الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركز الثروات ونهاية الفرصة الأميركية

6 ديسمبر 2012
ناثان جاردلز كاتب وصحفي أميركي هناك احتمال كبير لأن ينجح رافاييل سيبريان في مسيرته المهنية. فهذا الشاب الوسيم من أميركا اللاتينية، هو أصلاً نجم موسيقي وممثل مشهود له بموهبته في وطنه. واليوم، انتقل سيبريان للعيش في لوس أنجلوس، حيث تم الاعتراف له بموهبته في هوليود. لغته الأم تمنحه امتيازاً وأفضلية في سوق اللغة الإسبانية المتنامي في الولايات المتحدة والعالم. وعلى غرار كثيرين من قبله، يقول سيبريان: «في الولايات المتحدة هناك أمل وشعور بأن المرء يستطيع تحقيق أي شيء يريده». وبالفعل، فهذه العقيدة التي تروج لها ضمنياً العديد من الأفلام الأميركية هي واحد من أسباب الجاذبية العالمية المستمرة لهوليوود التي تجذب أمثال سيبريان الشاب إلى بلدنا. ومثلما قال المخرج الراحل سيدني بولاك ذات يوم، فإن «الأفلام الأميركية تقول للناس في كل مكان إنك لست في حاجة لأن تكون طويلاً وقوياً حتى تنجح. فقد تكون صبياً ترتدي جهاز تقويم الأسنان في بلدة صغيرة وتحلم بالنجاح والمغامرة في الحياة؛ والأفلام تقول لك إن ذلك ممكن. فأنت تستطيع أن تكتب قصتك بنفسك. هذا هو جوهر أميركا في الواقع». وفي المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي عقد في تامبا (فلوريدا) في وقت سابق من هذا العام، عبّرت آخر امرأة جمهورية ذات شعبية كبيرة، وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، عن هذه العقيدة الطموحة على النحو التالي: «إن أميركا لا تهتم بـ(من أي أتيت)، وإنما بـ(إلى أين أنت ذاهب)». غير أن الفرصة للجميع أخذت اليوم تتحول بسرعة إلى خيال هوليودي. وعلى نحو مثير للسخرية، فقد تكون هوليود واحداً من الجيوب القليلة حيث مازال الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي القائم على الجدارة والموهبة حقيقة، شأنها في ذلك شأن منطقة «سيليكون فالي» الصناعية (في كاليفورنيا)، حيث يستطيع طالب في غرفته بالسكن الجامعي بارع في الرياضيات أن يذهب لربط العالم وجني ثروة طائلة. غير أنه بالنسبة للأغلبية الساحقة من الأميركيين هناك قصة أخرى بدأت تتشكل ملامحها: نظام جديد لحكم أثرى الأثرياء أخذ يرسخ ويحكم قبضته على القمة، وذلك لأن فقط الوظائف منخفضة الأجور التي لا تؤدي إلى أي مكان هي التي يتم خلقها على مستوى القاعدة. أما الطبقة الوسطى فقد أخذت تفرغ لأن الصناعة نُقلت إلى خارج البلاد، والتكنولوجيات الرقمية الجديدة، التي تعهد بالعمل إلى المستهلكين أنفسهم، أخذت تحل محل الجميع، من الصراف في البنك إلى موظفي قطاع الطيران. ولعل بعض الأرقام المهمة ترسم لنا صورة واضحة عن كيف باتت عقيدة أميركا مهدَّدة. فاليوم، ومثلما تنقل كريستيا فريلاند في كتابها الجديد «البلوتوقراطيون»، فإن الـ20 في المئة الأوائل من الأميركيين يمتلكون 84 في المئة من الثروة. ومنذ أزمة 2008 المالية، لم يزدد هذا التوزيع المتفاوت إلا حدة. ذلك أنه إذا كان دخل الـ99 في المئة قد «انتعش» بـ0?2 في المئة، فإنه قد ازداد بالنسبة للـ«1» في المئة الأوائل بـ11?6 في المئة. وإذا كان الـ«1» في المئة الأوائل من الأميركيين يمتلكون 8 في المئة من كل الدخل في 1975، فإنهم صاروا بحلول 2012 يمتلكون 22 في المئة. وجزء كبير من هذه الثروة يتركز في أيدي ما يسمى بنخبة النخبة في قطاع المال والأعمال، التي حصلت على 40 في المئة من كل أرباح الشركات وقت انهيار 2008. وبالتوازي مع ذلك، تراجعت الصناعة الأميركية إلى أقل من 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع نحو 24 في المئة خلال العقيدين الماضيين. وقد تمت خسارة قرابة ربع هذه الوظائف نتيجة للتجارة مع الصين، وذلك من خلال سلسلة من السياسات التي تستثمر في المهارات والتدريب، مع الحد من الأرباح من أجل ضمان استمرارها. هذا بينما حافظت ألمانيا على قاعدة صناعية تنافسية تعادل 24 في المئة من الناتج المحلي الخام وتُعتبر الركن الرئيسي لرخاء طبقتها الوسطى. وتُعد الصين أحد أكبر الأسواق بالنسبة لأجهزتها وتفوقها الهندسي المشهور. ومثلما جادل بذلك إيريك برينجولفسون وآندرو ماكافي في دراستهما الأخيرة، «الإنسان ضد الآلة»، فإن انتشار التكنولوجيا الرقمية عبر الاقتصاد، وإعادة تنظيم كل أنماط العمل تقريباً، زادا من الإنتاجية بشكل كبير؛ لكنهما لم يزيدا من الوظائف. ونتيجة ذلك، فإن «شبح الصراف الآلي» بات يطارد الطبقة الوسطى المؤلفة بالخصوص من أصحاب «الياقات البيضاء»، وهم المهنيون المتعلمون خلافاً لأصحاب «الياقات الزرقاء» الذين تتطلب وظائفهم عملاً يدوياً. وفي هذه الأثناء، ومثلما وثق ذلك الفائز بجائزة نوبل مايكل سبانس، فإن 90 في المئة من الـ27 مليون وظيفة التي خُلقت في الولايات المتحدة خلال عشرين سنة الماضية كانت في قطاعات منخفضة الأجور، مثل البيع بالتجزئة والرعاية الصحية والخدمات الحكومية. والواقع أن أكبر خطر يتهدد عقيدة الفرصة الأميركية هو أن تتضافر هذه العوامل (تركز الثروة، وموت الصناعة، وتعويض التكنولوجيا للإنسان)، مما سيؤدي إلى إنهاء الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي. وفي وقت يسعى فيه البلوتوقراطيون إلى الدفاع عن امتيازاتهم من خلال التأثير السياسي للمال والحفاظ على وضعهم النخبوي عبر احتكار وصول أطفالهم إلى مؤسسات التعليم الجامعي المرموقة، مثل ستانفورد وهارفارد وبرينستون، فإن كل الآخرين سيُحرمون من الوصول إلى القمة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©