الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سقوط جدران الدعاية

سقوط جدران الدعاية
6 ديسمبر 2012
يحمل كتاب “كيف خسرت إسرائيل: الأسئلة الأربعة” الصادر عن المركز القومي للترجمة تأليف ريتشارد بن كريمر، ترجمة وتقديم ناصر عفيفي، الكثير من الإدانة للسياسة الإسرائيلية الفظة ضد الفلسطينيين على مدار سنوات الاحتلال التي تجاوزت 43 عاما، لأن ذلك الأمر بات معلومًا للقاصي والداني، ولم يعد بمقدور أكثر المدافعين عن إسرائيل والمؤيدين لها أن يجادل في عدوانيتها المفرطة ووحشيتها غير المبررة، ويقول المؤلف “لو كان الإسرائيليون جادون في السلام لأعادوا لأهل فلسطين كل أراضي الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية كدفعة أولى ضمانًا لتحقيق السلام”. ويضم الكتاب أربعة فصول، تحدث المؤلف عن “أسطورة الدولة اليهودية” وتتبع تطورها منذ إقامتها على أرض فلسطين سنة 1948، مشدداً على أن الإسرائيليين أصبحوا ضحايا توسعهم واحتلالهم الضفة الغربية وغزة سنة 1967، بحيث فقدوا روحهم، كما طرح الكاتب أسئلته الأربعة وهي ما سبب اهتمام أمريكا بإسرائيل؟ وما هي الدولة اليهودية؟ لماذا لم يتحقق سلام مع العرب؟ ولماذا لا يحصل الفلسطينيون على دولة؟. ومن حديثه عن تسويق أكذوبة “أسطورة الدولة اليهودية” عالمياً منذ التزم هو بها لدى قيامها مخدوعاً بالدعاية الصهيونية المضللة إلى اكتمال سقوط الأقنعة عن المشروع الصهيوني الذي مضى يوغل في ارتكاب جرائم وحشية ضد الإنسانية، وفق ما ذكر الكاتب، كان الجنون سمة ملازمة للسلوك الصهيوني على امتداد عمر هذا المشروع الاستعماري، بحيث أدرك المؤلف شيئاً فشيئاً أنه مشروع لا يستطيع الاستمرار. ينتقل المؤلف إلى توصيف عميق الجذور لأسباب هذا التشدد الإسرائيلي قائلا “لقد أصبح معظم جنرالات إسرائيل يفكرون في مستقبلهم بعد التقاعد، إما بقيادة الأحزاب السياسية أو المؤسسات العامة أو الشركات الخاصة، وبمجرد وصولهم إلى مراكز القيادة هناك ينقلون إليها ثقافتهم وخبرتهم العسكرية ويستخدمون وسائل القوة لحل المشكلات المادية طبقا للمأثور العسكري، فإذا لم يجد استخدام القوة لحل المشكلة فمن الممكن استخدام قوة أكبر، ولا يوجد ضابط في إسرائيل وصل إلى رتبة جنرال من دون أن يفهم أن أعداؤه وأعداء إسرائيل هم العرب، وأن استخدام القوة والقوة الأكبر هو الكفيل بحسم الأمور”. وهكذا يفسر الكتاب السؤال الأكثر شيوعا كيف تتغير الحكومات في إسرائيل ما بين تحالف يقوده حزب العمل وآخر يقوده حزب الليكود دون أن تتغير نظرتهم نحو العرب وإمكان تحقيق سلام معهم، الحقيقة المرة هي أن قناعة الجنرالات العميقة هي أنه إذا دخل السلام فلا أحد يحتاج إليهم في إسرائيل ولذلك يحاربون كل إمكانات احتمال السلام. وحسب رأي ريتشارد بن كريمر لم يبدأ الصراع بين الفلسطينيين واليهود بسبب قدوم المهاجرين الأوائل، ولا قدوم المهاجرين الذين بعث بهم الصهيونيون بعد ذلك.. لم يبدأ بإنشاء دولة إسرائيل، ولا حتى بحرب 1967، لقد بدأ العنف الفلسطيني ضد العسكريين والمدنيين الإسرائيليين عندما تجرأت إسرائيل متجاهلة جميع القوانين والمواثيق الدولية، وشرعت في إنشاء المستوطنات على أرض فلسطين، وهذه الحقيقة ـ حسب رأي بن كريمر ـ تساعد في فهم الصراع العنيف المحتدم حاليا بين الطرفين.. إنها تعني بالنسبة لي ـ على الأقل ـ أن الفلسطينيين لايقاتلون اليهود لمجرد أنهم يهود. ويوضح المؤلف وجهة نظره قائلا: لقد كانت فتح حركة علمانية يسارية تماما كالحركة الصهيونية، وكان يهوي فؤادها نحو موسكو وحدثني الصحفي داني روبنشتاين من صحيفة “هاآرتس” قائلا إنه كان يرقب الحركة الثقافية وسط الناشئة الفلسطينية عن كثب، وما كانوا يقرأون في الزمان الماضي سوى كتب ماركس وانجلز ولينين وستالين، أما الآن فقد انقلبوا على كل ذلك وصاروا لا يقرأون في الغالب إلا الكتب الإسلامية، ولكن بينما كان قراء الكتب اليسارية يقاتلون إسرائيل بالأمس، فإن قراء الكتب الإسلامية يقاتلونها اليوم إذن فالإسلام ليس هو ـ بحد ذاته ـ الذي يقود القتال ضد اليهود وإنما الظلم المرتكب ضد الفلسطينيين هو الذي يدفع إلى ذلك. يقول بن كريمر إن السؤال يمكن مع ذلك أن يطرح نفسه بهذه الصيغة: لماذا استلم الإسلاميون الدفة في العمل العنيف ضد إسرائيل؟ حدث ذلك بعد أن عاد أبو عمار إلى فلسطين، ولم يجلب لشعبه شيئا مما كان يتطلع إليه، بل رأى الفلسطينيون الظلم يتضاعف بتضاعف عدد المستوطنات الإسرائيلية على أرضهم، وبتشديد القبضة الأمنية الإسرائيلية عليهم أكثر من ذي قبل. لقد انخدع أبو عمار أو خدع، ولكن الشعب الفلسطيني لم يخدع وقبل ذلك فإن الإسلاميين الذين رفضوا اتفاقيات الصلح جملة وتفصيلا لم يخدعوا، وبذلك زادت شعبيتهم وسط الفلسطينيين لاسيما بعدما عهدوهم يستخدمون الأموال التي يجمعونها من التبرعات استخداما نزيها ورشيدا في تقديم خدمات صحية وتعليمية للمواطنين! ويقول المؤلف بصراحة يحسد عليها إن الحيلة التي لم يتعلمها الفلسطينيون من اليهود هي كيف يتحركون ليمتلكوا زمام المبادرة ولو جزئيا للحديث عن أنفسهم، وشرح مشكلتهم منطقيا للعالم وقيام إسرائيل بقفل مناطقهم وتسييجها وهو ما يمثل مشكلة لا يمكن أن يتسامح العالم فيها لو علم بها، ولكن كيف له أن يعلم والفلسطينيون لا يتحدثون عنها وكأن لا شيء يهمهم أو يعنيهم من ذلك على الإطلاق. ويستطرد “حتى أنا لو بقيت صحفيا يقرأ الصحف ويأخذ منها خبر ذلك الجدار العازل لما عرفت الأمر على حقيقته وصدقت أقاويل جهاز الدعاية الإسرائيلية عن أن الغرض من الجدار ليس عزل الفلسطينيين جميعا وإنما عزل الأشرار القتلة وحدهم وحماية المدنيين الإسرائيليين المسالمين من عدوانهم”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©