الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشكلة تحريرية

مشكلة تحريرية
7 فبراير 2014 22:48
كان الخبر يتحدّث عن جريمة شنعاء قام فيها اللص بقتل أسرة كاملة، ثم سطا على مبلغ بسيط في خزانة الثياب وفرّ.. هنا حاول أحد المارة أن يقبض عليه فباغته بطعنة، وحاول الهرب لولا أن طارده رجل شرطة متحمس فأسقطه أرضاً.. وهو ينتظر محاكمته.. نتكلَّم عن اللص وليس رجل الشرطة المتحمس طبعاً.. رأيت صورة اللص المنشورة فوق الخبر.. ملامح فظة غادرة ونظرة شرسة تنذر بالذبح. هذا رجل لا تتمنى أن تقابله في زقاق مظلم أبداً، ولا تتمنى أن يكون خصمك. قلت لنفسي إن نظرية لامبروزو صادقة جداً.. ملامح المجرم تدل على نفسية مجرم.. أدعو الله أن يتلقى هذا السفاح أقسى جزاء ممكن. بعد أيام قرأت عن حادث قام فيه بلطجي بإحراق محل لخلافه مع صاحب المحل. هنا فوجئت بصورة ذات اللص مع الخبر.. هل تحرر من الجريمة الأولى؟.. لعله وجد محامياً بارعاً وجد خطأ في الإجراءات. ثم وجدت أن التفسير الأسهل هو أن سكرتير التحرير يستسهل ويستعمل الصورة ذاتها مع كل خبر. هذا تصرف غير شريف وغير عادل ويستخف بالقارئ. في المرة الثالثة وجدت خبراً عن سائق ميكروباص دهم ثلاثة أطفال.. كانت الصورة نفسها فوق الخبر، وبدا لي بالفعل أن هذه ملامح سائق ميكروباص شرس.. لكن.. هل لا تملك هذه الجريدة سوى صورة لص واحد تورطه في كل الجرائم الممكنة؟. لكن عندما دققت تحت الصورة وجدت التعليق يقول (اللواء شفشق الشماشرجي مدير أمن كذا)!.. هكذا فهمت أخيراً!... هذه ليست صورة المجرم، لكنها صورة مسؤول الأمن الكبير الذي أدار القبض على كل هؤلاء الأوغاد! لقد كانت نظرية لامبروزو خطأ إذن.. يتكرر هذا الخطأ في الصحف مراراً.. ينشرون صورة ضابط الشرطة أو مدير الأمن الذي أدار عملية اعتقال اللصوص، أو المحقق الذي أجرى التحقيق بلا تعريف أو أي شيء يدل عليه.. هكذا يمكنك أن تقرأ المقال وتفترض أن هذا هو اللص نفسه.. ما هو أسوأ يحدث عندما يضبطون شبكة تدير أعمالاً غير أخلاقية، وينشرون صورة سيدة ملطخة بالأصباغ لا بد أنها مديرة الشبكة بلا شك.. ثم تكتشف بصعوبة أنها الدكتورة فلانة خبيرة علم الاجتماع أو علم النفس التي يطلبون رأيها! هُناك خطأ آخر يحدث كثيراً هو أن ينشروا صورة شخص ما، في هذه المرة يكتبون أن هذا (عباس أبو شفة)، ثم تفتش الخبر بحثاً عن أي شيء يدل على دور صاحب الصورة فتفشل.. مثلاً يكون الخبر عن امرأة عضت طفلاً، فجاءت أم الطفل وعضتها. إذن بالله عليك من هو (عباس أبو شفة) ذو الشارب الذي يطل جوار الخبر؟. بالتأكيد ليس واحدة من المرأتين وليس الطفل. من هو؟.. هل هو رئيس التحرير؟ من الأمثلة الطريفة التي رأيتها مؤخراً في جريدة خليجية، خبر مثير عن رجل فقد خمسين كيلوجراماً في ستة أشهر عن طريق نظام غذائي صارم، وإلى جوار الخبر صورة رجل وسيم رشيق. هذا علاج ناجح فعلاً، لكنك تقرأ الخبر فتكتشف أن المريض نقص وزنه من 250 كلجم إلى 200 كلجم.. هذه ليست صورة رجل يزن 200 كلجم أبداً.. بعد قليل تكتشف أن هذا هو الطبيب المعالج نفسه! لا توجد صورة للمريض.. هُناك كذلك مشكلة أخرى عند البحث في الأرشيف.. مجلات كثيرة تضع صوراً خاطئة للمشاهير. كنت أقدم عرضاً تقديمياً عن كاتب المغامرات الطبية روبين كوك، فظللت أستعمل صورة وزير بريطاني لفترة طويلة جداً حتى لفت أحد القراء نظري لذلك، ولهذا فإنني أتفهم هذا الخطأ نوعاً في المجلات. يحكي الكاتب الساخر أحمد رجب أنهم في إحدى المجلات المصرية نشروا صورة رجل لا يعرفه فوق حوار طويل معه، ثم عندما قلب الصفحة وجد صورته هو - أحمد رجب - وقد كتبوا تحتها «لويجي كاستلاني: رجل المافيا القوي»!، ولعل هذا هو السبب في رأيه لكون سلطات المطارات تستوقفه في أي رحلة يقوم بها.. حرصت كلما تعاملت مع جريدة أن ألفت نظرهم إلى هذه الأخطاء. لكن أحداً لم يبال بي.. إن القطار سريع جداً لا يهتم بالصغائر والمتحذلقين مثلي. أضف لهذا أن من يرتكب هذه الأخطاء هو شخص مجهول.. أكبر من الواقع.. لا يراه أحد ولا يعرفون من هو حقاً.. لهذا سوف تستمر هذه الأخطاء للأبد.. هذه سنة الكون ما بقيت مهنة الإعلام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©