الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجريمة طريق للخلاص!

الجريمة طريق للخلاص!
6 ديسمبر 2012
حقق الفيلم المغربي “موت للبيع” للمخرج فوزي بن سعيدي، نجاحا مقدرا في العديد من المهرجانات الدولية والإقليمية التي شارك بها، كان آخرها فوزه بالجائزة الكبرى في مهرجان الفيلم المتوسطي بمدينة تطوان حيث صور، وكان الفيلم حصل على جائزة أفضل فيلم إفريقي في مهرجان ميلانو الإيطالي المخصص للسينما الإفريقية. ويعود المخرج فوزي بنسعيدي بفيلمه هذا، بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمه “يا له من عالم رائع” حيث يؤكد علو كعب هذا المخرج الشاب وتفوقه على مخرجي السينما المغربية في الوقت الراهن، فقد حقق فيلم “موت للبيع” نجاحا مدويا في عدة مهرجانات سينمائية وحصد جوائز عديدة منها الجائزة الكبرى لمهرجان بروكسيل وجائزة سيني أوروبا وجائزة الفن والتأليف بمهرجان برلين. كما فاز بالجائزة الكبرى لمهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط، وجائزة أحسن فيلم إفريقي بمهرجان ميلانو ومهرجان السينما العربية والآسيوية بنيودلهي وجائزة لجنة التحكيم الخاصة مهرجان السينما المغربية. وعرض فيلم “موت للبيع” في أبرز المهرجانات الدوليّة منها “كان” و”البندقية” و”برلين” و”دبي” و”مراكش” و”القاهرة” و”تورونتو” وغيرها كثير. واختير كفيلم افتتاح عدة مهرجانات سينمائية منها مهرجان الفيلم بفاس ومهرجان السينما الافريقية بالمغرب ومهرجان ربيع السينما العربية الذي نظم مؤخرا بباريس، كما تم اختياره لتمثيل المغرب في جوائز الأوسكار لعام 2013، ضمن المسابقة العالمية لأحسن فيلم اجنبي. الخلاص من الفقر يكرس هذا النجاح الجديد لفوزي بنسعيدي مكانة هذا المخرج الشاب الذي تثير اهتمام النقاد بأعماله التي تقارب قضاياها مشاكل الشباب المطحون وتستعرض وضعية المهمشين وتغوص في عوالم احلامهم حيث يرتدي الملائكة أقنعة الشياطين، فيصير الدم طريقهم الوحيد نحو الخلاص من الفقر والظلم. وتدور أحداث الفيلم وهو الثالث لفوزي بنسعيدي بعد “ألف شهر” (2003) و”يا له من عالم رائع” (2006)، حول قصة حياة ثلاثة رفاق يعيشون وضعا اجتماعيا صعبا، شأنهم شأن غالبية الشباب المهمش العاطل عن العمل الذي يحاول تجاوز هذا الوضع الاجتماعي وتحقيق الأحلام ولو عن طريق الجريمة، ويرصد الفيلم العالم السفلي للمدن المغربية حين تصير الجريمة والإدمان والتطرف مثلثا ينخر هذا الوسط الاجتماعي، ورغم شخصيات أبطاله المنحرفين يبدو المخرج متعاطفا مع هؤلاء الشبان “الذين يحبون الحياة ويستحقوا أن يعيشوا فيها رغم فقرهم المادي والأخلاقي”، ويحاول بث نفحة شاعرية في جو يسوده التوتر الاجتماعي. وقد أثار الفيلم اهتمام الملاحظين والمتتبعين للشأن السينمائي واعتبره النقاد نقطة تحول في مشوار المخرج فوزي بنسعيدي، ورغم اختلاف النقاد حول هذا الفيلم الجريء، إلا انهم يتفقون بأنه محاولة جادة لنقل السينما المغربية نحو العالمية بعد تتويج الفيلم في عدة مهرجانات وترحيب النقاد والجمهور به على حد سواء، الشيء الذي اعطى للفيلم حياة اخرى. ويحكي الفيلم قصة ثلاثة شبان يحتالون ويسرقون من أجل العيش ليس لهم ما يخسرونه ولا يرهبهم شيء للوصول إلى غايتهم، لكن صداقتهم تتحول إلى مأساة عندما يقررون السطو على محل للمجوهرات، فدوافعهم المختلفة لسرقة أكبر محلات بيع المجوهرات تتسبب في نشوب خلاف بينهم إلى حد الشجار العنيف، حيث الأول سيقع في حبّ بائعة هوى والثاني سيسعى إلى الإتجار بالمخدرات فيما سيحاول الثالث قتل صاحب المتجر المسيحي. وقد أدى دور البطولة في الفيلم فهد بنشمسي وفؤاد الأبيض ومحسن مالزي وإيمان مشرافي وهو من إخراج فوزي بنسعيدي، وتم تصويره بمدينتي أكادير وتطوان وبلغت تكلفة إنتاجه مليوني دولار. حب ورفاق يحاول الشاب “مالك” (26 سنة) بطل الفيلم الذي أدى دوره الممثل فهد بنشمسي إثبات نفسه وكسب قلب حبيبته فهو يعشق “دنيا” التي أدت دورها إيمان المشرفي حد الجنون ويريد تخليصها مما تعاني منه، أما علال (30 سنة) الذي أدى دوره فؤاد الأبيض فيحلم بضربة العمر من خلال الاتجار بالمخدرات، بينما “سفيان” (18 سنة) الناقم على كل شيء والذي أدى دوره محسن مالزي فكله غضب يتغذى من فكرة الانتقام من المجتمع. وتدور أحداث الفيلم في مدينة تطوان شمال المغرب حيث يسيطر تجار المخدرات والهجرة السريّة، بالنسبة لمالك وعلال وسفيان، فتطوان هي مدينة المتاهات والمال السهل حيث يحاول الأصدقاء الثلاثة الباحثين عن وجودهم وعن إجابات تتعلق بحياتهم وغربتهم تلمس طريقهم في هذه المدينة غير المكترثة لهم وتحويل حياتهم السلبية والهامشية الى حياة حقيقية تتحقق فيها الأحلام. بطل الفيلم مالك يعيش في كنف أسرة ممزقة تتكون من والدته التي لا حول لها ولا قوة، وشقيقته التي تعمل في مصنع للملابس وزوج الأم الذي يستنزف ميزانية الأسرة ويلفق لمالك تهمه الاتجار بالمخدرات ليتخلص منه. وفي هذا السياق تظهر في حياة مالك “دنيا” فتاة الشارع التي يقع مالك في حبها ويحاول جاهدا إخراجها من حياة الليل والذل، لكن من أين يأتي بالمال لتحقيق حلمه. اما علال السجين السابق الذي يعيش مع أب مدمن على شرب الخمر، فيختصر أحلامه بضربة حظ في تجارة المخدرات تجعله ثريا، ويحاول علال الخارج لتوه من السجن إقناع صديقيه بحياة الشارع وتنفيذ هجمات هنا وهناك على سيدات عابرات يتم اختطاف حقائبهن واقتسام ما في داخلها بين أولئك الرفاق الثلاثة. ويتأثر المراهق سفيان الذي يقيم في دار الأيتام وتسيطر عليه فكرة الانتقام من كل شيء بالحالة الصعبة التي يعيشها محيطه الاجتماعي، فهو لا يتوانى عن السرقة والاعتداء لينتهي به المطاف في أحضان إحدى جماعات التطرف “السلفية التكفيرية” التي تطالبه بتنفيذ أعمال إرهابية وعدوانية. وبسبب وطأة الحياة والفقر وانعدام الأمل ينغمس الثلاثة في السلبية التي تجعل حياتهم موجهة إلى غاية محددة هي العنف والسرقة وأي شكل من أشكال مخالفة القانون والهرب والتخفي، وبعد ارتكابهم عدة سرقات سريعة، يتعاون هؤلاء الشبان الثلاثة لتنفيذ عملية مهمة فقد حان الوقت لأمور أكثر جدية حيث يقررون السطو على محل مجوهرات لرجل مسيحي عجوز، لكن خطتهم تواجهها بعض العراقيل بسبب اختلافهم على الغنيمة وعلى الهدف من السطو على محل بيع المجوهرات، فسفيان الذي تأثر بفكر المتطرفين تتحوّل السرقة بالنسبة إليه إلى جهاد ضدّ “الكافر” التاجر المسيحي، اما علال فقدْ فقدَ حتى قيمة الإخلاص والوفاء حتى أصبحت خيانته لصديقه مالك أمرا عاديا باعتدائه على دنيا في غيابه. وأناء تنفيذهم عملية السرقة تطوق الشرطة المكان ويحاول كل من الثلاثة الفرار بالغنيمة وفي الأخير ينجح مالك بالهرب حاملا المجوهرات ليسلمها الى دنيا التي تغدر به تاركة إياه معلقا بين السماء والأرض في مشهد لافت ينتهي به الفيلم. يقدّم فيلم “موت للبيع” نقداً لاذعاً للمجتمع الذي لم يبالي بمصير شبان تتقاذفهم أمواج الفقر والتشرد شبان يحترفون الجريمة وليس لهم في ذلك ما يخسرونه ولا يرهبهم شيء للوصول إلى هدفهم الخاص، فهم نتاج أسر مفكّكة تعيش على الحافة... تقاوم الغرق وتجرّها يومياً إلى القاع سلبية أفرادها ولجوؤهم للجريمة القائمة على العنف والتطرف والتهريب. ويعكس الفيلم صورة مصغرة لشريحة اجتماعية يطحنها الفقر وتلهث وراء أحلامها الممزقة، لكنه يدفع المتفرِّج الى التعاطف معها ومع ما تقوم به في سبيل تحقيق أحلامها، مما أثار انتقاد المتابعين الذين عابوا على المخرج استخدامه كمّا كبيرا من الكلمات البذيئة والشتائم وتصويره الحياة في المدينة بأنها حياة قاسية لا أمل فيها كما انتقدوا المشاهد الجريئة بين بطلي الفيلم، واعتبر بعض النقاد ان قصة الفيلم تبقى كلاسيكية وان المخرج تأثر ببعض الأفلام الأجنبية وخاصة الفرنسية. ودافع المخرج عن وجهة نظره وقال ان الحياة اليومية في أوساط الهامشيين والمتشردين وذوي السوابق الإجرامية تفرض ان تكون لغة الشارع هي لغة التخاطب في الفيلم، واعتبر أن المشاهد الساخنة كانت ضرورية وان السينما إبداع لا علاقة له بالمواعظ. وقال المخرج فوزي بنسعيدي ان الفساد والبغاء والإتجار بكافة أشكاله هي مواضيع يعالجها فيلم “موت للبيع” وانه من الواجب على “السينما تناول مواضيع خاصة بالمجتمع يمكن معالجتها عبر مواجهتها والنظر إليها وجهاً لوجه أكثر منه عبر إغفالها”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©