الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجمهور هو المنقذ

الجمهور هو المنقذ
6 ديسمبر 2012
على تقاليده العريقة وتضافر جمهوره معه يراهن مهرجان تسالونيكي على استمرار وجوده رغم ما يحيط به من مخاطر تهدد بتوقفه، متأتية من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها اليونان. وللبرهنة على قوة عزيمة منظميه لتنظيم دورة جديدة لا تقل عن سابقاتها أعلنوا في مؤتمرهم الصحفي الذي سبق افتتاحها بوقت قصير عن نيتهم في الاستمرار بذات التوجهات السابقة وأضافوا لها تصورات مستقبلة ورهان أكبر من السابق على السينما المستقلة، مع الحفاظ على تقاليد رسخها المهرجان لأكثر من نصف قرن فيما تخص التعامل مع جمهوره وحرصه الشديد على جلب أفلام متعددة الاتجاهات اليه وتوفير فرصة مقابلتهم سينمائيين وضيوف كبار يأتون اليه من كل صوب، هذا الى جانب تنظيمه ندوات وطاولات نقاش مستديرة يشارك. نظرة متمعنة على برنامج الدورة الثالثة والخمسين للمهرجان يُظهر رغبة المشرفين عليها في الاستمرار والحفاظ على مستوى نوعية جيد طالما حافظوا عليه رغم كل ما يحيط بهم من تهديد نتيجة لوضع سيء تعيشه البلاد، لهذا واستباقاً لأي تخفيض محتمل في ميزانيته أعلن المهرجان منذ بداية العام الغاء جوائزه المادية، مكتفياً بجوانبها المعنوية. النوعية أولاً إجراء كهذا يعرف متخذوه إنه سيُستقبل برضى وتسامح لتفهم الجميع أسباب اتخاذه ولكنهم وعلى مستوى النوعية لن يتساهلوا، أو يتعكزوا على الأسباب القوية التي لديهم، كي يتراجعوا عن تقاليد رسخوها عبر عقود، بل على العكس يبدو برنامج الدورة ال53 أكثر سعة وطموحاً من سابقاته وهذا هو الأهم على مستوى تحقيق النجاح المطلوب لكل مهرجان، وحتى الجوانب الفنية، مع انها تفصيلية، فأن من دُعي الى تسالونيكي من قبل يعرف جيداً إنهم حريصون على سير أدق تفاصيله بسهولة واتقان يحسدون عليهما. فالمهرجان ميزته الأهم: البساطة والدقة المتناهية. حتى جانبه التجاري المتمثل بسوق “أغورا” لم يتأثر كثيراً وظل يعمل بجد لدعم السينمائيين في كل مكان. لسوق المهرجان “أغورا” سمعة طيبة كمصدر لدعم النتاج السينمائي على أكثر من مستوى كما أنه مثل مثيلاته يتحول خلال فترة انعقاد المهرجان الى ملتقى تجاري للترويج وعقد الصفقات السينمائية اضافة الى توفيره امكانية عرض أفلام المشاركين فيه على الموزعين والصحفيين. وللسينمائين العرب سنوياً حصة معقولة منه على مستوى الدعم المالي المقدم لمراحل عدة من إنتاجهم، أو حتى لإتاحته لهم فرصة التعريف بمنجزهم السينمائي. مشاريع عربية في الدورة الحالية وكما ورد في البيان الصحفي الخاص بالسوق حصلت بعض مشاريعهم على دعومات مالية، من بينها: “فتاة المصنع” لمحمد خان الذي يمثل عودة له بعد فترة انقطاع، والى جانبه من مصر أيضاً فيلم ايهاب أيوب “69 ميدان المساحة”، ومن لبنان مشروع كارلوس شاهين “بستان التفاح”. ويدعم سوق “أغورا تقاطع طرق” مشروع المخرج الأردني يحيى عبد الله “أنا، نفسي ومردوخ” ومعه الفيلم الجزائري “الجزائر ليلاً” ليانيس كوسيم. “آفاق مفتوحة” من أكبر خانات المهرجان وتضم 50 فيلماً، من بينها عروض خاصة بالسينما المستقلة. صاحب تحفة “z” اليوناني الأصل كوستا غافراس انضم اليها بفيلمه الجديد “رأسمال” وعنوانه يشي بصلته بأزمة العالم المالية. وكمراجعة لتاريخ روسيا البيضاء خلال الحقبة النازية وتواطأ ستالين ضدها يقدم سيرجي لوزنيتسا رؤيته لها “في الضباب”، مصحوباً بسمعة واقبال نقدي جيدين. أما بالنسبة للمخرج النمساوي أولريش سيدل الذي احتفى به المهرجان في دورته السابقة قرر هذة المرة عرض جزئين من ثلاثيته الجديدة “جنة” هما؛ الإخلاص والإيمان. ومن السينما المستقلة أُختير أثني عشرة فيلماً بينها: “طفل” للبلجيكي فين تروش و”جمالك لا يعني شيئاً” للنمساوي التركي الأصل حسن تاباك الذي تناول فيه وضع عائلة مقاتل كردي جاءت من جبال تركيا طلباً للجوء في فينا، التي لم تجد راحة فيها، لكثرة ما تعرضت له من إهتزازات شديدة عانى بسببها الصبي فيصل طويلاً واحتاج كي يعيد توازنه الى كتابة قصيدة حب بالألمانية الى صبية يوغسلافية نجح في ايصالها لها لحظة مغادرتها النمسا مع عائلتها الى وطنها بعد رفض طلب لجوئهم. لم يقدم الفيلم جديداً عن أفلام الهجرة إلا في مستوى تناوله للعلاقة الملتبسة بين التركي والكردي في بلد المهجر وكيف يمكن أن تتوحد عبرهما أمة منقسمة خارج حدودها. والموضوع الكردي في السينما التركية المشاركة في الدورة 53 نجده أيضاً في فيلم “خلف التل” الذي عرض في مهرجان أبو ظبي السينمائي الأخير وعالج فيه البير أمين الصراع التركي الكردي عبر حكاية غاية في البساطة تجري أحداثها في منطقة سهول يفصلها تل، لا نرى منه إلا الطرف التركي، أما الطرف الثاني، حيث هناك يتمترس الغامض، فسيبقى يشكل خطراً وهاجساً مقلقاً لعائلة الإقطاعي التركي الذي أخذ قطيعاً من الخراف والماعز من أحد الرعاة “الرحل” وهي الصفة التي يطلقونها على الأكراد، فبالنسبة اليه والى “تركيا” العثمانية لا يمثل هؤلاء سوى مجموعة من القبائل الطارئة لا حق لها في الإقامة فوق أرضه وبالتالي يصبح الإستيلاء على كل ما يملكون حقاً مشاعاً لهم ما دامهم طارئين وعابرين ويسكنون “خلف التل”. الى جانبه سنشاهد تحفة الكندي كيم نيجوين “ساحرة الحرب” واستحقت عنه ممثلته الرئيسية راشيل موانزا جائزة أفضل ممثلة في دورة مهرجان برلين الأخيرة بعد أن أدت دوراً رائعاً في فيلم تناول واقع المقاتلين الأطفال في الحروب الأهلية وكيف خسرت الطفلة الأفريقية كل ما عندها؛ من عائلة وقرية بل حتى من البراءة الأولى حين أجبرها فصيل مسلح على الإنضمام الى صفوفه وأرغموها في أول خطوة لتدمير الكائن الإنساني داخلها بقتل والديها بنفسها لتتحول بفعلها الى كائن يمارس القتل دون تردد. حكاية “ساحرة الحرب” وهو اللقب الذي أطلقه عليها مقاتلوا الوحدة صورت في الكونغو قريباً من سوح المعارك الأهلية الطاحنة التي جرت في هذا البلد وغيره من دول الجوار وراح ضحيتها ألاف من البشر والأبرياء وأنتج نوعاً من المقاتلين الأطفال الذين يصعب وحتى بعد إنتهاء الحرب العودة الى الحياة السوية ولهذا هم يموتون أكثر من مرة فإذا نجوا من موت في المعارك فأن موتاً روحياً ينتظرهم حين يعودون الى قراهم، فالساحرة لاحقها الموت ولاحق كل من أحبت حتى طفلها الذي أنجنبه في ظروف غير إنسانية لا ينتظره مستقبلا واعدا فالحروب الأهلية قد حرقت الأخضر واليابس ومعها أوراح أطفال أبرياء. وبمناسبة رحيل إبن أثينا البار المخرج الكبير ثيو أنغلوبولوس عن عالمنا، فأنه أمر متوقع، أن يُحيّ مهرجان يوناني هذا الحدث وحتماً سيكون برنامجه موضع اهتمام من يأتي الى تسالونيكي ليجده حافلاً بعروض تغطي مراحل حياته. والى جانبه قدمت الدورة ثلاث تحايا الى ثلاثة مخرجين هم؛ الفلندي أكي كاوريسماكي والإيراني بهمان قوبادي والألماني أندرياس دريسن، ولكل واحد منهم ستقدم باقة من أفلامه مع الحرص على عرض آخر نتاج له، صانعين بهذا ديناميكية تواصل موفقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©