السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من مجتمع مغلق

حكايات من مجتمع مغلق
6 ديسمبر 2012
هذه المجموعة القصصية التي أصدرتها بعد ترجمتها إلى الفرنسية دار “الفجر” الباريسية اختار لها مؤلفها الفيتنامي (نغويان هو تياب) Nguyen Huy Thiep عنوان “جرائم، حب وعقاب” crimes, amour et châtiment، وقد اعترض بعض النقاد على هذا العنوان التجاري رغم ان مجموعة القصص تضمنت فعلا تصويرا لأحداث فيها الغدر والخيانة والقتل والسرقة، فالمؤلف قدم لوحات من واقع مجتمعه فيها تصوير للإنسان الفيتنامي بخصاله وعيوبه. والكاتب يعيش اليوم في فيتنام تحت نظام يوصف بأنه نظام استبدادي، وهو مصنف عند نظام بلاده كمعارض ومشاكس ولذلك لم يسمح له بالسفر الى باريس لتقديم هذا الكتاب المتضمن ترجمة قصصه الى اللغة الفرنسية. والمطالع على بعض القصص أو كلها لا بد ان يكون ملما بتاريخ الفيتنام ولو قليلا، وعارفا ببعض عادات سكانه وتقاليدهم، وملما بالقيم السائدة في المجتمع ليتمكن من فهم هذه القصص. ولا شك ان الناشر الفرنسي تفطن لهذه النقطة وباتفاق مع المؤلف ولمساعدة القارئ العادي تم تقديم شروح وملاحظات في أسفل صفحات الكتاب لتوضيح بعض ما قد يستغلق من رموز وأماكن وإحالات جاءت ضمن السرد القصصي، فالروائي استند في بعض قصصه على أساطير فيتنامية عريقة كقصة الأميرة والصياد، وكان لا بد من تقديم معلومات يجهلها القارئ عن هذه الأساطير. وقد ضمّن الروائي كل قصصه رسائل سياسية واجتماعية غير مباشرة، كما ضمّنها نقدا سياسيا ولكن هذا النقد كان مشفرا ويقرأ بين السطور تحسبا من الرقيب، فالنظام الذي يحكم الفيتنام لا يسمح بحرية التعبير، ولذلك التجأ الروائي الى التورية والترميز وأساليب بلاغية أخرى للإفلات من الرقابة والمحاسبة. ولكن ورغم حذر المؤلف وبسبب آرائه ومواقفه الناقدة للنظام الشيوعي الفيتنامي، فإن تنقلاته مراقبة وأحيانا يتم فرض الإقامة الجبرية عليه. وتقول ناقدة فرنسية إن قوة هذه القصص تكمن في شحنة الأحاسيس التي تتسلل إلى وجدان القارئ، والمؤلف وهو في الثانية والستين من العمر كان لفترة طويلة مدرسا في القرى والأرياف الفيتنامية، ولذك جاءت قصصه زاخرة بالمواقف التي تعكس تشبعه بالتحولات التي يعيشها مجتمعه، وقد حاول ان يصورها في قصصه ولذلك يمكن اعتبار هذه المجموعة القصصية شهادة على تطور المجتمع الفيتنامي وعلى التحولات الطارئة عليه. وقد نجح القصاص في تقديم صورة عن حياة الناس في الفيتنام خلال الخمسين عاما الأخيرة فجاءت هذه المجموعة القصصية كرحلة اكتشاف لأشخاص يحركهم الحب والحقد والكراهية والعنف والخيانة. ومن أهم القصص التي تضمنها الكتاب قصصا تحمل عناوين: “قلب الفهد”، “ثار الذيب”، “ذات مساء ممطر”، “الذهب والنار”، “عمي هوات”. وقد فجر الروائي في مختلف هذه القصص خياله الساخر الناقد. والأديب الفيتنامي ألف أيضا للمسرح، وهو مصنف كمجدد في الأدب ينتمي الى جيل من النخبة المثقفة التي تريد الخروج من جلباب الواقعية الاشتراكية. وككل الأدباء الفيتناميين فان الحرب دائما حاضرة في قصصه ورواياته، وهو يذكر ان أمه أخبرته أنها فرت به في سلة ربطتها على ظهرها عندما كان عمره بضعة أيام، وقد أنقذته من القنابل الفرنسية التي سقطت يومها بكثافة في معركة شهيرة خاضها الاستعماريون الفرنسيون ضد الوطنيين الفيتناميين في ما كان يسمى وقتها بالهند الصينية، وقد خسرت فرنسا الحرب إثر معركة “ديان بيان فو” الشهيرة التي قادها القائد الفيتنامي الشهير هوشي منه. ورغم ان السلطات الفيتنامية الرسمية اليوم تمارس تضييقات على الروائي وتقطع عليه أحيانا خطه الهاتفي وتتنصت على مكالماته وتحد من تنقلاته، فإنه ولحماية نفسه أجاب عندما سئل عن سبب عدم مجيئه الى باريس لتقديم الترجمة الفرنسية لمجموعته القصصية الجديدة بأنه رجل مسن وأنه مصاب بمرض القلب والسكري ليتقي شر السلطة. وقد قامت دار النشر الفرنسية التي تولت ترجمة المجموعة القصصية ونشرها بحملة تضامن كبيرة لفائدته، ورغم أن النظام الفيتنامي الحالي قد طلق الماركسية اللينينية وأظهر بوادر تفتح اقتصادي باعتماد اقتصاد السوق، الا أنه بقي يمارس ضغوطا كبيرة على النخبة المفكرة، والطريف أن هذا الروائي اضطر لفترة وأمام قطع أبواب الرزق أمامه إلى فتح مطعم صغير يسترزق منه إلا أن المخبرين تفطنوا الى انه كان يعرض على زبائنه كتبه فلم يسلم من الأذى، ولذلك ولكل ما شاهده وعاشه ولاحظه فان قصصه تضمنت كلها سخرية مرة، مرر من خلالها صورة سوداء مظلمة عن واقع الحياة السياسية والاجتماعية في الفيتنام اليوم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©