السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نحن وأميركا.. وأوباما

نحن وأميركا.. وأوباما
6 ديسمبر 2012
هذا الضوء الكاشف على قضايا المجتمع الأميركي الراهنة، يقدمه كتّاب ومثقفون يقاربون المسائل السياسية والاقتصادية والقيمية التي تشغل بال الأميركيين، بطرق ووسائل مختلفة.. فتظهر مكامن الخلل أمامهم جلية، ويدلون من خلالها على استعصاءات تطاول المستقبل: راسل بانكس وأوباما والمجتمع الأميركي الجديد لا يخفي الروائي الأميركي راسل بانكس انتماءه للحركات التقدمية واليسارية في الولايات المتحدة الأميركية. وفي سنوات شبابه شارك في التظاهرات المناهضة للحرب في فيتنام. وخلال الثلاثين سنة الماضية، لم ينقطع عن رفع صوته للتدخل في القضايا السياسية الساخنة، مثل الحرب على الإرهاب، والحرب في العراق، وفي أفغانستان، وفي الصراع العربي الإسرائيلي. وكان من المناصرين لأوباما في حملته الانتخابية الأولى والثانية. مع ذلك هو ينتقد العديد من الجوانب في سياسته الداخلية والخارجية. وفي حوار أجرته معه جريدة “لوموند” الفرنسيّة في عددها الصّادر يوم 3 نوفمبر الماضي، تحدّث راسل بانكس عن المشهد السياسي الأميركي قائلا: “ما هو مثير للانتباه حقّا هو أنّنا عندما ننظر إلى ما حدث خلال الأشهر، والأعوام الأخيرة، نعاين أن المشهد السياسي انزاح الى اليمين. والديمقراطيّون يوجدون حيث كان يوجد ريغان قبل عشرين عاما. وعلى من يرغب في تفهّم رأيي هذا أن يكون في مثل سني (هو مولود عام 1942) لكي يتذكّر أن نيكسون يمكن أن يكون اليوم في اليسار المتطرف، وأن ايزنهاور من المحتمل ألا يكون ضمن الحزب الجمهوري. وأنا أعتقد أن التحوّل الحقيقي بدأ في عهد ريغان عندما أصبحت المعارضة بين الحزبين عنصريّة. في المخيال الأمريكي، الحزب الديمقراطي هو حزب الملوّنين، أي الأميركيين الجنوبيين، والأفرو-أميركيين، والآسيويين، والبيض الليبراليين، مثلي أنا. أما الحزب الجمهوريّ فهو حزب البيض. غير أن البلوقراطيّة الأميركية، والتي هي مرعبة حقّا نجحت في توليد حلفاء ينتصر في داخلهم الجنس على الطّبقة. وأنا أعتبر ذلك حدثا تاريخيّا بالمعنى الحقيقي للكلمة إذ أنه يتيح لقسم من الشّعب أن ينتفض ضدّ مصالحه عندما يتعلّق الأمر بالجنس، واللّون، أي أنه يمكّن البيض الفقراء من التّصويت لصالح البيض الأغنياء، إذا ما هم اعتقدوا أن الحزب المنافس يمثّل السّود. ففي الولايات المتّحدة، علينا أن نعود دائما إلى الجنس، واللّون”. ويواصل راسل بانكس تحليله للمجتمع الأميركي قائلا: “الأميركيّون البيض خائفون لأنهم أصبحوا أقليّة. وخلال السنوات الأخيرة حدثت تحوّلات سياسية واجتماعيّة وثقافيّة واقتصاديّة عميقة للغاية. والطبقة الوسطى السفلى، والعمال، خصوصا البيض، يشعرون أنهم فقدوا القدرة على التحكّم في حياتهم. الطبقات القديمة التي كان يستند إليها الرجل الأبيض لتأكيد تفوّقه انقلبت. ينضاف الى ذلك اختفاء المهن الصناعية القارّة التي تضمن للواحد حياة مستقرّة انطلاقا من سن الثّامنة عشرة، وحتى سنّ التّقاعد، وتتيح له أن يشتري بيتا، وأن يرسل أبناءه للجامعة، وأن يقتني سيّارة بالقروض، وأن يعيش حياة مطمئنّة في الضواحي. مثل هذا الزّمن الرّغد ولّى، وإلى الأبد، من دون أن يعوّضه ما يؤمّن الاستقرار، والعيش الكريم. كلّ هذا يفسّر خوف الأميركيين من الحاضر، ومن المستقبل”. وعن مستوى التعليم، يشير راسل بانكس إلى هبوط كبير ومخيف في مستواه، وفي مراتبه. وهو يرى أن الأميركيين لم يعودوا يولون اللّغة اهتماما كبيرا مثلما هو حالهم في الخمسينات، وفي السّتينات من القرن الماضي. وعن أوباما يقول راسل بانكس: “في البداية، استثارتني كتب أوباما، وفتنت بها. وقد لاحظت أنه يعتني بالكلمات، ويحسن وضعها في المكان المناسب والدال على الأصالة. ثم أصبح رئيسا، وقد ساندته، وكنت سعيدا جدّا عندما دخل البيت الأبيض. وما زلت أسانده، لكنه لا يزال وسطيّا، وشديد الاعتدال. وهذا ما يفسّر عدم إقدامه على القيام بأعمال أكثر تقدّميّة في العديد من المجالات. وأنا أشعر بالخيبة لأنه لم يغلق “غوانتنامو”، ولأنه لم يتخلّص من الإجراءات الأمنيّة المتشدّدة التي اتخذها بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. نانسي فرايزر: فيلسوفة أميركية يسارية معلّقة على إعادة انتخاب أوباما، صرّحت الفيلسوفة الأميركية نانسي فرايزر المولودة عام 1947 لجريدة “لوموند” في عددها الصّادر يوم الجمعة 16 نوفمبر الماضي قائلة: “هنا في نيويورك كانوا يقولون من حولي: إذا ما انتخب رومني فسيكون ذلك بمثابة الطّامة الكبرى. أمّا إذا ما أعيد انتخاب أوباما فسيكون ذلك بمثابة الكارثة. ففي عام 2008، أضاع فرصة تاريخيّة ثمينة في تحقيق تغيير عميق وكبير. فماذا ننتظر منه اليوم؟”. بهذه الجملة الغاضبة، عبّرت نانسي فرايزر عن سخطها تجاه سياسة أوباما، وعن يأسها منه، ومن الوعود الكبيرة التي قطعها على نفسه عند دخوله الى البيت الأبيض. وهي تنتمي الى عائلة متوسّطة الحال.. وكان والداها من المساندين لسياسة روزفلت المتمثلة في “النيو ديل”. وكانا يتحدثان أمامها عن العدالة الإجتماعيّة بطريقة مثاليّة. غير أنها لم تكن تقتنع بما كانت تسمع بسبب الفوراق الإجتماعية التي كانت واضحة للعيان. وفي أواخر الستينات من القرن الماضي، ناضلت ضمن الحركات الطلابية اليساريّة، والماركسية، وشاركت في التظاهرات المناهضة لحرب فيتنام. ولكنها لم تلبث أن ابتعدت عن مقولات الصراع الطبقي التي تركز على الفوارق الإجتماعية، والاقتصاديّة لتقترب من أفكار وأطروحات فلاسفة من أمثال ميشال فوكو، وجاك دريدا، والمفكرين البنويين الفرنسييّن الذين يهتمّون في أطروحاتهم، وفي دراساتهم بأشكال مختلفة من القمع غير تلك التي تهتمّ بها الماركسية. واعتمادا على هؤلاء الفلاسفة، وهؤلاء المفكّرين، شرعت نانسي فرايزر تبحث عن آفاق جديدة للتحرر المتّصلة بالأفراد، وبالمجموعات الصّغيرة. لذلك انخرطت في النّضالات النسويّة، المدافعة عن حقوق المرأة، وعنها كتبت العديد من الدراسات المهمّة التي أكسبتها مكانة بارزة في المشهد الفكري والفلسلفي في الولايات المتحدة، وفي كندا، وفي البلدان الأوروبيّة أيضا. وفي آخر كتاب لها حمل عنوان: “الحركة النسوية من الستينات حتى الليبرالية الجديدة”، ترى أن الحركة المذكورة لم تعد حركة للتحرّر، بل تحوّلت إلى مجموعة ترعى مصالحها الخاصة. ولم تعد تهتم بالقضايا الأساسية مثلما كانت حالها في بداية ظهورها. وقد بدأت هذه التحوّلات السلبيّة تظهر في أواخر الثمانينات، ومطلع التسعينات من القرن الماضي. ويمكن القول إن المتزعمات للحركة النسوية شرعن منذ تلك الفترة في خيانة المبادئ الأساسيّة لحركتهن، وتخلّين عن المطالب الجوهرية. جون غريشام: مارك توين غبي يتمتّع الكاتب الأميركي الكبير جون غريشام بشهرة واسعة في بلاده، وفي جميع أنحاء العالم، خصوصا في أوروبّا، واليابان. وتحظى رواياته المستوحاة في جلّها من عالم الجريمة، والعنف، والقضاء، بإقبلال منقطع النّظير من قبل القرّاء. كما أن البعض من رواياته حوّلت إلى أفلام من قبل مشاهير المخرجين مثل فرانسيسكو كوبولا، ولعب الأدوار الرئيسيّة فيها كبار الممثلين والممثّلات من أمثال جين هاكمان، وجوليا روبرتس، وداستين هوفمان، وسوزان ساراندون. ولد جون غريشام في الثامن من فبراير 1955. وكان والده يعمل في البناء، وفي حقول القطن.. وبعد تنقّلات كثيرة، استقرّت عائلته في “الميسيسيبي”. وبتشجيع من والدته، أقبل جون غريشام مبكّرا على المطالعة ليقرأ أعمال مشاهير الكتّاب في بلاده، وفي مختلف أنحاء العالم. ووجد في روايات جون شتاينبيك مثل “عناقيد الغضب”، و”رجال وفئران”، وغيرها، ما سوف يفتح له آفاقا في الكتابة في ما بعد. وبعد تخّرجه من الجامعة حيث درس القانون، عمل غريشام محاميا متخصّصا في القضايا المتّصلة بالجريمة، مبديا في عمله مهارة فائقة. كما انه انشغل بنشاطات سياسيّة في ولاية مسيسيبي، ولم ينقطع عنها إلاّ عام 1990. وخلال عمله كمحام، كان يخصّص أوقات فراغه للكتابة، وتسجيل ملاحظاته المرتبطة بالقضايا التي ينشغل بها، وبالمجرمين، واللصوص الذين يلتقي بهم في السّجون. وقد رفضت كبار دور النشر روايته الأولى: “لست مذنبا”، غير أن دارا صغيرة قبلت إصدار 5000 نسخة منها وذلك عام 1988. أمّا روايته الثانية التي حملت عنوان: “الشركة التّجاريّة” التي تتحدّث عن محام يورّط نفسه في قضايا ماليّة فقد تصدّرت قائمة أفضل الكتب مبيعا في الولايات المتحدة عام 1999. ومنذ ذلك الوقت، أصبح جون غريشام مواظبا على إصدار رواية كلّ سنة. وفي حوار أجرته معه “البوكس ريفيو”، في عددها الصّادر آخر شهر أكتوبر 2012، تحدّث جون غريشام عن قراءاته، وعن الكتب المفضّلة لديه. ومرّة أخرى أشار إلى أن جون شتاينبيك الذي قرأه في سنوات المراهقة، يظلّ من أفضل الكتّاب بالنّسبة له لـ”صفاء أسلوبه، وقوّة تعبيره”. لذلك هو يحاول دائما أن يقتدي به خصوصا حين يتطرّق في رواياته إلى حياة المزارعين الفقراء في الرّيف الأميركي.. كما يبدي غريشام إعجابه بمارك توين، وهو يعتقد أن الأعمال التي أصدرها هذا الكاتب قبل بلوغه سنّ الأربعين هي الجديرة بالقراءة، وبالخلود. أمّا تلك التي كتبها عندما أدركته الشّيخوخة فتخلو من النضارة، ومن الفتنة، ومن الرؤية الفلسفيّة العميقة. وقال إنه كتب رسالة إلى مارك توين في سنوات المراهقة غير أنّه لم يردّ عليها لأنّه “غبيّ”. أمّا أفضل كتاب قرأه في الفترة الأخيرة فهو “الحياة بعد الموت” لداميان آسكولس الذي أمضى 18 سنة في السّجن بتهمة جريمة لم يقترفها، وعندما تمّت تبرئته، رفضت الحكومة الأميركية أن تدفع له تعويضات. ويرى جون غربشام أن فرانسيسكو كوبولا، وجاك بريغانس هما أفضل من تمكّنا من تحويل رواياته إلى أفلام، إذ أنهما ظلاّ أمينين لروح النصّ. دانّيس ليهان و«خائن طبقته» ومثل جون غريشام، يعدّ دانّيس ليهان المولود عام 1966 من أبرز الروائيين الأميركيّين راهنا. وتتميّز جميع رواياته بالحبكة اليوليسيّة الرّفيعة. وأغلبها تُسلّط الأضواء على عالم الجريمة، والعنف، والطفولة الصّعبة، والمعذّبة.. وهذا ما دفع البعض من مشاهير المخرجين إلى تحويل البعض من رواياته إلى أفلام لاقت نجاحا عالميا. وفي حوار أجراه معه ملحق “بوكس ريفيو” الأسبوعي، تحدّث دانّيس ليهان عن علاقته بالكتب، مشيراً إلى أن كتاب هامتون سايدس عن حياة الزّعيم الزنجي الشهير مارتن لوثر كينغ الذي أغتيل في الرابع من أبريل عام 1968، هو من أفضل ما قرأ خلال الفترة الأخيرة. ومثل كلّ الكتب العميقة، والمهمّة، يضيء هذا الكتاب، الحاضر من خلال الماضي، ويقدّم صورة مرعبة عن العنصريّة البيضاء. ويقول دانّيس ليهان أن السّينما تستهويه أكثر من الفنون الأخرى، وهو يستفيد من تقنياتها الفنّيّة في رواياته، ومنها يتعلّم الإقتصاد في اللّغة، ودقّة النّصوير، والوصف. وهو سعيد بأن يقوم مخرجون مرموقون بتحويل رواياته إلى أفلام، غير أنه يرى أن تحويل المكتوب الى صورة أمر صعب للغاية. مع ذلك تمكّن مارتين سكورسيزي، وبن أفليك من تحويل رواياته إلى أفلام ناجحة جماهيريّاً. ويعتقد دانّيس ليهان أن روايته “يوم قابل لانفجار العنف” ستكون صعبة سينمائيّا. فهي ضخمة الحجم (700 صفحة)، وهي تعالج بطريقة ملحميّة مواضيع مختلفة ومتعدّدة تتّصل بالحركات العمّالية، وبالهجرات، والنّتائج المنجرّة عن ذلك سياسيا واجتماعيا وثقافيا. وهو لا يتصّور أن هناك مُخرجا يقدم على المجازفة بمبلغ 150 مليون دولارا، إضافة الى نفقات أخرى لانجاز فيلم انطلاقا من روايته المذكورة. وينصح دانّيس ليهان الرئيس أوباما والرؤساء الذين سيتمّ انتخابهم مستقبلا بقراءة كتاب: “خائن طبقته: الحياة المتميّزة لفرانكلين ديلانو روزفلت” لأنه يقدّم صورة رائعة، وعميقة عن الحياة السياسيّة في أميركا، وفي العالم في النصف الأول من القرن العشرين، والذي شهد تقلّبات هائلة، وحروبا، وأزمات خطيرة، وثورات، وسقوط امبراطوريات. وأما الكاتب الذي يعجبه كثيرا، ويتمنّى أن يلتقيه فهو غابرييل غارسيا ماركيز. والشخصيّة التي تعجبه ليست شخصية روائية، وإنما شخصية جورج السائق في فيلم “مونا ليزا” للمخرج نايل جوردان، والذي جسده الممثل البريطاني القدير بوب هوسكينس. كما أنّه معجب بالدّور الذي لعبه مارلون براندو في فيلم “على جبهة البحر”. أمّا النّصائح التي يمكن أن يقدّمها للروائيّين الشّبان فهي: الاقتصاد في اللغة، والإيجاز، والإصغاء لموسيقى الكلمات، والاعتناء بها في كلّ جملة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©