوز تبنيه أبداً وهو التبني الذي يخلق حالة من فقدان الثقة تجاه هذه المؤسسات. ? يسود الحالة الكتابية الأدبية نمطان بائسان: أحدهما قام بتحويل الأدب إلى قالب شكلاني مغرق في الذاتية والغموض لا يخرج بعضه عن كونه حوارات محصورة في نطاق ضيق تعمل خارج الواقع المعيش، والآخر مسطح بسيط ومباشر لا يؤدي الوظيفة الفنية والجمالية المرجوة منه. ? لا ينفصل المشهد الثقافي الأردني عما يسود المشهد التعليمي في العالم العربي من تغييب لآليات التفكير المنهجي، فالعلم لا يمكن أن يصبح ثقافة إن لم تتوافر له رؤية شمولية للمجتمع. ? تركت الأزمة الاقتصادية أثراً سلبياً على المشهد الثقافي، خصوصاً فيما يتعلق بتعزيز حالة الشعور بالإقصاء التي يحسها المثقف في الأردن التي تحول دون تقديم المشاريع الثقافية والبرامج الداعمة للإبداع كما يجب. النقد الأكاديمي ?هناك من يتهم النقاد الأكاديميين بالتقصير وانصرافهم لمتابعة الرسائل الجامعية؟ ?? أعتقد أن الجيد يفرض نفسه دائماً والفرصة متاحة للجميع أن يكتب، وعلى الصعيد الشخصي طالما استقبلت كتابات أدبية قصصية وشعرية لناشئين، وكنت أقوم بعملية تقييم لها مبرزة نقاط القوة والضعف بعيداً عن أية محاباة أو مجاملة. ومنذ فترة بسيطة أشرفت على مجموعة قصصية موجهة للأطفال قامت بكتابتها طالباتي، ولم أتحرج أبداً من الكتابة عن مجموعة قصصية لزميلة لي تنشر للمرة الأولى، ويغدو أمراً لطيفاً أن هذه الفئة التي تجد في نفسها إمكانية للإبداع والكتابة تستقبل النقد بكل روح طيبة خلافاً لآخرين قدامى يعتقدون أنهم فوق النقد. لكن الحاجة تبقى ملحة لنقد أكاديمي يعرف الجمهور بكل ما يستحق أن يُقرأ ويلفت نظره إلى مواطن الفن والجمال التي قد يعجز القارئ العادي عن استنباطها. ? ماذا عن العلاقة بين الفعل السياسي والثقافي والدور التحريضي الممكن للأدب؟ ?? أؤمن بأن الأديب قادر على توصيل رسالة فكرية تأثيرية غير منفصلة عن سياق اجتماعي ثقافي تاريخي معين، وما يطرحه في نهاية الأمر هو نتاج تفاعل وعيه ومرجعياته الفكرية مع أسئلة الواقع وحركة الحياة. وبوصف الأدب خطاباً، فإنه يتأسس على علاقة تفاعلية تربط المؤلف بالقارئ وبسياق اجتماعي ثقافي محيط بالخطاب، وبالوسيط اللغوي الناقل للرسالة، وضمن هذا السياق تغدو الثقافة ميداناً للنضال وهو أمر يؤكده أكثر من منجز أدبي كأدب المقاومة الفلسطينية. وتحضرني رواية “نجمة” للروائي الجزائري كاتب ياسين وهو القائل إن أحداً لم يشجعه على الكتابة إلا احتلال فرنسا للجزائر، ولذلك كان منجزه الأدبي غنيمة حرب، كما يقال قارع فيها الأمة الفرنسية. ولا يفوتني استحضار المفكر الكبير إدوارد سعيد حين أظهر ما يمكن أن تحمله بعض السرديات الكبرى من عوامل تحرر وتنوير حين تعمل على تجنيد الشعوب في العالم المستَعمَر وتحفيزها على الانتفاض. سلطة المؤسسة ? كناقدة ما القضايا التي تشدك أكثر؟ ?? منذ سنوات عديدة وأنا أمارس النقد الثقافي وأسعى إلى تطبيقه في أكثر قراءاتي التحليلية والنقدية وهو نقد ينظر إلى الثقافة، باعتبارها ظاهرة ديناميكية قادرة على تشكيل التاريخ والمؤلف يشكل ويتشكل والأدب قوة سياسية واجتماعية، ومن أبرز معالم هذا النقد أنه يقف على حالات يتم فيها هيمنة ثقافة على ثقافة أخرى. ومن هنا باتت القراءة الطباقية معلماً مهما يتمثله هذا النقد بقوة خصوصاً أنه معني بالكشف عن علاقات التسلط والهيمنة على أكثر من مستوى كالطبقة والعرق والجنس. لذلك تجد جزءاً من دراساتي مرتبطاً بالمرأة وآخر يتعلق بالمؤثر الاستعماري في الكتابة الأدبية، كما يؤمن هذا النقد بأهمية تعرية الخطاب المؤسساتي ويطرح العديد من الشكوك تجاه الدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات ثقافية بعينها في توجيه القراء نحو تصورات معينة. ويتطلب هذا المنهج ناقداً حقيقياً على استعداد أن يحرر نفسه من سلطة المؤسسة بما يضمن له موقفاً نقدياً حراً بعيداً عن أي انتماء يؤطر حياته وهو نقد يدعو لإعادة كتابة التاريخ. ومن هذا المطلق جاء كتابي “الرواية التاريخية بين الحوارية والمونولوجية” ليلقي الضوء على أهمية فعل أدبي فني يحيي الدور المهم الذي لعبه مهمشون لم تذكرهم الرواية التاريخية الرسمية. وما يلفت انتباهي عادة تلك النصوص الجماهيرية التي تحظى بقراءات واسعة لأنها الأكثر تأثيراً في الناس، وهو ما يفتح المجال واسعاً للناقد امام خطابات يخرجها البعض من مملكة الأدب كالنكتة والأغنية والإشاعة. ومن ميزات هذا النهج النقدي أنه يبحث عن الغائب والمسكوت عنه لذلك تجدني في روايات بعينها أبحث عن أفكار ومفاهيم غير معلنة للكاتب فأنا معنية بما يقوله السرد وبما لا يقوله. وهنا لا بد من الإشادة بالناقد عبد الله الغذامي الذي كان كتابه “في النقد الثقافي” سنداً مهماً في إيضاح معالم هذا النقد الذي يرفض النصية وينجو من مساوئ المنهج الاجتماعي، ويهمل النظر في العناصر الشكلية والفنية لحساب قراءة المضامين الفكرية والاجتماعية كما ينجو أيضاً من مساوئ المنهج البنيوي المتطرف الذي عزل النص. أصل وفصل ? هل يجوز للناقد التسامح مع أخطاء تاريخية لروائيين؟ ?? كتبت عن رواية سحر خليفة “أصل وفصل” ما لم ينشر حتى الآن، ولو أتيحت لك قراءته لوجدت أني ناقشت كل ما ارتبت فيه ولم يلق قبولاً مني.. ومن دراستي أقتطف الآتي: “تثير الرواية قضية إشكالية ليست سهلة تتعلق بالنسيج الاجتماعي الذي تكونت منه ثورة عز الدين القسام في فلسطين، وتطرح تساؤلاً فيما يتعلق بفقر مازجته لصوصية وأصبح فيما بعد دافعاً لقتال الاحتلال”. وكان بودي لو استعاضت الروائية عن تصوير هذا المقطع بصورة أكثر إيجابية تستغل فيها نجاح القسام في توجيه أصحاب المهن المختلفة، كالبائع المتجول والحداد والصياد نحو المساهمة في مقاومة المحتل بدلاً من أن يكون هذا التنوع الشعبي مادة لنقد سلبي يستنفد كماً كبيراً من أسطر الرواية. صحيح أن الروائية لم تتعرض بالسوء إلى القسام، لكن كان الأجدى لو أنها أعطت جهده القيادي بجانبه الإيجابي مساحة أوسع كما يستحق فالروائي الذي يسجل تاريخ الشعوب يحمل مسؤولية كبرى وفي ظني أن ثورة القسام تستحق ما هو أفضل من تلك التي قد تستقر في ذهن قارئ لا يعرف عنها شيئاً. فالناقد الذي يبالغ في المدح يفقد صدقيته مع نفسه أولاً ومع جمهوره ثانياً، وهو ما فعلته أيضاً مع قامات روائية كبيرة استقبلت ما قلته بروح إيجابية. ? هناك خطوط حمراء للمبدع إلى أين تصل خطوطك؟ ?? لا يجوز أبداً باسم حرية الفكر والإبداع التعرض لآخرين يختلفون معي في معتقدهم الديني، ويستفزني روائيون يغوصون في قضايا الجنس بغرض الإثارة دون أن يكون هناك توظيف فني ودلالي. وشخصياً أحبذ أدباً يرتقي بالذائقة الفنية الجمالية ويخاطب العقل والوجدان. ولا يروق لي أدب يغرق في تفصيل القبيح بحجة نقل الواقع، مع إدراكي أن نمطاً واقعياً يطلق عليه اسم الواقعية القذرة بات منتشراً ورائجاً. قد أكون من أولئك الأشخاص الذين يتفاعلون والمتخيل الفني على نحو عميق يدفع إلى تأمل ما يحيط بنا مرات ومرات.. قد تكون هذه بما تجلبه علي من قلق خطيئتي! لا أدري. النقد والرفض ? من وجهة نظرك ما دور المثقف والمبدع الطليعي في ظل الربيع العربي؟ ?? المبدع الطليعي يكون في مقدمة الثائرين على الوضع الاستبدادي الظالم ويفترض فيه أن يكون أول الداعين إلى رفضه والعمل على تغييره، وفي عالمنا العربي الآن جملة من التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي ومطلوب من المثقف الآن مهما بدا له التغلب على العقبات صعباً أن لا ييأس (فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، فما بدا لنا في يوم من الأيام مستحيلاً بات حقيقة. وأعتقد أن خيار المثقف الدائم هو ما يطرحه هشام شرابي “العمل لتغيير الحاضر” وخياره الواضح والدائم هو “الاستمرار في النقد والرفض” فما من أمة استطاعت أن تتحرر بليلة وضحاها والمطلوب مزيداً من الصبر والاستمرار في النقد والرفض. ? أخيرا ما تأثير والدك الدكتور محمود إبراهيم على توجهك النقدي والأدبي؟ ?? هو الرجل الكبير الذي كان معلماً وهادياً بقدر ما كان أباً حانياً، علّمني كما علّم أجيالاً أن الصرامة العلمية ليست نقيضاً للتفاعل الوجداني والإنساني مع قضايا العلم، وأن مطلب الموضوعية لا يتعارض مع الانحياز المعلن للمبادئ والمرجع الأخلاقي. علمني كيف أجمع بين عقل يستهدي بالإيمان وإيمان يسترشد بالعقل فكانت الجامعة التي عمل فيها عنده مثابة للعقل والروح معاً.. ما غاب إلا ليحضر أكثر نبلاً وإشراقاً ليكون مصدر إلهام لي، ويبقى بروحه وإرثه الشاهد والشهيد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©